حاور - نجلاء ذكري: بعد ثورة عظيمة كالخامس والعشرين من يناير لابد من التفكير الجاد في المستقبل حتي لا نكرر أخطاء الماضي, ونستفيد من تجاربنا. طارق عامر رئيس البنك الاهلي المصري, ورئيس إتحاد البنوك المصرية لديه رؤية محددة الملامح حتي نخطط للمستقبل بعين مفتوحة, وعقل سليم, وقلب جسور.. تابعونا.. بداية أستاذ طارق عامر.. رأينا نهاية حقبة من تاريخ مصر, كيف تري بداية مرحلة جديدة؟ { بداية المرحلة بأبطالها, الجيل الجديد الذي ثار من أجل حقه في الحياة, لا يجب إهدار هذه البداية. حتي نطور مصر ونحدثها لابد أن نفكر في كيفية تطوير الشباب والدفع به بسرعة لمراكز القيادة. والبداية أن يكتسب العلم, ليس فقط من تراثنا وتاريخنا, ولكن أيضا من الخارج. العالم الغربي وصل لهذه الحضارة بعد قرنين من الزمان, ومن هنا أري ضرورة إنتقاء مجموعة من الشباب الأكفاء نستثمر فيهم, ويكونوا نواة لبناء مصر في المستقبل. ما هي ملامحهم؟ { هؤلاء القادة الجدد لابد وأن يتمتعوا بعدد من الملامح أولها الشخصية السوية, الثاني أن يملكوا الإرادة لتحقيق شئ, والثالث الإحساس الوطني, الرابع التفوق الدراسي. نحتاج لإنتقاء5000 شاب من هذه النوعية, ونرسلهم إلي الجامعات في الخارج للدراسات العليا والإطلاع علي أحدث ما وصل إليه العلم في مختلف المجالات. وعند عودتهم لا نتركهم للضياع مع المؤسسة البيروقراطية الكبيرة التي تعطل كل شئ, بل يجب منحهم صلاحيات تمكنهم من تنفيذ ما تعلموه من أفكار. ولكن, مع توغل البيروقراطية في مؤسسات الدولة, كيف لمثل هذه التجربة أن تدافع عن نفسها؟ { مشكلة أي قيادة ليس في رؤيتها للإصلاح المبني علي التغيير, ولكن في وجود كوادر مؤهلة تم إعدادها لتحقيق أهداف مطلوبة ضمن رؤية شاملة لما يجب أن تكون عليه مصر بعد عشر سنوات من الأن. ومن هنا فالتغيير من أجل التغيير وبحجة تجديد الدماء سيكون عبثيا, لإننا لم نصنع البدائل من الدماء الجديدة, سنضحي بكفاءات بحجة التغيير, ونستعين بمن هو مثلهم وربما أقل كفاءة بحجة تجديد الدماء. المطلوب التغيير المبني علي أصول, صناعة الكفاءة أولا, ثم تمكين هذه الكفاءة. وأنا أعلم مقدما أن مسألة تولي المسئولية للأصلح مسألة صعبة للغاية بسبب ما تحدثتي عنه وهو المؤسسات المترهلة, ومن ثم لابد وأن يكون لدينا القدرة من خلال نظام جديد الدفاع عن هذه التجربة. الأكفأ هنا بمعناه الشمولي, ربما تكون هناك قيادة حالية هي الأكفأ هذه نبقي عليها, وذلك وفق معايير تحدد ما هي الكفاءة المطلوبة لكل عمل ولكل مسئولية, معايير لا تجامل أحد ولكن تتعامل معصوبة العينين كالعدالة, وتختار الاكفأ في كل موقع, إبن الأمير مثل إبن الغفير, المهم أن يكون موهوب وتنطبق عليه المعايير المطلوبة. نبدأ بعد ذلك في عملية إحتضان مطلوبة من المؤسسات لهذه الكفاءات, وهنا تأتي مسئولية الدولة التي تمكن هذه القيادات لتخرجها من مرحلة الطفولة, إلي مرحلة الدفاع عن نفسها وإثبات قدراتها. هذا يتطلب تغيير كل نظم العمل داخل جميع مؤسسات الدولة. وماذا نفتقد في المنظومة الحالية؟ { نفتقد ثلاثة أمور جوهرية لتطوير البلد, هناك دول كانت متخلفة عن الركب, ونحن ساعدناهم في البداية, ولكن سبقونا بأميال.. هذا دفعني للتفكير, الشعب المصري ذكي بالفطرة, ولديه العمق والشخصية والحضارة, فما هو السبب في هذا التراجع؟ لماذا المصري ينجح في الخارج ويفشل في الداخل؟ ثلاثة أمور تعد سببا رئيسا في التراجع أولها الرؤية المحدودة, فالحكام ينظرون لإحتياجات الشعب ويحصرونها في لقمة العيش, وكأنه لا حق للمصري في أن يحلم أكبر من هذا السقف, ولا نطلب الكثير, ولكن إذا كان متوسط دخل الفرد1500 دولار مثلا, فيجب ان تكون لدي الحكومة رؤية لكيفية الوصول بهذا الدخل إلي15 ألف دولار في عدد من السنوات. هذه الرؤية لن تتولد لدينا إلا إذا إحتككنا بمن حققواها, الغرب لديه تجربة ناجحة وعلينا أن نتعلم منها ونوظفها لصالحنا بالأسلوب المناسب لنا. هناك أشياء في الغرب لا تتفق مع قيمنا ومعتقداتنا, نتجنبها, ولكن لديهم تجربة نجاح في الحياة والعمل والتقدم, علينا دراستها ونقلها. الخروج من القوقعة سيولد لدينا رؤية ودافع للتغيير. الأمر الثاني الذي نفتقده هو الجرأة.. أنا علي يقين بأن لدي كل المصريين الحمية والجرأة لدخول حروب قاسية لتحرير البلد وحمايتها, ولكننا لا نملك الجرأة علي تغيير واقعها الإقتصادي والإجتماعي. العرب تمكنوا من التقدم علينا وأن يسبقونا لأن لديهم الجرأة. نحن في العمل العادي نخاف أن نأخذ خطوات للأمام, التغيير يتطلب قرارات جريئة, وتحمل للمسئولية. ظلت العديد من القضايا معلق دون قرار بسبب الخوف. ما حدث في دبي يستحق أن نتأمله, حققوا ما حققوه وهي إمارة لا تتمتع بأي موارد لا زراعة ولا علم ولا مناخ ولا ثقافة ولا فنون ولا أدباء ولا كتاب, ولكنها الأن أصبحت عاصمة لكل هذا, كيف؟ ذهبوا إلي هونج كونج و سنغافورة, شاهدوا كيف يمكن لمساحة ميناء صغير أن يصل فيه الفرد لأعلي متوسط دخل, عادوا إلي بلادهم ولديهم رؤية لما يجب أن يقوموا به, وجرأة لتنفيذه, فحطموا المباني القديمة, وشيدوا ناطحات سحاب, قاموا بردم البحر وبنوا فوقه ناطحات عملاقة, أصبحوا عاصمة لكل الشركات العالمية الكبيرة, أصبحوا دبي التي تستقطب أعلي كفاءات في العالم. صنعوا ذلك بالمعايير العالمية, لا مجال للمحسوبية, فمن يعمل سيأخذ, ومن لا يعمل لن يتمتع بثمار النجاح. أفضل شركات إنشاء في العالم تعمل في دبي, هذه الجزيرة الصغيرة, لم يتعلقوا بالأمور الصغيرة الشكلية, ولكنهم نظروا للجوهر. نحن في مصر ننظر للشكل قبل كل شئ, هل الورقة عليها ألف ختم وتوقيع أم لا؟ نهتم بالتوافه من الأمور ونترك الأصول, نعالج الأمور بسطحية ونعمل بنظرية الشك التي ستقضي علينا. الرؤية والشجاعة في القرار قادت من نجحوا حولنا لإنهم أمنوا بانفسهم, وان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم, وسعادة هؤلاء لا تكمن في تحقيق النجاحات الفردية ولا مكاسب المليارات للبعض, ولكن في تحقيق نموذج مبهر, يسمح للجميع باقتسام الثمار بعدالة كل حسب دوره وقدراته. تحقيق الإشباع من حب الإنجاز وليس المصلحة الفردية. يجب علي الحاكم أن يأتي بالأكفأ, ليس مهما لونه أو ديانته, أو جنسيته, المهم أن يحقق المنفعة من وراء إستخدامه. الحكومات التي تملك أكبر جهاز بيروقراطي لا يوجد بمن يعملون بها حب للإنجاز, ولكن حب للمصلحة الشخصية, الأمر الثالث الذي نعاني منه التراجع الأخلاقي, وهو ما يدفعنا لبحث الأسباب التي أدت إلي ذلك, سنكتشف أنها تتمثل في غياب الرؤية, والهدف القومي, والحمية الوطنية, وتراجع كل ذلك في مصالح شخصية ضيقة. كلنا مشاركون بدرجة أو أخري, وعلينا جميعا أن نعيد التفكير, وأن نعود إلي الجذور المتمثلة في عادات وتقاليد وسمات شخصية مصرية نفتقدها جميعا قائمة علي حب بعضنا البعض, والتسامح, والشهامة, وإنكار الذات, والإيمان الحقيقي بالله. نحتاج لإستعادة هذه القيم مرة أخري حتي نتسامح مع نجاحات بعضنا البعض. ومن هنا فإن إعادة تأهيل شريحة مميزة من شبابنا واجب قومي ليتولي هؤلاء زمام المبادرة, لديهم رؤية وحلم وشخصية جريئة قادرة علي أخذ القرارات وعدم الإستسلام لثقافات بالية وبيروقراطية عنيفة, وفي ذات الوقت فإن شعور هذه الفئة بالرضا عن أنفسهم يأتي من حبهم للبناء والتميز. هذا يجعلنا نعيد النظر في الخارج, لا يجب أن نعتبرهم أعداء ونسبهم في المساجد, بل نطلب من الله أن نتفوق عليهم, وهذا لن يتم إلا بالإستفادة منهم. الحضارة الغربية الحديثة بنت نفسها بالإستفادة من الحضارة الإسلامية, والحضارة الإسلامية بنت نفسها بالنقل مما وصل إليه العقل البشري في الحضارات الرومانية واليونانية القديمة وترجمة أعمالهم وكتبهم وثقافاتهم. واليوم لو أغلقنا الباب علي انفسنا وإعتقدنا أننا لا نحتاج أحد, سيكون ذلك بداية النهاية. لا نحتاج أن نمجد أنفسنا ولكن نترك ذلك للاخرين, فليس الفتي من قال هذا أبي, ولكن الفتي من قال هذا أنا. لا يجب ان ننسي أننا في أكتوبر العظيم إستعنا بالروس, ليس المعدات فقط, ولكن الفكر والتخطيط والتكتيك والإستراتيجية, هذا ليس عيبا بل هو شطارة, والشئ الخايب أن نقول أنهم وحشين, لما بنينا السد العالي إستفدنا بالخبرة الروسية, ولما بنينا الحديد والصلب إستعنا بالخبرة الألمانية, وعندما تم إطلاق المؤسسة الإقتصادية في الستينات نجحت لإنها أخذت بالتجربة الإيطالية من نماذج كشركة إيني, وشركة أي. أر. أر, وعندما نجحت هذه المؤسسة إنزعج منها الوزراء والحكومة في ذلك الوقت فسعوا إلي تفكيكها. عصر التنوير في مصر, وكل قادة التنوير مثل رفاعة الطهطاوي, ومحمد عبده, وطه حسين وغيرهم, كلهم ذهبوا للغرب, عندما كانت الرحلة تستغرق ثلاثة شهور في البحر, وعادوا بالنور والعلم, والأن نرغب في العودة للجهل والإنغلاق كيف؟ العلم لا يوجد به مسلم أو مسيحي, ومن ثم أقول لأولاد بلدي إصحوا, هناك الكثير من النصابين الذين يرغبوا في الإستفادة ببيع بضاعة مغشوشة لنا باسم الإسلام أو المسيحية, يجب أن نحذرهم, وأن نسأل عن الخلفية العلمية لأي طرف يرغب في بيع أي شئ لنا. ولكن كيف تري فكر الحرية والعدالة والنور وغيرها من التيارات والأحزاب السياسية التي سيكون عليها البناء في المرحلة المقبلة؟ هل هم مستوعبون لذلك؟ { هذه الأحزاب لم تبدأ من فراغ, فهي تعمل منذ80 عام ولديها كوادر متميزة ومدربة, ولكن عليهم دور خاية وانهم يشكلون النسبة الأكبر في البرلمان حاليا, عليهم أن يتغلبوا علي أصحاب الأفكار البالية, عليهم الإستفادة من الغير ولا يجب أن يكون هذا الغير منهم فقط, بل يجب أن يبحثوا عن الكفاءة, والكفاءة فقط, فلوا قاموا بالرقابة والتشريع والإدارة والتنفيذ, ووضعوا رجالهم في كل موقع, لن يحققوا نجاح ولكنهم سيكررون نماذج فاشلة سبقت. إلي جانب سياسة النقد, هناك سياسة البناء. المشكلة تكمن في شخصنة كل شئ. كيف تبرر النزعة إلي الهدم أكثر من البناء ؟ { النزعات الهدامة موجودة في كل مجتمع, ولكن هناك إختراع عظيم إسمه القانون الذي يحمي الناس من بأس بعضهم علي بعض, ويحمي المجتمع من هؤلاء الذين يرغبون في هدم النماذج الناجحة. في عام1968 عام مذبحة القضاء, تم تنحية أكفأ قضاة مصر, واليوم ينبغي أن ندعم المؤسسات القانونية حتي تعود لمجدها وإزدهار, بدون إصلاح قانوني حقيقي, وبدون سيادة القانون لن نحمي عملية البناء, كلمة دعم المؤسسات القانونية كلمة سهلة ولكنها تحتاج سنوات طويلة لتتحقق, ولابد من أن نبدأ من اليوم, بل من هذه اللحظة. أردوجان قال أن الثورة لابد وأن تدير التوقعات, وليس معني الثورة أن يكون كل شئ جيد من فور إندلاعها, الأوضاع لن تتحسن بمجرد قيام الثورة, ولكن الثورة تسمح بحدوث الإصلاح, وترفع الحواجز التي تعترض الإصلاح, ولكن بعد ذلك لابد لولاة الأمور من مصارحة الشعب, عندما نقول لهم ربط الحزام لابد للناس من التحمل والثقة أن هذا الإجراء ضروري حتي يكون الوضع أفضل في المستقبل. لن يمكننا الإصلاح باتباع أسلوب الطبطبة علي الناس, الإصلاح سيقوم به الشعب وليس الحكومة. . وما درو الحكومة؟ { الحكومة عليها الإدارة والرقابة, وتوزيع السلطة المركزية علي المحافظات, نعطي المحافظين صلاحيات ولكن قبل ذلك لابد أن نختارهم صح, لا يجب أن يكون منصب المحافظ من مفهوم مكافأة نهاية الخدمة, بل يجب أن يكون بناءا علي الكفاءة والقدرة. البعض يطالب بإصلاح سريع وتقويض كل القائم بفكرة التطهير والهيكلة؟ { الإصلاح لابد وأن يكون تدريجيا, وبناءا علي خطوات واستراتيجية لها مواعيد محددة, الإصلاح الذي تم في الجهاز المصرفي كان عبارة عن ثورة بيضاء, إستبعدنا من لم يستطع, ووضعنا من لديهم القدرة والرؤية, وأعدنا هيكلة كل شئ ليسير في المنظومة الجديدة, واهتممنا بالشباب. لا يمكننا تطهير الفساد بضرب المؤسسات بالمدافع الثقيلة, هذا سيهدم المؤسسة, نحتاج إلي إعادة بناء, وإحلال للكفاءات, والإستفادة من الكفاءات القائمة, واستجلاب خبرات جديدة, والإهتمام بالقيادات الوسطي, لا يجب أن نسير في عملية التطهير والإصلاح برعونة حتي لا نقع في فوضي. الإسلاميون نجحوا في البرلمان لأنهم كانوا قريبين من الناس, ولكن هذا لا يعني أنهم الاكثر علما. الناس وثقت بهم, وأنهم سيحققون لهم ما يطمحون فيه, وهذا لن يتم إلا إذا إستعانوا بالكفاءات والخبراء حتي ولو لم يكونوا منهم. في البنك الأهلي بدأنا مسيرة إصلاح وإعادة هيكلة, لا يعني أن من سبقنا لم يقم بدوره, ولكن كل إدارة تحكمها الظروف التي وجدت فيها, ومن هنا بدأنا مسيرة إصلاح إستجلبنا فيها كل الخبرات والكفاءات من داخل البنك ومن خارجه, من مصر ومن خارجها. منحناهم الثقة والمسئولية, ومنحناهم المقابل المادي الملائم. مقدرش أجيب عالم نووي وأعطيه1000 جنيه, أنا أقول للخبرة القادمة أنا أهدافي كذا, أرغب في تحقيقها في مدي زمني محدد, حتي أحقق نتائج محددة, تعملها وتاخد كام؟ وأحسب تكلفتي, والفرصة البديلة, ولا أقول له حد أدني وحد أعلي, بل أعطيه ما يكفيه حتي أستفيد من علمه. الخبراء الذين إستجلبناهم عملوا وحققوا ما أردنا ولما إنتهي عملهم تركونا, والمؤسسة إستفادت من علمهم وخبرتهم وما منحوه لها سيظل باقيا.