مافيا التعويضات تبحث دائما عن ضحايا الكوارث أيا كان نوعها ،ودون النظر للظروف التى تُلم بأهالى وأسر الضحايا ، وحتى لو كانوا من شهداء الوطن من العيون الساهرة على أمنه وأمانه ، وحراس حدوده من الجائرين عليها . ماتت ضمائر أفراد تلك المافيا وتجاوزت شعاراتهم حدود عبارتهم الشهيرة « أتعابنا من خصمك « والتى غالبا ما يستحوذون هم على نصيب الأسد منها، ويلقون بالفتات لمستحقيها الأصليين أو يختفون بعدها ولا يعطونهم شيئا بموجب التوكيل الممنوح لهم منهم ، وأخيراً تجاوزت أنشطتهم الحدود التقليدية إلى حقوق أهالى الشهداء لينصبوا حولهم شباكهم غير عابئين بما ألم بهم. وفى رصد «للأهرام» لواحدة من تلك المجموعات غابت عنها القيم وانحطت أخلاقهم فاستحلت الحرام وحاولت السطو على مستحقات أسرة أحد الشهداء وهم مسلوبو الفكر بفعل الصدمة وحالة الذهول من الخبر المفجع الذى جعلهم فى قمة أحزانهم، وكأنهم يستغلون حالة عدم الاتزان التى كان يعيشها أب مكلوم وأشقاء فقدوا زهرة شبابهم فى عملية خِسة وعار قام بها جبناء أوغاد فى كفر القواديس برفح سيناء ، وكما كان استشهاد ابن مدينة قوص ومحافظة قنا الجندى البطل محمود عبد الراضى ورفاقه فى لحظات غدر وغفلة من هؤلاء الرعاديد كانت محاولة سرقة مستحقات أسرته أيضاً من معدومى الضمير الذين استغلوا حالة الحزن الشديد التى عاشتها أسرته ، وإذا كانوا قد وصلوا لأعماق الصعيد فمن المؤكد أن ذلك تكرر مع العديد من أسر الشهداء الآخرين فى حالات أخرى ربما تكشف عنها الأيام المقبلة. بعد سويعات من المذبحة الآثمة بكفر القواديس برفح سيناء ، حضر من أوهم ذوى الشهيد محمود بأنه مبعوث من الجهات المسئولة لتسليمهم المستندات الخاصة بمستحقاتهم ليتسنى لهم صرفها من البنوك المعتمدة ، فى الوقت نفسه استغل حالة الثقة والاطمئنان التى أولاها له أهالى الشهيد وقام ومن ورائه مجموعة محترفة بالحصول منهم على توقيعات على أوراق يعلم الله ماذا تحتضن، هل هى تفويض يمكنهم من الاستيلاء على مستحقات أسر الشهداء التى اعتمدتها الحكومة ؟ أم أنهم استغلوا تلك الأوراق فى الحصول على أموال من بعض رجال الأعمال الذين سمعنا بعد الحادث أنهم سيتبرعون بمبلغ مالى ضخم لأسر الشهداء؟ أم أنهم سيستغلون تلك الأوراق فى توريط أهالى الشهداء فى مشكلات مالية تظهر مستقبلا؟ والسؤال الأهم هل من الممكن أن يستخدم توقيع أهالى الشهداء فى الحصول على توكيلات تستغل ضدهم؟ وهل أسرة الشهيد محمود وحدها التى استهدفها هؤلاء أم أن هناك حالات أخرى مشابهة من أهالى شهداء آخرين؟ هل هم من مافيا التعويضات الذين ينفذون من ثغرات القوانين ويستغلون البسطاء فى السطو على حقوقهم ؟ هذا جانب من الأسئلة التى تدور فى رءوس واحدة من الأسر التى نصب لها هؤلاء المجهولون شباكهم وهى أسرة الشهيد محمود عبد الراضى بمدينة قوص محافظة قنا ،وأقنعوا والد وشقيق الشهيد بالتوقيع على أوراق لايعرف أحد ما بها وحصلوا منهم على صور بطاقات الرقم القومى ، وسلموهم أوراقا منسوبة إلى وزارتى الخارجية والمالية تفيد بضرورة توجههم إلى أحد بنوك مدينة الأقصر يوم 28 نوفمبر الماضى لصرف مبلغ 100 ألف جنيه لوالد الشهيد بالإضافة إلى 70ألف جنيه أخرى لشقيقه. وعن تفاصيل الواقعة يقول شقيق الشهيد عبد اللطيف عبد الراضى :- بعد ثلاثة أيام من الحادثة ودفن جثمان شقيقى والأسرة فى حالة ذهول من هول الصدمة حضر أحد الأشخاص يرتدى جلبابا بلديا وعرف نفسه أنه من إحدى قرى مدينة الأقصر ، وأخبر والدى وشقيقى انه جاء لتسليم الأسرة الأوراق الخاصة بصرف مستحقات الأسرة المقررة لها حتى يتسنى لها الصرف فى أسرع وقت ممكن ، وحصل من والدى وشقيقى على صور من بطاقتى الرقم القومى الخاصين بهما، فى نفس الوقت طلب من الأسرة سرعة الانتهاء من استكمال الأوراق الرسمية وهى إعلام الوراثة وعدد 4 صور من شهادة الوفاة ، وشهادة من الجمعية الزراعية تثبت وجود ملكية أراض زراعية من عدمه ، و 4 صور من بطاقات الرقم القومى لجميع الورثة الوالد وأشقائي، كذلك 4 صور فوتوغرافية لكل وريث ، وبحث اجتماعى من وحدة الشئون الإجتماعية ، والمعروف أن تلك الإجراءات تستغرق وقتاً ، وبدأت الأمور تتضح لنا بعد ذهابنا إلى البنك المدون فى الأوراق بمدينة الأقصر فأخطرونا أن تلك الأوراق مزورة وليس لها أى سند قانونى لديهم. وعن فحوى تلك المستندات يقول عبد الناصر عبد اللطيف عم الشهيد : جميع المستندات وعددها أربعة تحمل الشعارات الخاصة بوزارة الخارجية (قسم التعويضات) ووزارة المالية والبنك الأهلى ومذيلة بتوقيع يحمل اسم رئيس قسم التعويضات معتمد بخاتم شعار الجمهورية ، والمستند الأول بعنوان »إذن بنكي« وبه مدون صرف 100 ألف جنيه للسيد عبد الراضى عبد اللطيف محمد والد الشهيد محمود عبد الراضى من الحساب الخاص للجنة حقوق الإنسان الأمريكية رقم 4987456 من فرع البنك الأهلى المصرى بالأقصر بجوار فندق إيتاب كورنيش النيل بعد دفع الرسوم الإدارية الخاصة بالمحافظة، والمستند الثانى يحمل فى خانة الصرف جملة « يتم الصرف 28 /10 / 2014 ، وفى ذيل المستند جملة أقر بأنى صرفت المبالغ الموضحة بعاليه من التعويض وذلك بموجب مستندات الصرف المرفقة طيه، ثم توقيع والد الشهيد مسبوقاً بجملة « توقيع مستلم التعويض « أى أن هذا إثبات بأنه استلم 100ألف جنيه على الورق علماً بأن هذا المستند منسوب إلى البنك الأهلى المصرى وغير مدون به اسم أى فرع من فروع البنك ، فى حين أن المستند الأول مثبت به أن مكان الصرف بنك الأهلى بالأقصر ، والمستند الثالث كالمستند الأول ( إذن صرف بنكى ) قام نفس الرجل بإقناع محمد عبد الراضى شقيق الشهيد بالتوقيع عليه ، ويفيد بأن هناك تعويضا 70 ألف جنيه أخرى من نفس البنك ، والمستند الرابع كالمستند الثانى ينتهى بتوقيع الشقيق على استلامه المبلغ ، ولطمأنتهم أقنعهم الرجل أنهم سيذهبون بالمستندات لبنك الأقصر وبمجرد تسليمها للمسئولين فيه سيستلمون شيكين بمائة وسبعين ألف جنيه ، وللأسف هذا لم يحدث ، وأخبرهم المسئولون به أن تلك الأوراق لا أساس لها فى تعاملات البنك ! ويفجر عبد اللطيف عبد الراضى شقيق الشهيد محمود مفاجأة فيقول :- قبل أن نحضر للقاهرة أرسلنا صوراً من المستندات المطلوبة منا للجهاز الخاص بمعاشات القوات المسلحة بالعباسية، ولما حضرنا للقاهرة ومعنا المستندات الأصلية أخبرونا فى الجهاز بأن شخصين حضرا للإدارة صباح نفس اليوم ومعهما أوراق لتسلم الشيكات الخاصة بأسرة الشهيد محمود عبد الراضى إلا أن المسئولين بالإدارة رفضوا تسليمهم إياها ،وأكدوا لهم عدم تسليم أى مستحقات خاصة بالشهيد إلا لوالده شخصياً ، وباءت محاولاتهم بالفشل فانصرفوا ، وهذا يؤكد أن هناك شِراكا نصب للاستيلاء على حقوق أهل الشهيد ، وأن تلك الأوراق حصلوا فيها على توقيع شقيقى ووالدى وهما فى ظروف غاية فى السوء بعد استشهاد شقيقى مباشرة ، ومن المؤكد أن هؤلاء الأشخاص كانوا يدبرون ويديرون المؤامرة فى الظل وأنهم محترفون ومزورون ، والرجل الذى حضر إلى منزلنا بالجلباب الصعيدى وادعى أنه من إحدى قرى الأقصر لم يكن سوى أداة ، وتلك عصابة تستطيع السطو على أى شيء، ونخشى أن يكونوا قد استغلوا توقيع والدى وشقيقى وصور بطاقتى الرقم القومى لهما فى الحصول على توكيلات مزورة .