مستقبل وطن يطلق أضحى الخير لدعم الفقراء    وزير الدفاع يلتقي وزير خارجية جمهورية بنين    وعي المصريين الحصان الرابح ضد أكاذيب أجندات الإخوان الإرهابية على سوشيال ميديا    ذبح 148 رأس ماشية لتوزيعها على الأسر المستحقة في الشرقية خلال عيد الأضحى    قرار هام من الحكومة بتطوير وتحديث الأتوبيس النهري    نائب رئيس مؤتمر المناخ والبيئة تدعو المجتمع العربي للتحرك في مواجهة التحديات المناخية    رسميًا إطلاق خدمات الجيل الخامس بمصر.. كل ما تريد معرفته عن السرعة والتحميل والباقات    لضبط التنقيب العشوائي.. إزالة 32 طاحونة ذهب بوادي عبادي في حملة موسعة بإدفو    «الإحصاء»: 16.5% معدل التضخم السنوي خلال مايو (تعرف على نسبة زيادة السلع والخدمات)    «مدبولي» يوجه باتخاذ التدابير اللازمة خلال فترة إجازة عيد الأضحى المُبارك    الدفاع الروسية: دفاعاتنا الجوية أسقطت 109 مسيرات أوكرانية    الرئيس السيسي ونظيره الإماراتي يبحثان تعزيز التعاون الثنائي بالمجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية    عراقجي لأمين عام حزب الله: إيران مهتمة بمساعدة لبنان    زلازل وعواصف وجفاف.. هل تستغيث الأرض بفعل تغيرات المناخ؟    بورتو منافس الأهلي يكشف عن زيه الاحتياطي فى مونديال الأندية.. فيديو    لوكا مودريتش يقترب من الانتقال إلى ميلان بعد نهاية مسيرته مع ريال مدريد    «قد يحسم أمام العراق».. حسابات تأهل منتخب الأردن مباشرة ل كأس العالم 2026    بيكهام ينضم إلى بعثة الأهلي المتوجهة إلى أمريكا الليلة    بيراميدز يجدد عقد المغربي وليد الكرتي موسمين    نجم الزمالك السابق يحذر من خماسي بيراميدز قبل نهائي الكأس    الزمالك يفسخ التعاقد مع مدافع الفريق رسمياً    المشدد 7 سنوات لأب ونجله لتعديهم علي شخص وإصابته بعاهة مستديمة بشبرا    الإسكندرية ترفع حالة الطوارئ بشبكات الصرف الصحي استعدادًا لصلاة عيد الأضحى    وفاة الضحية الرابعة في حادث كورنيش المقطم    ارتفاع تدريجي ل درجات الحرارة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس يوم عرفة (تفاصيل)    قصور الثقافة تنظم برنامج فرحة العيد للأطفال بالمناطق الجديدة الآمنة    «بيحبوا المغامرة».. 4 أبراج تستغل العيد في السفر    وزير الثقافة ل«الشروق»: لا غلق لقصور الثقافة.. وواقعة الأقصر أمام النيابة    إطلاق البوستر الرسمي لفيلم "أخر راجل في العالم"    فيلم جيهان الشماشرجي وصدقي صخر "قفلة" ينافس مع 300 عمل بمهرجان Palm Springs    دعاء يوم التروية 2025.. أدعية مستحبة ومعلومات عن فضل اليوم الثامن من ذي الحجة    الصحة: قرارات فورية لتيسير علاج المرضى ب"جوستاف روسي"    للوقوف على الخدمات.. لجنة بالمجلس القومي لحقوق الإنسان تزور مستشفى أهل مصر    أول تحرك من «الطفولة والأمومة» بعد تداول فيديو لخطبة طفلين على «السوشيال»    البابا تواضروس الثاني يهنئ فضيلة الإمام الأكبر بعيد الأضحى المبارك    توريد 592 ألف طن من القمح لصوامع وشون الشرقية    تبدأ بنقل وقفة عرفات .. تفاصيل خريطة عرض شاشة MBC مصر في عيد الأضحي    البابا تواضروس يهنئ رئيس الوزراء بعيد الأضحى المبارك    تزايد الضغط داخل مجلسي الكونجرس الأميركي لتصنيف جماعة الإخوان "إرهابية"    مجلس الأمن يصوت اليوم على مشروع قرار لوقف إطلاق في غزة    بالأسماء.. 58 مركزًا لإجراء فحوصات المقبلين على الزواج في عيد الأضحى    28 فرصة و12 معيارًا.. تفاصيل منظومة الحوافز الاستثمارية للقطاع الصحي    سيد رجب يشارك في بطولة مسلسل «ابن النادي» إلى جانب أحمد فهمي    مسابقة لشغل 9354 وظيفة معلم مساعد مادة «اللغة الإنجليزية»    تحرير 911 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    محافظ أسيوط يشارك أطفال معهد الأورام فرحتهم بقرب حلول عيد الأضحى    أحكام الحج (12).. علي جمعة يوضح أعمال أول أيام التشريق    جبران: حريصون على استقلالية النقابات وترسيخ ثقافة الحقوق والحريات    أنشطة ثقافية ومسرح وسينما فعاليات مجانية لوزارة الثقافة فى العيد    أيام الرحمة والمغفرة.. ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة    «اللهم املأ أَيامنا فرحًا ونصرًا وعزة».. نص خطبة عيد الأَضحى المبارك 1446 ه    تكبيرات عيد الأضحى 2025.. تعرف على حكم التكبير فى العيدين بصيغة الصلاة على النبى    مصرع شخص وإصابة 21 شخصا في حادثين بالمنيا    زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50% تدخل حيز التنفيذ    موعد إعلان نتيجة الصف الثالث الإعدادي 2025 في الجيزة ترم ثاني    كامل الوزير: انتقال زيزو للأهلي احتراف .. وهذا ما يحتاجه الزمالك في الوقت الحالي    «شعار ذهبي».. تقارير تكشف مفاجأة ل بطل كأس العالم للأندية 2025    «الإفتاء» تنشر صيغة دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البصاص والكلمة والقفص

قال وعيناه تتسعان: «كل الخيوط فى يدي.. أرفع الناس وأنزلها ، أعزها وأذلها».. صوب نظرته تماماً فى حدقتى محدثه وهو يروى:
« لم تكن المشكلة هناك ، ولكن المشكلة هنا.. لقد راحت فيها رؤوس ورقاب.. نعم يا سيدى.. لقد كنت هناك فى الميدان حين وقعت الواقعة، وقلت لهم إنكم إن لم تستمعوا لنصائحى ستحل عليكم اللعنة.. يبدو أن بعضهم لم يكن يعرفنى، فتساءلوا وهم يبدون دهشتهم لوجودى فى مثل هذا المكان الحساس.. قلت لهم كلمة واحدة: «أنا المخبر».. فاختفت ألسنتهم فى أفواههم المغلقة «.. اعتدل فى مقعده وهو يحاول أن يريح كرشه المنفوخ، ثم أشار إلى رأسه بسبابته قائلاً: «أنا اعتمد تماماً على نفسى.. لم أسع إلى أى منصب ،ولكن الدنيا كلها كانت تأتى لى دون طلب.. أنا لا أريد شيئاً سوى أن أكون المخبر»..
شعور هائل بالسلطة ينفخه كبرميل أجوف، يتحدث بثقة مطلقة تكشف بسهولة عن جهل مطلق، يسير مختالاً متعاجباً وهو يقسم للناس أن أكثر مايميزه هو التواضع، وفى أعماقه ما يكشفه لأحد أصدقائه:
«أخشى من اليوم المحتوم الذى تزول فيه سلطاتى، أنا مرعوب من لحظة المعاش وكأنها لحظة الموت، وربما تكون الموت فعلاً.. فمن أجل عملى النبيل أصبح لى أعداء فى كل مكان، لا أستطيع حصرهم أو تحديدهم، إنهم فى مكان ما ينتظرون لحظة انقشاع أضواء السلطة من حولى مرة أخرى، وحينها وفى ظلام المعاش البارد قد ينقضون كالذئاب الجائعة .. لقد فعلوها مرة ، وملعون إذا سمحت لهم أن يكرروا ذلك مرة أخرى ..» يتنهد قبل أن يتلفت حوله بحرص، ثم ينحنى على أذن صديقه هامساً: «بالطبع أؤمن نفسى ..فهؤلاء الذين ينتظرون سقوطى أقوم بتدميرهم تماماً ، أو أبذل ما فى استطاعتى كى ألوثهم فلا تقوم لهم قائمة مرة أخرى.. يكفى أن أرسل إلى صبيانى وسوف ينشرون قصص المؤامرات والخيانات.. أن الشيطان نفسه يعجز عن حيلى»..
تنطفئ الأضواء فى كل بيوت المدينة ، ينام الناس مع كوابيسهم، بينما «البصاص» لا ينام، فهو خلف كل، تحت كل فراش، فى العقول والقلوب..
هكذا توقفت سطور القصة فى أوارقى القديمة، مثلها مثل سطور أخرى ظلت حبيسة خلف قضبان عيون البصاص على أمل أن تتحرر ذات يوم وترى النور، ولعل القارئ يدرك بعد قراءتها صحة استنتاجى بأن عدم إكمالها هو كمالها ، ومن المؤلم على الكاتب أن يجد نفسه فى حاجة لإيضاح ما انتهى من كتابته، مثلما حدث قبل سنوات فى جمعية الأدباء بالقاهرة، حين كانت تتم مناقشة بعض قصصى، ووقف شاب يسألنى عن مغزى إحدى القصص، لقد أجبته بأننى لست مسئولاً عن تقديم مذكرة تفسيرية للعمل بعد أن انتهيت منه، فهو مثل طلقة خرجت من فوهة بندقية لا سبيل إلى إعادتها مرة أخرى ، ولا جدوى من إعادة تصويب أتجاهها كى تصيب الهدف.. وقد سألنى صديق عزيز مؤخراً عن سبب توقفى عن كتابة القصة القصيرة والاقتصار على كتابة المقالات، فقلت له إننى أتذكر مقولة لبريخت يقول فيها: «يكاد الحديث عن الأشجار أن يكون جريمة، لأنه يعنى السكوت على جرائم أشد هولاً».. الفن لغة غير مباشرة ، وهى لغة لا يحتملها زماننا وظروفنا ، بحيث أصبح المقال ضرورة لتوصيل ما يعتمل فى النفس والعقل، ومع ذلك فإننى أقترف القصة من حين لآخر، وأحفظها فى أدراجى.. ذكرت له أن أحد كبار الناشرين قال لى ذات يوم عندما قدمت له مخطوطة لمجموعة قصصية: «الشعر والقصة لا يبيعان.. هات مثلاً كتاباً عن فضائح السياسة أو الفن، وسوف أطبعه لك فوراً».. ولكن ماذا تعنى الكتابة فى زمن الحصار؟.. لقد اختطفت الفضائيات عيون وعقول ووقت الإنسان المعاصر، وتحول ذلك الإنسان إلى كائن سلبى يتلقى ما يصب فى عقله دون مجهود فى البحث أو الإمعان أو التفسير، وكأن ذلك العقل مجرد معدة تبتلع دون أن تهضم، رغم أن الطعام يتم امتصاصه كى يضرب بعناصره حتى النخاع، ولقد فقد الإنسان المعاصر أيضاً حياته الأسرية والاجتماعية ، فأمام شاشة التليفزيون يتجمع البشر دون أن تتاح لهم فرصة الحديث أو النقاش ، فكل واحد مختطف ويتولى خاطفوه التفكير بدلاً منه، ويقدمون إليه الخبر والتحليل والرأى والتفسير حتى ينام كى يحلم بالكوابيس!!..
والكتابة السياسية من أخطر وأهم أنواع الكتابة، لأنها فى الغالب الأعم نوع من الاستشراف والتنبؤ على ضوء معطيات تمتزج فى عقل الكاتب بثقافته ورؤيته وقدرته على الإبداع ، وهى فى بعض الحالات تصبح مغامرة حقيقية قد تؤدى بصاحبها إلى السجن أو الموت، ولكن الكاتب الصادق يشعر بأن موهبته تمثل منحة إلهية بحيث تتحول إلى رسالة يحاسب عليها إذا قصر فى أدائها، ولاجدال فى أهمية هذا النوع من الكتابة للمجتمع، فهى أسلوب من أساليب التثقيف السياسى لرفع مستوى الوعى السياسى للشعب، كما أنها تمثل نوعاً من الإضاءة لبعض المواقف التى قد يكتنفها الغموض، ويمكن القول أيضاً أنها أحياناً يمكن أن تقدم عوناً كبيراً فى التوضيح والتلميح والمساهمة فى بناء المستقبل.
والكاتب السياسى ليس معصوماً من الخطأ، فهو مجرد مجتهد قد ينال ثواب اجتهاده إذا صح، ويكفيه شرف المحاولة إذا أخطأ، وأن يحاول الالتصاق بقضايا شعبه المصيرية بكل إخلاص وبأكبر قدر من الموضوعية . ربما هذا ليس زمن القلم، وقد يكون على الكتاب أن يبحثوا لهم عن مهنة أخرى، كما أن إيثار السلامة وتفادى الألغام التى تختبئ خلف كل كلمة وحرف قد يكون أفضل كثيراً من حلم فى حرية باهظ التكلفة ويبدو محال التحقيق، ولعل البعض قد يقولون ما فائدة القلم فى زمن البصاص، وما جدوى السطور فى مخاطبة القبور؟... وهذه كلها بلا شك أسئلة مشروعة بل وجدية، ولكن ليست هذه هى المشكلة.. فالمشكلة هى أن «داء الكتابة» ليس خياراً للكاتب، فهو مجبول على ذلك ومدفوع دفعاً عليه، كما أنه لا جدال فى أنه فى التحليل الأخير يبقى للقلم سطوته وقيمته، وكيف لا إذا كان الله سبحانه وتعالى قد أقسم به؟، وسوف تبقى للكلمة قيمتها التنويرية مهما تكاثفت السحب وطال زمن الظلام ...
لمزيد من مقالات السفير معصوم مرزوق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.