تحتاج الخارجية المصرية إلى قراءة مذكرات قادة الإخوان، وساعتها ستجد اعترافات كاملة عن فن تربية «الإرهابى الناعم «، فالأيتام الصغار الذين نشأوا فى حجر الشيخ الطيب الذى يزور والدتهم ويدس فى يدها المال هو الأب الذى سيتكفل فيما بعد بمصاريف التعليم وربما الزواج ، وربما يبحث للأم الشابة عن أخ صالح يعولها ويحفظها من الغواية والشر ! الشيخ الطيب الذى يرتدى الملابس البيضاء ويوزع الورع والتقوى على نساء الحارات ورجالها ويدخل البيت ويخرج فى أى وقت دونما حرج أو تلسين من الجيران ، هو النموذج الذى يحتذى به الأطفال ويحلمون بمكانته فى المستقبل . ويتوزع الشيوخ بملابسهم البيضاء وعلامات التقوى والورع على كل حارة وشارع وعزبة وقرية ومدينة يتحركون فرادى وجماعات تعمل بهمة ونشاط وتصب نهاية المشوار فى مكتب الإرشاد . انها ( قبيلة الإخوان ) التى بدأ تأسيسها الثانى بعد جيل حسن البنا كدولة داخل الدولة منذ عام 1983 . ........ قبل هذا التاريخ بسنوات قليلة كان السادات قد سمح للإخوان بالتحرك لمواجهة الطوفان الدموى للجماعات الإسلامية الذى انطلق عام 1979 من جامعة أسيوط وامتد بعنف إلى مسجد «الجمعية الشرعية» وأصبح للجماعات نشاطها الكبير واكتسبت وجوداً خاصا بمساندة عدد من كبار المشايخ ،فقد انضم إليهم الشيخ «صلاح ابو اسماعيل «من القاهرة ،والشيخ المحلاوى من الإسكندرية ،والشيخ حافظ سلامة من السويس ،حتى جاء الشيخ عمر عبد الرحمن وصار»عمدتهم». أدرك الإخوان أن المعركة ليست سهلة وأن الصراع مع الجماعة الإسلامية صراع وجود وأنه لابد من اختيار قيادات لإدارة الحرب ، واختار « عمر التلمسانى «مرشد الجماعة آنذاك جيلاً جديداً كقادة أفرع فى الحرب المقدسة . ومن أسيوط انطلقت الشرارة الأولى بقيادة الشاب الإخوانى وأستاذ الجامعة « محمد حبيب « الذى يقول فى مذكراته :» «وأُسندت إلىّ مسؤولية الإخوان فى الصعيد وكان علىّ أن أجوب محافظات: بنى سويف، والفيوم، والمنيا، وأسيوط، وسوهاج، وقنا، وأسوان، وأن ألتقى الإخوان على مستوى القيادات الوسيطة وأفراد الصف.. أعطى التعليمات والتوجيهات الصادرة من المكتب التنفيذى فى كل المجالات التربوية والدعوية.. هذا فضلا عن إلقاء المحاضرات العامة فى المساجد والجامعات « . .......... ومن أسيوط أيضاً بدأ أول ظهور للشيخ الطيب الذى يدس الفلوس فى جيب الآمهات من الأرامل والمطلقات ، فقد فكر « محمد حبيب « فى بناء دور للأيتام ، وبعدها بدأ فى بناء مدارس خاصة تجمع «أولاد الإخوان المسلمين» وتعمل على تنشئتهم وفق تعليمات مرشد الجماعة وقائدهم الأعلى وتابعيه من مشايخ وقيادات فرعية ،وبالفعل كما يذكر حبيب فى مذكراته تم تأسيس جمعية تابعة لوزارة الشئون الاجتماعية لهذا الشأن ،وبأموال التبرعات بدأ المشروع بشراء فيلا « الأرقم « كحضانة وابتدائى ، ثم « الأندلس» ابتدائى وإعدادى وثانوى بنات ،و»حراء» ابتدائى وإعداى وثانوى بنين.،وانتشرت الفكرة باقى المحافظات لتؤسس نظام « العائلات الإخوانية « وتراجعت الجماعة الإسلامية كما انسحبت الأرض تماماً من تحت أقدام وزارة التعليم التى افتقدت الكثير من مزايا مدارس «الجماعة» التى شهدت تطوراً كبيراً وانتشاراً منذ الثمانينيات وحتى الآن . ومن دور الأيتام والمدارس والجامعات ومن الأحياء التى زارها الشيوخ الذين يدسون الفلوس ويقدمون المعونات الشهرية جاء كل هؤلاء الذين تدفقوا إلى رابعة وميدان النهضة دفاعاً عن قادتهم وآبائهم الشرعيين ورداً لأفضال قديمة وجديدة ، فبعضهم كان بلا مستقبل وينتظره مصير مجهول ، لكنه بفضل « الجماعة « تعلم وتغلب على الصعاب وأصبح له شأن والتحق بالعمل فى إحدى الشركات المملوكة لإخوانه الكبار . ............ ولكن من أين تأتى كل هذه الأموال التى يدسها الشيخ الطيب فى جيب الآمهات المكسورات الخاطر ، من أين تتدفق ملايين الجنيهات منذ الثمانينات لتبنى المدارس ودور الأيتام والمستشفيات والشركات والجمعيات الخيرية والمشروعات الصغيرة والكبيرة ؟! اللائحة الداخلية للإخوان تنص على أن يدفع العضو العامل اشتراكاً شهرياً يصل إلى 8% من إجمالى الدخل ، فإذا كان عدد الأعضاء 850 ألف شخص يدفعون اشتراكاً شهرياً بقيمة 100 جنيه فقط ،فإن مجموع الدخل يصل إلى 85 مليون جنيه شهرياً ، فما بالك لو أضفت 8% من أرباح الشركات والاستثمارات التى يمتلكها رجال أعمال الجماعة منذ الثمانينات !. عموماً فإن الملايين الشهرية يتم توزيع جزء منها لإعالة ومساعدة 40 ألف طالب إخوانى وخمسة آلاف من أعضاء الإخوان المسلمين ممن يحتاجون العون إما بسبب موت العائل أو بسبب إعتقاله أو لأى سبب آخر يسمح للشيخ الطيب بالمرور على البيت من حين لآخر ليدس الفلوس فى جيب الآمهات . الأطفال الصغار الذين شاهدوا مهابة الملابس البيضاء التى يتحرك بها الشيوخ ،هم شباب اليوم الذين نشأوا فى حضن «جماعة « لها لوائحها وقوانينها ، وهم اليوم أساتذة فى الجامعات ومهندسين فى شركات البترول وموظفين ،وبينهم آلاف الأيتام الذين نشأوا يكرهون الدولة بأى مفهوم لها ويدينون بالولاء للجماعة . ............. الخارجية المصرية التى تتعثر اليوم أمام بعض المنظمات الحقوقية التى تبتزها وتحرجها أمام العالم والتى يطالب بعضها بالتحقيق فى أحداث « رابعة والنهضة « تحتاج إلى تلك البيانات المدونة فى مذكرات قادة الإخوان ، فهى أكبر إدانة لجماعة تربى أجيالاً متتالية من المؤمنين بها وبمرشدها وقياداتها وعلى أتم استعداد للموت فداءً لهم . المصريون عاشوا فى جحيم الجماعات الإسلامية فترات طويلة ، ويعيشون منذ عقدين كاملين فى حصار من جماعة الإخوان التى أسست دولتها داخل دولة مبارك التى أهملت الفقراء وتركتهم فى رعاية الشيوخ وقادة الإخوان ، والذين اندفعوا للجهاد ومازالوا يندفعون هم أولئك الأطفال الذين تركتهم الدولة صغاراً فنشأوا يؤمنون بالمرشد بديلاً للدولة ، وهم الآباء الذين اصطحبوا أطفالهم إلى الاعتصامات وألبسوهم أكفان الموت وأدخلونا جميعاً دوائر الدم والقتل .