لم تكن سيطرة المسلحين الحوثيين على صنعاء فى شهر سبتمبر الماضى مفاجأة لليمنيين أو المتابعين للشأن اليمنى, وانما كان مرحلة مرسومة على خريطة الحوثيين منذ عام 2004 مع بدء أول جولات معاركهم ضد الجيش اليمنى انطلاقا من معقلهم فى صعدة. فمنذ ذلك العام أخذ الحوثيون يوما بعد يوم يبسطون سيطرتهم على مدن عديدة فى محافظات اليمن، بدعم مادى ومعنوى من ايران، التى تدفع المسلحين الحوثيين إلى السيطرة على الحكم فى اليمن، لتحاصر عن طريقهم السعودية. ومع هذا الخطر الشديد الذى داهم اليمن والمنطقة بأسرها خلال العام الحالى، فإن العام المقبل يمكن أن يكون كارثيا على اليمن ودول جوارها، إذا أصرت طهران على المضى قدما فى اتباع سياسة "حافة الهاوية" التى تنتهجها فى المنطقة. والخطر فى اليمن لايتوقف على الحوثيين فحسب، وإنما هو أيضا مرتبط بتنظيم القاعدة الذى ينشط فى اليمن منذ سنوات، وتمدد ووجد ملاذات آمنة فى العديد من محافظاته ، وقد دخل فى معارك دموية عنيفة مع الحوثيين فى الأشهر الأخيرة ، وهناك أيضا النظام القديم الذى يسعى الآن بقوة لاسترداد مواقعه، والاحتجاجات بالجنوب اليمنى التى تصاعدت مؤخرا، حيث خرجت مظاهرات "الحراك الجنوبى" فى عدن وحضرموت، و يسعى الجنوب للانفصال عن الشمال والعودة إلى وضع ما قبل الاندماج أوالوحدة عام 1990. والأكثر خطورة من المشكلات السياسية هو المشكلات الاقتصادية التى تعصف باليمن الآن ، وعجز الدولة عن دفع العاملين بها ، وهو مايعزز مخاوف وهواجس كبيرة أن تتجه الدولة إلى انهيار شامل . وتواجه الحكومة الحالية باليمن أوضاعا اقتصادية صعبة ، يزيدها حدة استهداف المسلحين والميليشيات القبلية وغيرها لمنشآت الكهرباء والبترول، والبنية التحتية المتهالكة. فى عام2015 يبدو الحل فى اليمن ممكنا رغم صعوبة التحديات وتعدد الجبهات ، وهناك العديد من العوامل التى يمكن أن تساهم فى هذا الأمر، ومن بينها أن دول جوار اليمن وخاصة السعودية تستشعر الكابوس المرعب الجديد الذى يستهدفها من الجنوب مستغلا انشغالها وتبنيها للحرب ضد الإرهاب داخليا وخارجيا، ولن تسمح السعودية ودول الخليج لأى طرف اقليمى أو دولى أن يهدد حدودها وأمنها. لكن الأمر كله سيكون منوطا أولا بمدى قدرة مختلف القوى السياسية والاجتماعية عن التوصل إلى اتفاق يجتمع الجميع حوله، بعد تراجع الاتفاقات السابقة،ولعل جميع العقلاء فى اليمن الآن تيقنوا بعد ثلاثة أعوام من التجاذبات التى أوصلت البلد إلى حافة الانهيارأنه لايمكن لأى طرف الانفراد بالمشهد وإقصاء الآخرين. ولعل ممايجلب قدرا من التفاؤل فى ظل المشهد الحالى القاتم إنجاز صياغة مايقرب من ثلثى الدستور فى صنعاء، والعمل على استكمال ماتبقى منه فى الإمارات بإشراف خبراء يمنيين وعرب ودوليين، وانطلاق مايمكن وصفه ببدايات لإيجاد أسس لاتفاق شامل مستدام بين جميع الأطراف، وهو مايعنى أن هناك ضوءا فى نهاية النفق.