حالة من التداخل والاشتباك العميق بين الأثر وحياة الناس اليومية، تتجلي في شارع «الأشراف» في حي الخليفة، ذلك الشارع الذي يبدأ من ميدان السيدة نفيسة وينتهي عن مشهد السيدة رقية، ليبدأ شارع الخليفة الذي تلتقي نهايته مع شارع ابن طولون . الشارع - رغم ضيقه- يحوي عددا من القباب الأثرية والمشاهد لعدد من آل البيت، تختبئ بين البيوت السكنية والمحلات والدكاكين والوش ،حتي ان الزائر للشارع قد يلحظ وجودها بصعوبة، لكن المحزن بحق هو ان الكثير منها يهدده الغرق في المياه الجوفية ،بينما امتلأ محيط بعضها بأكوام القمامة، خاصة في قبة ومدرسة فاطمة خاتون، تلك السيدة التي كرمها زوجها السلطان قلاوون بعد وفاتها ببناء هذين المبنيين، ورغم ما أصابهما من تدهور، يمكن للرائي ان يتخيل جمالهما الذي كان.. مجموعة من الشباب المتطوع المهتم بالتراث برئاسة الدكتورة مي الابراشي- استاذة العمارة بكلية الهندسة بالجامعة الأمريكية - قرروا اتخاذ خطوة ايجابية، متحدين كل العوائق من بيروقراطية وحالة يأس استشرت بين اهالي المنطقة، فكان ان خرج الي النور مشروع «الاثر لنا».. تقول مي صاحبة فكرة المشروع الذي بدأ في يونيو 2012، ان السكان في منطقة القاهرة التاريخية يعتبرون الاثار المحيطة بهم عبئا ومصدرا للمشاكل، فممنوع المرور او البيع امامها، كما انهم غير مستفيدين منها لانها مغلقة في الغالب، واذا تم ترميمها فسرعان ما تعود للتدهور من جديد، وقد بدأنا مشروعنا في الخليفة، وهو حي مهم من الناحية الاثرية والدينية حيث يضم مزارات لعدد من آل البيت، و كان تجمع القمامة حولها سمة اساسية، مما يعني انها اماكن بلا صاحب، ومشروعنا يقوم علي فكرة بسيطة وهي انه لن يحافظ على الاثر الا اصحابه، بشرط ان يلبي متطلباتهم ويستفيدوا من وجوده، فعلى سبيل المثال سكان المنطقة المحيطة بجامع ابن طولون قبل الثورة كانوا متضررين منه بسبب الاجراءات الامنية والتفتيش الدائم،وكان السياح هم الوحيدون الذين يتمتعون بالاثر وليس اهل المنطقة . تتابع د. مي:»مشروعنا يقوم على منهج التصميم التشاركي بمعني اننا نشرك كل الاطراف المعنية بدءا بسكان المنطقة وممثلي الحكومة من موظفي الحي والاثار والاوقاف وشرطة الاثار ،مرورا بممثلي المجتمع المدني من باحثين واساتذة جامعات، وقد نظمنا عددا من ورش العمل وخرجنا بأفكار ،بعضها قابل للتنفيذ في الوقت الحالي،وبدأنا بها بالفعل، على رأسها استغلال مبنى قديم مجاور لقبة شجرة الدر، قمنا بترميمه وتخصيص جزء منه كمستوصف يخدم اهالي المنطقة، بأسعار كشف زهيدة،وتم افتتاحه منذ ثمانية اشهر، بالاضافة الى اقامة انشطة اخرى تعليمية وفنية وتوعوية لاطفال المنطقة، خاصة التوعية الاثرية، كما نظمنا به معسكرا صيفيا لتحسين قدراتهم في القراءة والكتابة والرياضة. على جانب اخر بدأنا اعمال الترميم في قبة شجرة الدر- حيث دفنت سلطانة مصر الشهيرة-، والفريق الذي يقوم بالترميم – ويضم 20 متطوعا- هو ذاته من يقوم بعمل ندوات توعية للاطفال. الدكتورة مي تتمنى ان يتمكنوا من ترميم بقية المباني الاثرية في الشارع، خاصة ان هناك اثارا مهملة بشكل كبير رغم قيمتها. حاليا يعملون بالشراكة مع جمعية الفكر العمراني وهي مسئولة عن نشاط التوعية ، وساعدهم كذلك المركز الدنماركي المصري للحوار، وفي المرحلة الحالية يتعاونون مع مركز البحوث الامريكي ومؤسسة بركات، وفي المرحلة المقبلة يسعون لترميم مشهد السيدة رقية وقبتي السيدة عاتكة والجعفري، على ان ينتهي العمل بهما يونيو المقبل، بدعم من صندوق السفير الامريكي للحفاظ على التراث . عوائق كثيرة واجهت المشروع وفق ما اوضحته الابراشي، كان علي رأسها كسب ثقة السكان ، فتقول:» الكثيرون سبقونا بوعود وشعارات لم ينفذوا منها شيئا، وبالتالي لم تعد هناك مصداقية لأي مبادرة سواء حكومية او اهلية، ولذلك بدأنا بالاطفال ليس فقط لضرورة تنشئتهم علي حب واحترام الاثر، لكن لان كسب ثقة الاطفال اصعب، واذا نجحنا بذلك ستنتقل الثقة بالتالي الي اهاليهم. الامر الثاني هو تعدد الجهات المسئولة عن الملف الواحد، كالقمامة مثلا، فلابد من التنسيق بين الحي والاثار، او كمشكلة المياه الجوفية،وضعف البنية التحتية حيث تتطلب تدخل اكثر من جهة، وبالطبع نواجه بالروتين والبيروقراطية لكن نحاول التغلب عليهما، لكن ما أدهشنا بحق هو الافكار الخلاقة التي اقترحها سكان المنطقة، ومعظمهم من الحرفيين. سيد- حاصل علي بكالوريوس نظم معلومات لكنه فضل العمل بالنجارة- من مواليد الخليفة وتحمس كثيرا عندما عرض عليه التعاون مع المشروع، فيقول:»شارع الاشراف او الاشرف - نسبة الي قبة الاشرف الخليل- أثري من بدايته حتى نهايته ، وبحكم عملي في النجارة والفن الاسلامي والعربي ،فأنا مهتم بشكل شخصي بتلك الاثار، لكن في الغالب ينظر لها الناس هنا على انها مباني عادية لا تعنيهم بشكل حقيقي لانهم غير مستفيدين منها، لكن الان بدأت النظرة تتغير ، بعد تحويل مبني قديم لم يكتمل بناؤه في اوائل القرن العشرين- كان من المفترض ان يكون مسجدا - فتحول الي عيادة وحضانة للاطفال ومعسكر صيفي، وبدآت الناس تتحمس لأنها رأت النتيجة بعينيها. يضيف سيد:» هناك ايضا برنامج للتوعية المجتمعية بعنوان»الخليفة من جوه لبره « ويهدف للترويج السياحي ورفع الوعي بتاريخ الشارع من خلال تصميم خريطة له وعلامات ارشادرية، كما نظمنا مؤخرا وللعام الثاني فعالية لمدة يوم بعنوان «اقضي يومك في الخليفة» تتضمن اقامة معرض منتجات لورش الشارع من المصنوعات الخشبية والنحاسية، والاحجار الكريمة والجلود وفوانيس رمضان، وكلها صناعة يدوية ، وهدفنا إحياء الاهتمام بتلك الحرف».