على مدى 148 عاما تمثل تاريخ الحياة النيابية المصرية منذ عام 1866 وحتى الآن تعاقبت على مصر سبعة نظم نيابية اختلفت سلطاتها التشريعية والرقابية من فترة لأخرى . وعكست كل منها نضال الشعب المصري وسعيه نحو تحقيق الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية و الكرامة الانسانية، والتي تفجرت من أجل تحقيقها ثورات الشعب المصري، ولعب البرلمان دورا مهما لتلبية آمال وطموحات الشعب، وكان مفجرا أو سببا رئيسيا في لحظات ما لتحريك تلك الثوارت، من خلال نواب دوت صرخاتهم تحت قبة البرلمان لنقل معاناة الشعب ومظالمهم والتحذير من غضبتهم أمام تراجع حقوقهم وأنتهاك كراماتهم لمجرد محاولاتهم الحصول على جزء من حقوقهم من خلال رعاية صحية أو نظام تعليمي أو حق في سكن مناسب وفرصة عمل ملائمة تكفل الحد الادني من الرعاية بعيدا عن الوساطة والمجاملة . وخلال أكثر من 135 عاماً من التاريخ البرلماني، تعاقبت فيها على البلاد اثنان وثلاثون هيئة نيابية تراوح عدد أعضائها ما بين 75 عضواً و 458 عضواً، أسهموا في تشكيل المناخ السياسي بمصر ووجهها الحضاري الحديث في مختلف جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وقد أسهمت كل هذه الهيئات النيابية في تشكيل تاريخ مصر وحاضرها ورسم معالم مستقبلها, وإبراز وجهها الحضاري, وبلورة رؤيتها الحديثة لمختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وارتبط تاريخ البرلمان المصري بتاريخ الحركة الوطنية المصرية وشهدت مصر تكوين مجالس نيابية تتمتع بسلطة التشريع كذروة لنضال وطني, على اساس أن البرلمان القوي هو الوسيلة الأساسية لتحقيق الاستقلال. ولما كان للبرلمان هذا الدور المهم في كافة مراحل التحولات السياسية بمصر وعلى الرغم من عدم اتمام تشكيل مجلس النواب الجديد "المرحلة الثالثة والأخيرة من خارطة الطريق" بسبب تأخر صدور قانون تقسيم الدوائر أو بسبب إنشغال الدولة بحربها ضد الارهاب، إلا أن البرلمان أبى ألا يشارك في مرحلة التحول السياسي التي تعيشها مصر حاليا في أعقاب ثورة 30 يونيو والتي اطاحت بحكم الإخوان ولعب دورا مختلفا في هذا التحول وأن لم يكن من خلال نوابه وانما بمبناه الذي شهد خلال عام 2014 العديد من الفاعليات والاحداث التشريعية والتي أثرت بشكل كبير في شكل النظام التشريعي المصري وكأنه رؤى ألا تخرج أي تشريعات بعيدا عن البرلمان حتى وأن كانت داخل مبناه. وهو ما حدث من خلال احتضان جنبات مبنى البرلمان من خلال قاعاته وغرفه المغلقة وقاعته العامة العديد من الاجتماعات المغلقة و المؤتمرات الصحفية التي أثرت بشكل كبير في المشهد السياسي الحالي . وكان على رأسها اجتماعات لجنة تقصي الحقائق التي أعقبت ثورة 30 يونيو والتي أطاحت بحكم الاخوان، وكذلك تشهد قاعات المجلس اجتماعات لجنة الاصلاح التشريعي والتي أمر الرئيس عبد الفتاح السيسي بتشكيلها في أول قرار له عقب توليه مهام رئاسة البلاد لتتولي مراجعة كافة التشريعات والقوانين، بالاضافة إلى اجتماعات لجنة تقسيم الدوائر الانتخابية والتي شكلها المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء تنفيذا لبنود خارطة الطريق لتتولى مراجعة قانون الدوائر واعادة تقسيمها. اجتماعات تلك اللجان ومؤتمراتها الصحفية التي غيرت مسار العملية السياسية بمصر سواء من خلال ما أعلنته لجنة تقصي حقائق ما أعقب ثورة 30 يونيو والتي رصدت العديد من الوقائع التي صاحبت تلك الفترة، أو من خلال ما أنتهت اليه لجنة تقسيم الدوائر الانتخابية والتي أعادت تشكيل الخريطة الانتخابية من خلال تقسيم الجمهورية ألى 237 دائرة انتخابية ينتخب لها 420 نائب على المقاعد الفردية، بالاضافة الى 120 على نظام القوائم، ليمثلون الشعب ويعبرون عن آماله وطموحاته خلال المرحلة المقبلة وما يطلبه من تشريعات لتحقيق أهداف الشعب، اضافة الي اجتماعات لجنة الاصلاح التشريعي التي تتولي مراجعة التشريعات القائمة واقتراح التعديلات عليها لتتوائم مع الواقع خاصة وان بمصر حزمة من القوانين والتي يصفها البعض بأنها "عفا عليها الزمن" لتكون بذلك بمثابة احياء ضمني للدور التشريعي للبرلمان في أقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.