لمصلحة من الزج بالقضاء في قضية كان كثيرون متأكدين أنه سيتم تسويتها في نهاية الأمر بصفقة سياسية, ولمصلحة من تصوير القضاء المصري, وكأنه يلبي مطالب السياسة وليس العكس?. ولأن ماحدث خلال الأيام الماضية سيكون له تداعيات خطيرة للغاية, فان المطلوب معرفة ماذا جري ولماذا ومن المسئولالسياسي عما وقع؟. إلا أن ذلك لايمنع من الحديث قليلا عن المسئولة القضائية. وإذا كان الاستقلال والنزاهة والحياد أهم صفات القضاء العادل, فإن الشفافية لا تقل أهمية عن تلك الصفات.. فليس لدي القضاء ما يخفيه أو ما يقوم بتجميله أو تسريبه لهذا الصحفي أو تلك المطبوعة. و كما أن الحكم القضائي يصدر علانية, فإن الأمور المتعلقة بالقضايا المنظورة يجب ألا تخضع لمنطق التسريبات المعرضة للنفي أو التكذيب. إن اللغط الذي ثار, فور إعلان المحكمة التي تنظر قضية التمويل الأجنبي, التنحي عن القضية, وما تلاه من تساؤلات عن أسباب ذلك, أصاب القضاء بأضرار معنوية شديدة. وقد كان من الممكن عدم ذكر الأسباب استنادا إلي أنه من حق القاضي- كما يقول المستشار أشرف ندا رئيس محكمة جنايات الجيزة- أن يحتفظ بأسباب قراره التنحي, أو أن يتم الإعلان عن الأسباب في بيان رسمي ينهي اللغط ويخرس الألسن التي تخوض في أي شيء دون بينة. لكن ما حدث كان غير ذلك, فقد توالت تصريحات لمصادر قضائية, بدا منها أن هناك خلافا حول الأسباب. ثم تحولت المصادر المجهولة إلي شخوص حقيقية, عندما تحدث المستشار عبد المعز إبراهيم رئيس استئناف القاهرة عن أسباب محددة, ما لبث المستشار محمد شكري رئيس المحكمة أن نفاها. ثم عادت المصادر القضائية المجهولة لتكشف عن صدور قرار برفع الحظر عن سفر الأجانب المتهمين في القضية, ليعقب ذلك تصريح من المتحدث باسم النيابة العامة نفي فيه أي دور للنيابة. وجاء تصريح المستشار عبد المعز, في نهاية يوم ماراثوني طويل هو الأربعاء الماضي ليؤكد رفع حظر السفر, وليكشف أن المتهمين محالون علي ذمة جنحة وليس جناية وعقوبتها غرامة لا تتعدي300 جنيه, بعد أن كان الجميع يتحدث عن جناية عقوبتها تصل إلي السجن5 سنوات. ولسنا هنا في مجال التعليق علي ما قاله السادة المستشارون, لكن السؤال هو لماذا لم يتحدث أحد من قبل عن أن القضية جنحة؟ ثم لماذا هذا التباين حول قرار رفع حظر السفر.. الأهم من ذلك كله لماذا يسمح القضاة باستمرار اللغط الذي يعطي البعض ذخيرة للحديث عن تسييس القضاء وانتهاك استقلاله؟ ولماذا تحول الأمر الي معركة علنية بين القضاة جري خلالها استخدام الفاظ وأوصاف لاتليق؟. وللأسف الشديد, فان ماحدث جعل مصر الثورة التي كنا نأمل أن تمتلك قرارها بيدها, تتراجع ليس فقط في عيون أبنائها بل وفي الخارج أيضا. المزيد من أعمدة عبدالله عبدالسلام