طوال أيام الاسبوع الماضى اعيش كغيرى من المصريين مأساة مدينة المطرية فى اعقاب غرق سفينة الصيد «بدر الاسلام» وبحارتها كلهم من المطرية فى مياه خليج السويسبالبحر الاحمر.. نتيجة اصطدام احدى السفن الكبرى من ناقلات الحاويات بها ..وقرأت روايات الناجين عن وقوع هذا الاصطدام الذى شق سفينة الصيد وغرقها وغرق بحارتها الذين يزيد عددهم على الاربعين والذين لم ينج من نجا منهم إلا بواسطة سفن الصيد التى كانت جوارهم ..وكان عدد الذين توفوا منهم نحو خمسة وعشرين بما فى ذلك الذين فقدوا غزقا ،اغلبهم من كبار السن الذين لم يقووا على السباحة لمدة طويلة فى ساعات منتصف الليل فى مياه البحر الاحمر الباردة كالثلج والمليئة بأسماك القرش، بينما كان المصابون نحو خمسة عشر ..وكانت صور المأساة على وجوه الامهات والزوجات الثكلى فى جميع الصحف، وبحثت عن مسئول كبير يكون قد ذهب لمواساتهم فلم اجد احدا ولم يظهر سوى اسم سكرتير محافظة جنوبسيناء والذى اعلن ان الدولة ستصرف تعويضا بمقدار خمسة آلاف جنيه لكل من اسر الغرقى والمفقودين والف جنيه لكل من المصابين اذهلتنى هذه الارقام الهزيلة فى ضوء حجم المأساة.. ليس من شك ان التحرك السريع من جانب السيد المستشار النائب العام فى تحريك المسئولية الجنائية على مالكى الباخرة ناقلة الحاويات التى صدمت بدر الاسلام بمن عليها ان هذا التحرك السريع من النائب العام يستحق كل التقدير،كما تستحقه هيئة السلامة البحرية التى اعدت التقرير الفنى واثبتت فيه اخطاء السفينة ناقلة الحاويات وقبطانها والضابط الثانى وكيف انه كان يمكن ان يتفادى هذا الاصطدام والادهى من ذلك عدم توقف السفينة لانتشال الغرقى ..الا ان ذلك كله لن يعيد للامهات والزوجات الثكالى والابناء والاب العجوز الذى فقد ابنه الذى كان يعوله ويعول اخويه العاجزين.. وان التعويضات التى نتوقع ان يحصل عليها اهل الضحايا لن توقف احزان فقدانهم لذويهم الذين ابتلعهم البحر ومع ذلك فهذه الكارثة ينبغى ان تفتح اعيننا على ابعاد اعمق تصل الى مشكلة كبيرة يعيشها ابناء المطرية وغيرها من المدن المشاطئة لبحيرة المنزلة بل ومصر كلها .. أولا: الامر العاجل الاول ان تتبنى الدولة قضية الاسر المنكوبة وتصرف لهم تعويضا معقولا عاجلا وليس هذا التعويض الهزلى المتمثل فى خمسة آلاف جنيه لاسر الغرقى والمفقودين والف جنيه لاسر المصابين ثانيا: اما الامر العاجل الثانى فيتمثل فى ان تشكل الدولة فريقا قانونيا كفئا ومتمرسا فى هذا النوع من القضايا لتبنى مطالبات اهالى الضحايا للحصول على التعويض الذى يستحقونه من مالكى السفينة الصادمة اما مايسمى بتعويضات الدولة فليست إلا على سبيل الاعانة العاجلة وليست تعويضا بالمعنى القانوني، ولكن مسئولية الباخرة الصادمة واضحة بما فى ذلك توافر عناصر المسئولية التقصيرية بغض النظر عن المسئولية الجنائية .. ولكن الأمر يحتاج المعونة من الدولة لتوفير الفريق القانونى المتمكن حيث لن يتأتى لامر الضحايا توفير المساعدة القانونية للمطالبة بحقوقهم فى التعويض. ثالثا : ماجرى لبحيرة المنزلة عبر الاعوام الخمسين الماضية بواسطة الدولة من تحويل هذه البحيرة التى كانت من قبل درة بحيرات مصر الشمالية وتحويلها الى مصرف يصب فيه كل انواع الصرف ، الصرف الصحى والصرف الزراعى والصرف الصناعى مما كان له ابلغ تأثير على انتاج البحيرة من السمك واصبح الناس يبتعدون عنه باعتباره سمكا مسمما ومما جعل الصيادين من اهل المطرية وغيرها يهجرون مهنة الصيد فيها ويلجأون للصيد فى البحر سواء كان البحر المتوسط او البحر الاحمر.. ثم توالت السياسات العبقرية للدولة فاضافت الى كارثة الصرف الصحى فى البحيرة كارثة اخرى هى كارثة ردم اجزاء من البحيرة مما شجع على ظهور مجموعة من الافراد ذوى السطوة الذين استولوا بالقوة على اجزاء من البحيرة واعتقد انه على الدولة ان تبدأ فى العمل على تطهير بحيرة المنزلة وباقى البحيرات الشمالية ..وهو امر لاينبى ان يكون مستحيلا وقد سبق للدول الاوروبية ان طهرت بحيرات كانت قد تلوثت من قبل . رابعا: ضرورة ان تعمل الدولة على توعية الصيادين الذين يعملون فى البحار بالقواعد المعروفة فى العالم، من حيث الالتزام بالمرور الآمن وتوفير وسائل الانقاذ المعروفة للسفن قبل ابحارها للصيد بما فى ذلك وسائل الاتصال بمراكز الاستغاثة واعطاء الاشارات للسفن المجاورة للمساعدة فى الانقاذ .. والتأكد من توافر هذه الوسائل قبل الابحار. خامسا: تعزيز مراكز الاغاثة البحرية بحيث تكون لها القدرة على تلقى رسائل الاستغاثة وارسال قوارب سريعة للانقاذ سادسا: تحويل وزارة الدولة لشئون البيئة الى وزارة ذات اختصاصات وامكانات فعالة.. فمازالت قضايا البيئة فى مصر ينظر اليها وكأنها ترف ولاتستحق الاهتمام بها ووزارة الدولة للبيئة تقف عاجزة عن فرض احترام قوانين البيئة .. واعتقد اننا سنجد استعدادا من الدول الاجنبية للمساعدة فى شئون البيئة وتطهير بحيرة المنزلة والبحيرات الشمالية الاخرى من الدول الاوروبية خاصة دول البحر المتوسط. اما اشقاؤنا من اهل المطرية واهل الغرقى والمفقودين فى مياه البحر الاحمر فى ليلة سوداء من ليالى شهر ديسمبر ..فلهم العزاء كل العزاء من كل المصريين وقد تكون حادثتهم الفاجعة بداية حركة افاقة فى الدولة لوضع سياسة تنقذ بحيرة المنزلة وتعيدها الى سيرتها الاولى ..وتعيدها الى اهلها الشرفاء ..وتوفر وسائل الانقاذ السريع فى الحالات الطارئة للسفن وهى فى عرض البحر. لمزيد من مقالات عبدالرءوف الريدى