كنا قد تعرضنا على هذه المساحة فى الأسبوع الماضى لقرى المنوفية التى تمكنت بمفردها من تحدى البطالة والفقر على طريقتها الخاصة بعيدا عن أجهزة الدولة التى رفعت يدها عنها، حيث يعتمد أهلها على أنفسهم عملا بالمثل القائل "ما حك جلدك مثل ظفرك"، وتتوارث الأجيال جيلا بعد جيل حرفة أو صنعة اشتهرت بها 18 قرية٫ تناولنا منها قريتى أبو شعرة وشما ٫ واليوم نكمل مع 4 آخرين ٫ تألقت فيها قرية المنشى فى صناعة الأرابيسك ونافستها شنوان فى تصنيع أخشاب الجريد لتشاركهم جريس و المنقدى بصناعات الفخار والأصداف ٫ فى هذه القرى تجد الشباب مثل خلية النحل داخل الورش والسيدات داخل البيوت ليتم تجميع المنتج وتوريده للأماكن الشهيرة، مثل خان الخليلى بالقاهرة ومنها لجميع دول العالم لتفترش قصور الاثرياء، لكن المشكلات عديدة والمطلوب دعم هذه التجارب المدهشة صدف ساقية المنقدى وتشتهر قرية ساقية المنقدى بتصدير منتجها من الصدف إلى بازارات السوق من علب أو مكعبات خشبية مطعمة بالصدف التى تستخدم للديكور وحفظ المجوهرات والأشياء الثمينة، والتحف الفنية كالفازات وأطباق الزينة والكراسى، ويمتهن أغلب سكانها حرفة التطعيم بالصدف، من خلال العشرات من الورش الخاصة بهذه الحرفة، التى تشكل فيما بينها مباراة يومية فى الدقة والمهارة والبحث عن الجديد، فى تشكيلات وأساليب التطعيم. وتضم القرية نحو 70 ورشة لصناعة منتجات الصدف والتحف الفنية، يعمل بها حوالى 1000 عامل، والطاقة الإنتاجية تقترب من 1.6 مليون قطعة سنويا، وتتم هذه الصناعة بورش تجدها ملحقة بالمنزل الريفى أو تجاور الحقول وبهذه الورش - التى تضم كل واحدة فيها ما لا يقل عن عشرين شخصا. فخار جريس أما قرية "جريس" فيبلغ عدد سكانها 30 الف نسمة تقريبا، اكتسبت شهرتها من موقعها المتميز على فرع رشيد لنهر النيل، وكانت فى عهد الفراعنة ميناء لنقل البضائع بين مدن الوجه البحرى، والقرية تميزت بصناعة الفخار نظرا للمقومات الطبيعية بها، من توافر الطينة السوداء الكثيفة التى تعد المصدر الأول لصناعة الفخار، الى جانب توافر مصدر دائم للماء وهو نهر النيل، وأيضا مهارة الايدى التى يتوارثها أبناء جريس جيلا بعد جيل . وأوضح أحمد غنيم أحد الصناع، أن الصانع الماهر ينتج فى المتوسط يوميا نحو 150 قطعة متوسطة الحجم كالقلل والأطباق، ومن 30- 50 قطعة من التحف والانتيكات، وهناك شروط لإتقان مهنة الفخار، وهناك العديد من طلاب كليات الفنون الجميلة والتطبيقية بالقاهرة والإسكندرية يحضرون إلينا للتعلم، إلا ان المهنة تعانى ضعف الاقبال على المنتجات بسبب الحداثة التى يعيشها المواطنون حتى فى الارياف .وكذلك غلاء أسعار المادة الخام المسماة "بالطفلة" التى يتم تشكيل الاوانى الفخارية بها، كما تواجه مشكلات مع وزارة البيئة فى طريقة الحرق بالحطب، بالاضافة لفرض ضرائب وتأمينات اثقلت كاهل العاملين بالصناعة. أرابيسك كفر المنشى وتتميز قرية كفر المنشى بقويسنا بورش إنتاج الأرابيسك، وفى فترة التسعينيات كان كل شباب القرية يعملون فى هذا المجال، ولم يكن يوجد بينهم اى عاطل ولا يكلفون الدولة عناء توفير فرص عمل لهم وحققت شهرة واسعة فى مجال إنتاج الأرابيسك ،حيث لم يكن أى بيت من بيوت القرية يخلو من ماكينات الأرابيسك، وأصبح التعامل معه على أنه تحفة فنية، وكانت ورش النجارة الموجودة فى دمياط عاصمة الموبيليا يأتى أصحابها إلى قرية كفر المنشى لشراء منتجات الأرابيسك بالسعر الذى يحدده أصحاب هذه الورش، لأنه كان يدخل بشكل أساسى فى تزيين الأثاث، حيث تزينت القصور والمساجد والمنازل بأعمال الأرابيسك . ورغم ان المهنة يدوية فى المقام الأول، لكن توجد ماكينات كبيرة أكثر تطورا، ولكنها باهظة الثمن ولا تستطيع الورش الصغيرة تحملها، وفن الأرابيسك يتشكل من فنون الحفر والزخرفة والخط والرسم والتعشيق والنقش والتطعيم، ولذلك تمر عملية تصنيع الأرابيسك بالعديد من المراحل ليصل الى المنتج النهائى، سواء كان أطقم أنتريهات أو ترابيزات أو مكاتب أو حتى غرف نوم، والخشب بأنواعه هو الأساس فى عمل الأرابيسك، ولكن من الممكن أن يستخدم معه الصدف وبعض المعادن كالنحاس، ويتم شراء خامات الأخشاب من مصانع الأخشاب، ولكن ارتفاع أسعار الخامات وأسعار النقل وتحميل هذه الزيادات على سعر منتج الأرابيسك وهو ماضاعف سعره لعدة مرات . جريد شنوان وتشتهر قرية شنوان بشبين الكوم بصناعة الجريد, وتتوافر العمالة المدربة بصورة كافية لما تتطلبه هذه الصناعة من اتقان لأدق أسرارها والتحلى بالصبر والتحمل، خاصة انها تشهد العديد من التصميمات الفنية الدقيقة والجماليات المبهرة، وهذا فى أغلب الظن ما تتهافت على شرائه المنتجعات والقرى السياحية . والقرية تعد نموذجا متميزا في التصدى بصورة كبيرة لمشكلة البطالة، حيث يوجد بالقرية التى تقع على مسافة 2 كيلو متر من مدينة شبين الكوم حوالى 150 ورشة منتجة للجريد، وقد حظيت منتجات قرية شنوان من الجريد بقبول فى مختلف اسواق المحافظة والمحافظات الأخرى المجاورة. وعن هذه المهنة يقول محمد محمود - منتج - إن صناعة الجريد ومشتقاتها لا تمثل عبئا اقتصاديا فهى احدى الصناعات الخفيفة والمربحة فى آن واحد، ويرجع ذلك بالاساس إلى قلة تكاليف تلك الصناعة فالمواد الخام المستخدمة فى صناعة الاقفاص متوافرة ولا تمثل مشكلة فضلا عن تكلفتها البسيطة, وفى النهاية يطالب اصحاب تلك المهنة الدولة بحمايتهم من خلال التأمينات الاجتماعية والصندوق الاجتماعى.