في كل شارع وحارة وزقاق تنتشر "ورش" لرش الأثاث والسيارات والمعادن.. تنفث سمومها من المذيبات العضوية، فتلوث الهواء، وتسبب الأمراض للمواطنين، وتؤدي إلى تناقص الإنتاج، والتأثير على الحالة البدنية والنفسية، فضلا عن الشعور بميول عدوانية، طبقا لدراسات علمية، وتحذيرات طبية، وهو ما يقابله أصحاب "الورش"، والعاملون فيها، بحالة من "التبلد".. كأن الأمر لايعنيهم! تحذر الدكتورة نشوه ممدوح السمرة أستاذة طب الأطفال بجامعة الفيوم من أن المُذيبات العضوية المستخدمة في الطلاء واللواصق والدهانات وغيرها من الصناعات تتصف بتطايرها، وسرعة تبخرها، وأن لها قدرة فائقة على إذابة كثير من المواد العضوية، ومن بينها المواد الدهنية، باعتبارها أحد مكونات الجسم، مما يسهل وصولها إليه عن طريق الجهاز التنفسي، والجلد، ومن ثم تصل للدم الذي ينقلها الى بقية أجزاء الجسم، لذلك فإن لها تأثيراً مضراً علي صحة الإنسان والبيئة في الوقت نفسه، حسبما تقول. وتوضح أنه عند تعرض الشخص لكمية كبيرة من أبخرة المذيبات يشعر بدوخة ثم يفقد توازنه، ويسقط مغشياً عليه، فإذا لم يتم إبعاده فورا من مكان التعرض قد يموت مختنقا نتيجة شلل المركز الذي يسيطر على عملية التنفس بالمخ. أما إذا لم تكن درجة التعرض لهذه الأبخرة كبيرة، فإن إبعاد المصاب من مكان الحادث -كما تقول الدكتورة نشوى- هو الطريقة المثلى لشفائه، فهنالك مواد (مذيبات) لها تأثير مستديم على الخلايا العصبية بالمخ، وتؤدي إلى اضطرابات عقلية والتهاب الأعصاب الطرفية وفقدان البصر، وزيادة ضربات القلب مع عدم انتظامها، وربما فقد الوعي مع أو بدون هبوط وظائف الجهاز العصبي المركزي. وهنا يتوقف التأثير على درجة التركيز، ومدة التعرض لهذه المواد. وتضيف أنه من أضرار استنشاق المواد العضوية الطيارة شعور الشخص المتعرض لهذه المواد بالدوار، والإصابة بالكسل، والخمول والتدهور الصحي العام، والميل إلي العنف والاسترخاء، والهلوسات البصرية، وفقدان الشعور، والتعرق الغزير. وقد يؤدي استنشاق كمية كبيرة من هذه المواد إلى الوفاة نتيجة حدوث الاختناق لعدم تبادل الأوكسجين مع الدم· كما أن دخول أبخرة هذه المواد إلى الرئتين والدم يحدث أضرارا بالغة الخطورة على الكبد والكلى والقلب والجهاز العصبي والنظر والدماغ والرئتين، ويدمر الخلايا العصبية، ويؤدي للفشل الدراسي وعدم القدرة على التحصيل العلمي. وتؤكد أن الدراسات الحديثة أثبتت تأثير المذيبات العضوية بشكل مباشرعلي الجهاز العصبي، وخاصة في عملية الطلاء. كما تشير الدكتورة نشوه إلى دراسة أجرتها مع فريق بحثي برئاسة الدكتور سعيد عبد العظيم أستاذ الأمراض العصبية والنفسية بجامعة القاهرة، والدكتور أشرف سليم الأستاذ بالمركز القومي للسموم الإكلينيكية والبيئية بجامعة القاهرة. وأظهرت المجموعة المعرضة للمذيبات فى الدراسة سمات الميل للمرض العقلي العصبية والذهنية والجريمة. وللوقاية من أخطار المذيبات العضوية توصي الدكتورة نشوه بارتداء القناع الواقي للوجه والملابس الواقية في أثناء عملية الطلاء، وأن يستبدل بالمذيب العضوي الخطر مذيبات أخرى أقل خطورة على حياة العامل أو الصانع، وكذلك توفيرعوامل التهوية في الأماكن التي تُستعمل فيها المذيبات العضوية، ووضع لافتات إرشادية لتوعية العاملين في المصانع والورش التي تنتج أو تستخدم هذه المواد، للتحذير من خطورتها علي الصحة والبيئة، وغيرها من وسائل وأساليب الوقاية.