لقد كرم الإسلام المرأة أمًا، وأختًا، وبنتًا، وزوجة، ومشاركة فى الحياة وبناء الأوطان، فأوصى بها فى كل الأحوال، فالأم محل الإكرام والتقدير، وعندما جاء رجل يسأل النبى (صلى الله عليه وسلم) مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِى ؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: «أَبُوكَ» [متفق عليه ]، ويقول (صلى الله عليه وسلم ): زمَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ [أحمد ، أبو داود]، ويقول (صلى الله عليه وسلم): خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِى [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ] ، ويقول(صلى الله عليه وسلم): « اللَّهُمَّ إِنِّى أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ : الْمَرْأَةِ وَالْيَتِيمِ » [رواه النسائي، وابن ماجه]، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَإِذَا شَهِدَ أَمْرًا فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أَوْ لِيَسْكُتْ اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا... » [رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ] . ويقول الحق سبحانه فى كتابه العزيز:«وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ » ( لقمان :14) . فقد حفظ الإسلام للمرأة كرامتها، وعرف التاريخ الإسلامى لها مكانتها وقدرها، والأمثلة كثيرة عن أمهات العلماء اللواتى كان لهن دور كبير فى دفع أبنائهم إلى مجالس العلم، وملازمة كبار العلماء، كأم ربيعة الرأى (رضى الله عنهما )، وأم الإمام مالك بن أنس (رضى الله عنهما )، وأم الإمام الشافعي(رضى الله عنهما ) فقد ربته يتيمًا، وتعهدته بالتربية والرعاية الخاصة ليكون عالما، فأرسلته إلى مكة وكانت تسكن بغزة، ليتعلم الفصاحة والعلم، ومنها لازم الإمام مالك (رضى الله عنه ) ثم رحل إلى بغداد وغيرها، حتى صار الفقيه العالم الأديب . وقد أسهمت المرأة فى بناء الحضارة الإسلامية إسهامًا كبيرًا من خلال أدوارها المختلفة، فكان لها دورها فى بناء المجتمع بكل جوانبه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية، فهى حاضنة الأجيال ومنشئة الأبطال، وعلى قدر صلاحها تصلح المجتمعات، فهى التى تحافظ على الأسرة وتحميها من الفرقة والشتات، وهى العنصر الأساسى لبنائها وتشكيلها، تربى وتعلم، وتلقّن المبادئ لطفلها الذى يكبر ويتطور فى سائر الأيام, حتى يصبح عالمًا أو مفكرًا أو مبدعًا ، فإذا قامت الأم بدورها التربوى أنشأت جيلا صالحًا مُصلحًا، وصدق حافظ إبراهيم حيث يقول: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق ومن ثمة فإن المسئولية على المرأة نفسها كبيرة ، سواء أكان ذلك لحق تصحيح صورة الإسلام بل صورة الأديان التى لا يقبل أى دين منها تلك الممارسات الإرهابية المتطرفة من أعمال القتل والتخريب، وسفك الدماء، وترويع الآمنين، بما لا يفرق بين رجل وامرأة، أو شاب وشيخ، أم كان ذلك دفاعًا عن الأوطان التى تسلب وتنهب وتغتصب، وبخاصة فى منطقتنا العربية التى تعمد القوى الاستعمارية الحديثة إلى دك بنيانها والاستيلاء على خيراتها ومقدراتها من جديد، أم كان ذلك دفاعًا عن حق المرأة نفسها فى الحياة الكريمة، والعمل على وقف ما تتعرض له من مهانات على يد تلك الجماعات الإرهابية المتاجرة بالدين، فالإرهابيون يجعلون من المرأة مسخًا ووسيلة للتلهى وإغراء الشباب، والعودة إلى نظام العبودية والرق الذى عمل الإسلام بكل السبل على الخلاص منهما. على أن الإرهابيين يتخذون من التكفير وإخراج الناس من الإسلام وسيلة لسفك دماء الرجال لاستحلال أعراضهم وأموالهم، وهذا ما نهى القرآن الكريم عنه فى قوله تعالى: «وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا » [النساء: 94]، مع ملاحظة أن هذه الآية جاءت تالية لقوله تعالى: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا » [النساء : 93]، وهو ما يقوم به الإرهابيون . يضاف إلى انتهاك حقوق المرأة ما تلقاه المرأة على أيدى الإرهابيين المتطرفين من عنت وإهانة وإساءة وتهجير وإفزاع وترويع والمتاجرة بعرضها وكرامتها، أو تعمد التحرش بها كلونٍ من تصفية الحسابات السياسية أو إظهار الحكومة على أنها مقصرة فى حقها غير قادرة على حمايتها فى أسلوب يعبر عن منتهى الخسة والدناءة، كما أنه لا مانع لدى هؤلاء المجرمين من المتاجرة بالمرأة كوسيلة لإغراء الشباب وجذبهم إلى الإرهاب بما يقدّمون له من شهوات وملذات، بما يخالف كل الأديان السماوية والأعراف الإنسانية السوية للتأكيد على الوعيد الشديد على كل هذه الأعمال الإجرامية من التكفير والقتل واستحلال الدماء والأعراض والأموال. لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة