تتعالى الأصوات فى هذه الآونة بالهجوم على الأزهر الشريف، ومعاول الهدم تسعى بشكل حثيث إلى استئصال جذوره واقتلاعها، والألسنة الحداد تنبرى كل يوم لتطول رموزه، وشيوخه وطلابه، ومناهجه، وخطابه الديني، وكل شيء فيه، وهذا الأمر إن دل على شيء فإنما يدل على أن هناك خطةً محكمةً مدبرةً من قبل أعداء مصر فى الداخل والخارج- فى إطار هدم كل الثوابت للقضاء على الأزهر الشريف راعى الوسطية، والاعتدال اللذين هما جوهر ديننا الحنيف. وهذا الهجوم غير المبرر يشى بأن هناك خصومةً شخصيةً، بين بعض أولئك وبعض الأزهريين، وليس من الحكمة، والعدل، ولا من الإنصاف أن يستغل الإنسان موقعاً من المواقع الإعلامية للهجوم على بعض الأشخاص، لخلاف شخصى بينهم. إن حقَ النقد مكفول للجميع شرعا وقانونا، ولكن وفق ضوابطَ، وأطر، قانونية، وأخلاقية، تحتمها قواعد كل مهنة، فلينتقد من شاء ما شاء، من تصرفات الأشخاص، ومواقفهم، فهذا حق للجميع كفله الدستور والقانون، ولكن دون مساس بهم، أو بذواتهم، ودون تهكم عليهم، بما يخرج عن حد النقد إلى حد التطاول، والتهكم والإساءة، فكل ذلك لا يجوز . النقد البناء من خلال بيان أوجه القصور والخلل وتوجيه الأنظار إلى معالجتها أمر محمود، بل هو واجب على كل من لديه القدرة على القيام بهذا الدور، وهو من باب التناصح الذى دعا إليه الإسلام على لسان الحبيب عليه الصلاة والسلام فى قوله: الدين النصيحة . والنقد على النحو المتقدم أمر محمود فى ذاته، ولكن المحزن حقا، والمؤلم، هو هذا الهجوم غير المبرر، من بعض وسائل الإعلام المختلفة، هجوم بغيض ممقوت، يحمل بين طياته كرها عميقا، وحقدا دفينا، ممن لا يرون الأمور فى الأزهر ورجاله إلا بعين السواد. والسؤال الذى يطرح نفسه الآن وبشدة لماذا التطاول على الأزهر، وعلى علمائه، وعلى رموزه، بما يخرج عن حد النقد، إلى حد التطاول، إلى حد التهكم على الشيوخ، والنيل منهم، لماذا الأزهر بالذات فى هذه الآونة؟ أليست كل مؤسسات الدولة بها من المشاكل ما لا حصر له؟ فلماذا تطول سهام النقد كل أولئك؟ وأطنان من المشاكل لا حصر لها، فى شتى أرجاء المؤسسات المختلفة، وكل ذلك ناتج عن تراكمات السنين السابقة، ولن يزال كل ذلك بين عشية وضحاها، وإنما يحتاج إلى خطط مستقبلية، للعمل على تلافى كل ما سبق. نحن فى الأزهر نعترف أن لدينا مشكلات، مثل سائر مؤسسات الدولة، ونعمل جادين مخلصين على مواجهتها، ووضع الحلول المناسبة، وكل ذلك لن يتم بين طرفة عين وانتباهتها، ولكنه أخذ وسيأخذ قدرا من الوقت، حتى تعود إلى الأمور رويدا رويدا إلى وضعها الصحيح، وصراطها المستقيم. إن المنطق الطبيعى لمن يريد أن يفهم الأمور بشكل صحيح وموضوعي، يدرك أن الأزهر مؤسسة مثل سائر مؤسسات الدولة، وتتأثر بما يتأثر به سائرها، وربما تعرضت لعراقيل وصعوبات فى أداء رسالتها أكثر من غيرها، ومن ثم فأصحاب هذه السيوف المشهرة فى وجه الأزهر وشيوخه كل يوم، عليهم أن يراعوا الله سبحانه وتعالي، ويراقبوا ضمائرهم، وأن يكونوا ناصحين أمناء، وكما يقومون بتوجيه سهام النقد للأزهر الشريف، ويعملون على إبراز عيوبه، وتضخيمها فى العالمين، عليهم أيضا أن ينظروا بالعين الأخرى إلى الإيجابيات والتطور الذى يحدث فى الأزهر اليوم، من خلال مواجهته للإرهاب، والفتاوى المكفرة لجموع الشعب المصري، والتى تحث على قتل رجال الجيش والشرطة، والوقوف فى وجهها بالمرصاد. ونحن ندعو كل الكتاب وكل الشرفاء فى هذا الوطن، وكل المخلصين من أبنائه، إلى أن يضعوا الأمور فى نصابها الصحيح، وألا يسيروا خلف كل ناعق، وأن يتعاملوا مع الأمور بموضوعية، فليست هناك عصا سحرية، تتحول بها الأمور من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ولكن الإصلاح الحقيقى يحتاج إلى جهد، ووقت، وصبر، وجلد. وفى هذا الظرف الدقيق الذى تمر به مصر الآن، والمفعم بكثير من المشكلات، الداخلية والخارجية، يحتاج الوطن إلى نبذ هذه الحالة من التراشق بين جميع القوي، والعمل على رأب الصدع، وتوثيق عرى المحبة، إننى أدعو الإعلاميين جميعا فى كل مجالات العمل الإعلامي، إلى التحلى بميثاق الشرف الإعلامي، بعدم التطاول على الآخرين، أو النيل من مكانتهم ، والتهكم أو السخرية منهم فكل ذلك غير سائغ لا شرعا ولا قانونا، قال تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ لمزيد من مقالات د. عبدالحليم منصور