نهر النيل له فى نفس الشعب المصرى مكانة عالية، وله فى الأدب الشعبى على مر التاريخ نقوش عميقة وأصداء بعيدة. وقد عملت د. نعمات أحمد فؤاد على رصد الاحتفاء الشعبى بنهر النيل وذلك من خلال كتابها "النيل فى الأدب الشعبى", فتصور أثر النيل العظيم فى وجدان الشعب المصرى، وتعرض القصص والأمثال والأغانى والمواويل وغيرها من ألوان الفنون الشعبية التى تعيش على ضفافه, بوصفها أيام المصريين على النهر وقصتهم معه ورأيهم فيه وتصورهم له وإحساسهم به. ويقع الكتاب فى عشرة فصول، يتناول كل منها ملمحاً فنياً من ملامح التعامل الشعبى مع النيل، وتمتاز الفصول بالتنوع والثراء، والاستئناس بالأمثال الفنية للتأكيد على الظاهرة التى يتناولها كل فصل. ففى الفصل الأول "النيل فى الأغانى الشعبية" تؤكد الباحثة أهمية النيل فى إلهام الشاعر الغنائى الشعبى "المجهول فى معظم الأحيان"، و الذى فى بعض الأحيان يسمى النيل ب"البحر" وفى أحيان أخرى ب"النيل", لكن الأدب الشعبى لم يستخدم أبداً كلمة النهر، وترصد الكاتبة أيضا المفردات الشعبية المستخدمة بكثرة فى هذه الأغانى والمواويل, كألفاظ السقيا والذبول والإحياء والغياب والمجئ، ومن الأمثلة التى ساقها الكتاب تأريخ أحد الشعراء لبدء غرامه أثناء صيده البط على شط النيل، فيقول: واجف على الشط باصطاد بط وانا عايم صادنى غزال زين خدوده حمر ونعايم من أصل عالى فى خير ونعايم وكيف أطوله وما بينى وبينه بعيد جلبى غرق فى هواه يابا وانا عايم وفى الفصل الثانى "لوازم النيل وزروعه فى الأغانى الشعبية" يلفت الكتاب لأغانى الساقية والشادوف والمحراث والنورج، وغناء الفلاح لقطنه وفاكهته، كذلك أغانى الحصاد وسمك النيل، والقلل التى تُملأ من النيل، وأيضا هناك مواويل الشكوى التى تُبث للنيل، ومنها قول الشاعر: بلد الحبايب بعيدة نوّحى يا عين يا مين يجيب لى حبيبي وياخد من عيونى عين وياخد النص راخر ويكفانى بقية العين النيل هدف جرف وانا دمعى هدف جرفين قسما وبالله وصوم العمر يلزمنى ما افوت حبيبى ولو أعدم بقية العين والفصل الثالث "غناء وبكاء وصور شتى" يتناول النيل فى المراثى الشعبية، وتحاول الكاتبة فيه تحليل دلالات الصور الغنائية للنيل فى تلك المراثى. أما الفصل الرابع فيحكى عن "النيل فى القصة", مثل حكاية "صندل مع ورد" وفيها يغذ الشاطر حسن السير حتى تدمى قدماه، فيجلس تحت شجرة، والشجرة تحتها نهر أحمر بلون الدم، يصد الوارد عنه الثعبان فيقتل الثعبان وتصفو المياه وتشرب الطيور والناس.. وهذا يذكرنا بما جاء فى الأساطير المصرية من أن "أباتون" قد تمثله الكهنة جبلا به كهف غائر، يقر فيه أوزوريس على هيئة النيل ويحرسه ثعبان.. ويورد الكتاب عدداً من القصص المشابهة للنيل فى الوجدان الشعبى. وفى الفصل الخامس "النيل فى الأمثال الشعبية"، تورد الكاتبة –مع التحليل- عددا كبيراً من الأمثال الشعبية التى كان النهر بطلا لها، مثل: "إن جاك النيل طوفان خد ابنك تحت رجليك"، "لا خير فى زاد ييجى مشحوط ولا نيل ييجى فى توت"(أى شهر توت الموازى لسبتمبر)، وأيضا تورد الكثير من الأمثال المستمدة مفرداتها من النهر كالمياه والسُقيا والسباحة والمعدية والعطش وغيرها. والفصل السادس "النيل والأمثلة الزراعية" يبرز المفردات الزارعية المستخدمة فى الأدب الشعبى مثل: أردب وكيلة وأسماء المحاصيل الزراعية، وتُسجل هذه الأمثلة فى الكتاب نظرا لاتصال الزراعة فى مصر بالنيل، فكلما يأتى ذكر الزراعة تتبادر إلى الذهن فورا صورة النيل العظيم. أما الفصل السابع "النيل والموالد الشعبية" فيشير إلى ارتباط النيل بالموالد الشعبية قديما وحديثا، حتى أن بعض الموالد يُحتفل بها يوم 16 يونيه وهو اليوم الذى اعتبر قدماء المصريين أن دمعة إيزيس نزلت فيه فى نهر أوزوريس أى النيل. والفصل الثامن "النيل ولغة الشعب" يتناول أثرالنيل فى اللغة الشعبية، ويشير إلى أنه كما يستمد البدو مفردات حياتهم من الحياة الصحراوية، فإن سكان المناطق النيلية الخصيبة يستمدون مفرداتهم أيضا من النيل والخصب والزراعة والظلال والورود وغيرها من المفردات. وفى الفصلين التاسع "عروس النيل"، والعاشر "وفاء النيل" تتناول الكاتبة بالبحث والتحليل أسطورة "عروس النيل" وتتبع جذورها الفرعونية، وأيضا تتحدث عن جذور احتفال المصريين ب"وفاء النيل" فى شهر أغسطس من كل عام.