وهذا العام أبى أن ينتهى دون أن يضع أمامنا أهم مصدر للطاقة فى الوقت الحالى فى دائرة من المخاوف.لذا، يبدو أن انخفاض أسعار البترول مؤخرا إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2010 يشير إلى أن عهدا جديدا للبترول العالمى على الأبواب. ويبدو أيضا أن هذه العهد يتناقض مع ما بدأ قبل 10 أعوام عندما كان العامل الأكثر أهمية هو الزيادة الكبيرة فى الطلب على البترول من الصين والدول الأخرى سريعة النمو. وفى عام 2014 تبين أن حجم النمو فى الإمدادات العالمية فاق كثيرا حجم النمو فى الطلب العالمي، لذا كان من البديهى أن ينخفض سعر برميل البترول من 100 دولار للبرميل إلى 80 دولار للبرميل الواحد مؤخرا، بل ووصل السعر إلى سبعين دولارا قبل نهاية العام، ولكن انخفاض أسعار البترول لم يكن فقط نتيجة لتراكم العرض، لأنه يشير أيضا إلى أن الاقتصاد العالمي، بما فى ذلك الصين والاتحاد الأوروبي، أصبح أضعف مما كان متوقعا له قبل شهرين، وهو ما يعنى استخداما أقل للبترول فى المرحلة المقبلة. والسبب الآخر هو أن الولاياتالمتحدة أصبحت من الدول الكبرى المنتجة للبترول، وليست فقط المستهلكة له، وارتبط ذلك باكتشاف كميات ضخمة مما يطلق عليه البترول الصخرى فى أراضيها. هذان سببان يعتد بهما، ولكن الجديد فى الأمر هو ما يحدث لمنظمة أوبك التى فقدت احتكارها لإنتاج البترول، فظهرت دول بترولية جديدة لم تنضم للمنظمة، وبالتالى لا تخضع لسياستها، بل وظهر بترول داعش المنهوب من أسواق العراق الذى يباع بأبخس الأثمان تحت أعين ونظر الدول الكبرى التى تريد تقويض نفوذ الدول البترولية الكبرى فى منطقة الشرق الأوسط. وبعض دول الأوبك تخشى أن يؤدى تخفيض إنتاجها من البترول إلى قيام الدول المنتجة خارج المنظمة بالحصول على حصتها فى الأسواق العالمية وتعويض فارق الإنتاج، وبالتالى لن يؤدى ذلك إلى رفع الأسعار، بل سيؤدى فقط إلى خسارة دول أوبك لجانب من أسواقها التصديرية. يضاف لذلك أن معظم دول الأوبك تعتمد بشكل أساسى إن لم يكن وحيدا على عائدات صادراتها البترولية لتمويل ميزانيتها ومشاريعها الاقتصادية و الاجتماعية، وغياب هذا المصدر للتمويل قد يؤدى إلى حالة من عدم الاستقرار بها. ليتحول البترول فى 2015 إلى سلاح ضد روسيا ودول الخليج. أى أن الطرف الأقوى فى المعادلة الآن أصبح الدول المستهلكة وليس الدول المصدرة. وهذا الواقع البترولى الجديد له بالتأكيد نتائج استراتيجية أخرى على العديد من دول العالم، خاصة وأنه من المتوقع وفقا للتقارير الرسمية أن تتجاوز الولاياتالمتحدة كل من روسيا والمملكة العربية السعودية كأكبر منتج للبترول فى العالم بحلول عام 2015، وتكون قريبة من الاكتفاء الذاتى من الطاقة خلال العقدين المقبلين، مما سيعطى لها الفرصة للتأثير فى أسعاره فى السوق. أضف إلى ذلك التوقعات بأن يتفاقم توازن السوق فى العام المقبل، حيث أن مشاريع وكالة الطاقة الدولية التى تتطلب الحصول على بترول أوبك ستنخفض قليلا فى العام المقبل، الأمر الذى يعنى أن دول أوبك ستسعى إلى خفض إنتاجها إلى ما يقرب من مليون برميل يوميا. وهكذا، فإذا استمر انخفاض أسعار البترول بشكل يمثل تهديدا للاستثمار والنشاط فى قطاع البترول والغاز، فإن ذلك من شأنه أن يشكل سلبيات كبيرة على الاقتصاد بأكمله وسيكون عبئا على الانتعاش فيما بعد. ولكن، كما هو الحال الآن، فإن المكاسب من انخفاض الأسعار تفوق الخسائر فى الاقتصاد، وسيشعر بذلك الدول المستوردة أكثر من المصدرة بطبيعة الحال. وفى كل الأحوال، ومع ظهور مصادر الطاقة الجديدة وتزايد استعمالها، من الممكن أن يقول العالم وداعا للبترول فى موعد أقرب مما قد يتخيل البعض!