في يوم بهجة وفرح احتفلت عناصر الفنون المختلفة بإعادة افتتاح المسرح القومى بعد ترميمه وتطويره، حيث ظل مغلقا لأكثر من 6 سنوات منذ احتراقه عام 2008.. لكنه عاد في يوم20 ديسمبر 2014 متألقا مبهرا ممتلئا بعشاقه من كبار النجوم الذين حرصوا على المشاركة في تلك اللحظة المهمة من تاريخ مسرحهم العريق بدأ الاحتفال من خارج بوابات المسرح بمشاركة التنورة وفرق الآلات الشعبية التى عزفت الألحان الوطنية وأغنيات الفرح والأعياد لتجتذب جمهورا كبيرا من المارة في تلك المنطقة الشعبية المكتظة دائما بالناس.. وفي مدخل المسرح تطالعنا مساهمة الفنون التشكيلية من خلال جدارية رائعة للفنان أحمد شيحة أهداها للمسرح بمناسبة الافتتاح ثم كان الجزء الثانى من الاحتفال عن طريق المركز القومى للسينما الذى قدم فيلما تسجيليا سيناريو وإخراج الفنان المسرحى في الأساس جمال قاسم.وتناول الفيلم جانبا من تاريخ المسرح عارضا للقطات نادرة من غناء السيدة أم كلثوم على خشبة هذا المسرح العريق، ولقطات وصور من مسرحيات قديمة لرموز الفن القديم.. وكان الجزء الثالث في الاحتفال عن طريق دار الأوبرا التى قدم نجومها عددا من الأغانى الوطنية منها، بالأحضان يا بلادنا يا حلوة والتى تفاعل معها الجمهور كثيرا وكأنما يؤكد على أن عودة المسرح القومى هى بداية عودة الروح والوعى والضمير وعودة بلادنا الحلوة لعصر البناء والحماس والتفاف الجماهير بحب حول قيادتهم السياسية وهو نفس المعنى الذى تأكد بشدة انفعال الجماهير وتجاوبهم مع الصوت الساحر مروة ناجى وهى تغنى رائعة أم كلثوم «دوس على كل الصعب وسير»..
أما مسرحية بحلم يا مصر من تأليف الراحل الكبير نعمان عاشور وإخراج الفنان الكبير عصام السيد فقد تأجل عرضها ليوم 28 ديسمبر الحالي لتقدم في أفضل صورة فنية باكتمال تجهيزات العرض ليكون لائقا بافتتاح العروض الدرامية التى هى أساس عمل المسرح القومى، ورب ضارة نافعة فتأجيل العرض قد أعطى الفرصة لقطاعات السينما والأوبرا والالات الشعبية والمزمار البلدى لتعبر كل هذه الفنون عن فرحتها بشفاء »أبو الفنون« المسرح من توقف أكبر وأعرق وأهم قاعاته عن العمل لمدة ست سنوات كاملة.. وأيضا شاركت الهيئة العامة لقصور الثقافة بتوزيع كتاب مهم للباحث الدكتور عمرو دوارة يحمل عنوان »حكاية المسرح القومى.. منارة الفكر والإبداع«، وهو ما يحتاج إلى وقفة خاصة لعرضه وتقديمه بما يتناسب مع الجهد العلمى المبذول.. وأيضا أصدرت وزارة الثقافة كتابا تذكاريا فاخرا بعنوان »مشروع ترميم وتطوير المسرح القومى« للحاضرين من نجوم الفن والثقافة والسفراء والشخصيات العامة، وكانت لفتة رائعة من المهندس ابراهيم محلب عند وقوفه على خشبة المسرح بعد تحية وزير الثقافة لجميع المسرحيين والعاملين في المسرح، أن يذكّره بتحية المهندسين الذين شيدوا هذا البناء الرائع المشرف لمصر ،وأن يحيى العامل المصرى المجتهد والموهوب الذى سهر ليزين جدران المكان ويمنحه ذلك الشكل المبهر.. ثم قدم وزير الثقافة د. جابر عصفور كلمة طويلة مؤثرة جاء من بينها: «إن افتتاح المسرح القومى له دلالات عديدة أولاها أن المسرح بنى في سياق تاريخى اراد فيه الخديو اسماعيل أن يجعل من مصر قطعة من اوروبا فقرر في السنة التى افتتحت فيها قناة السويس سنة 1869 أن يبنى هذا المسرح إلى جانب دار الأوبرا المصرية وكان مسرحا خاصا يحاكى الكوميدى فرانسيز، وكانت الأوبرا على غرار أوبرا سكالا في ايطاليا ومرت الايام واصبحت قناة السويس ملكا للمصريين عام 56 بعد التأميم، ثم مرت الأيام ليأتى الرئيس عبدالفتاح السيسى ليبنى قناة السويس الجديدة بأموال الشعب المصري دون اللجوء لأموال الأجانب وهذا هو الرابط بين عامى 1869 و2014.. أما الدلالة الثانية فكانت عام 1920، أى بعد ثورة 1919 بعام واحد وهى أعظم ثورة في تاريخ مصر الحديثة لأنها أطلقت اقلام المبدعين وجعلتهم يشعرون بوطنيتهم لأول مرة، وكان من بين هؤلاء الاقتصادى طلعت باشا حرب الذى أنشأ بنك مصر عام 1920 ليمصر الاقتصاد المصري ويجعل للمصريين بنكا مستقلا باسمهم وأموالهم، لأنه أدرك أنه لا تقدم اقتصاديا أو صناعيا إلا بالثقافة والفنون، لذلك أنشأ هذا المسرح ايضا عام 1920 واستدعى مهندسا ايطاليا لبنائه، وهى أيضا نفس السنة التى تحرر فيها المصريون من الحكم البريطانى.. واليوم نرى اهتماما حقيقيا من الدولة بالثقافة والدليل أن السيد رئيس الوزراء المهندس ابراهيم محلب قد وعد بمضاعفة ميزانية وزارة الثقافة في السنة المالية الجديدة، وهو درس جديد يذكرنا بدرس طلعت حرب الذى بنى مصر بجانب المسرح القومى». وبالطبع كانت أروع اللحظات في ذلك اليوم المبهج هى لحظات الوفاء والعرفان بالجميل لرموز الفن المصرى حيث قام وزير الثقافة بتكريم عدد كبير من النجوم العمالقة حظوا جميعا بتصفيق حاد طويل يعكس مدى الحب والاحترام من شباب الفنانين والحاضرين من مسئولين ورجال إعلام، والمكرمون هم الاساتذة سميحة أيوب.. سميرة عبدالعزيز.. سهير المرشدى.. محسنة توفيق.. رجاء حسين.. فردوس عبدالحميد.. حسن يوسف.. رشوان توفيق.. عبدالرحمن أبو زهرة.. محمود الحدينى.. سمير العصفورى.. محمود ياسين.. د. يحيى الفخرانى.. نور الشريف.. عزت العلايلى.. حسين فهمى.. محمد وفيق.. أشرف عبدالغفور.. نبيل الحلفاوى.. والحقيقة أن كل فنان وقف على خشبة المسرح القومى، أو قام بالكتابة له، او الإخراج أو تصميم الديكور والإضاءة والملابس ومختلف عناصر وفنون المسرح قد نال تكريما خاصا في ذلك اليوم.. تكريم يؤكد أن مصر قوية بمبدعيها ومفكريها وأن من أراد تصحير أعرق المدنيات، وأقدم الحضارات الانسانية لن يجد مكانا على هذه الأرض إلا كمادة للسخرية والاستهزاء أو كحكاية ضمن مئات الحكايات تُروى وتمثل ذات يوم على خشبة المسرح القومى.