لم تمض سوي أيام قليلة علي فرحة اليمنيين بإنجاز استحقاق الانتخابات الرئاسية المبكرة وحصول مرشح توافق وطني علي نسبة عالية كخطوة مهمة علي طريق تسوية الأزمة الحالية, حتي عادت علامات الاختلاف والتباين مرة أخري, والسبب هذه المرة كان الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي أصر علي إقامة حفل لتسليم السلطة إلي خليفته في القصر الجمهوري وسط رفض وتشدد من قبل المعارضة اليمنية التي قاطعت الاحتفال واعتبرته بدعة غير موفقة كون السلطة سلمت فعليا إلي الرئيس هادي بعد أدائه اليمين الدستورية في مجلس النواب السبت الماضي. صالح بدا وكأنه فعل كل ما يريده في الأزمة اليمنية حتي أنه لم يتنازل عن شيء إلا سنة واحدة كانت متبقية له وفقا للدستور كما سلم السلطة لأيد أمينة كما وعد سابقا, غير ان الكثير من المعارضين يرون أن عودته إلي صنعاء بعد رحلة علاجية من أمريكا ستسبب الكثير من المشاكل والخلافات بين اليمنيين وهو ما أعلنته وزيرة حقوق الإنسان حورية مشهور المحسوبة علي المعارضة قبل أيام, لكنه لم يكترث للاعتراضات بل أعطي إشارات واضحة في خطابه بدار الرئاسة أثناء مراسم تسليم السلطة أن نجله أحمد سيبقي في السلطة عندما ألمح إلي عمليات القاعدة الأخيرة ضد الحرس الجمهوري في حضرموت والتي راح ضحيتها21 ضابطا وجنديا مؤكدا أن من يستهدف الحرس الجمهوري يستهدف الوطن كله. لكن الرئيس الجديد عبدربه منصور هادي فضل أن يمسك العصا من المنتصف خلال تسليم السلطة, فلم يشأ أن يمجد صالح أو يهاجمه بل ركز علي الإشارة إلي أن البلاد أمام مرحلة صعبة ومعقدة وأن الشعب اليمني الذي خرج بالملايين في الانتخابات المبكرة يعطي رسالة واضحة لوقوفه من أجل الأمن والاستقرار ومن أجل التغيير إلي الأفضل. جدل التنصيب ويقول الدكتور عبده غالب العديني الناطق الرسمي للقاء المشترك إن الإجراءات التي تمت يوم السبت الماضي في مجلس النواب وحضور الرئيس هادي لأداء اليمين الدستورية بحضور ممثلي السلك الدبلوماسي في اليمن يعد كافيا لأن يكون عبدربه رئيسا لليمن. وأكد العديني أن المشترك يرفض من الأساس فكرة التنصيب فضلا عن المشاركة فيها, لأنها مخالفة للقانون والتقاليد المتعارف عليها عند اليمنيين في مثل هذه الحالات. وأوضح العديني أنهم في المشترك ابلغوا الرئيس عبدربه منصور بموقفهم الرافض للفكرة أو المشاركة فيها, لافتا إلي أنه ليس في مصلحة الرئيس عبدربه منصور الظهور إلي جوار الرئيس المخلوع في هذا التوقيت لأنه يمثل عامل استفزاز للمواطنين الذين منحوه ثقتهم وصوتوا له في الانتخابات الرئاسية. ومن جانبه قال حبيب العريقي عضو اللجنة التنظيمية لثورة الشباب السلمية إن حضور رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي ما يسمي مراسيم التنصيب سيغير موقف شباب الثورة من هادي. ويري العريقي أن حضور هادي يثبت للشعب اليمني الذي أعطاه الشرعية أنه لم يتحرر بعد من عباءة صالح وعائلته. واعتبرت أوساط سياسية قريبةمن المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه صالح أن عدم مشاركة أحزاب اللقاء المشترك في حفل تسليم السلطة سيكون بمثابة اعلان غير مباشر من قبل تلك الأحزاب بعدم اعترافها بالانتخابات الرئاسية المبكرة ونتائجها. وأشارت مصادر المؤتمر الشعبي إلي أن هذا الموقف من جانب أحزاب المشترك ستكون له تداعيات سلبية لاحقة أكبر من حجم الحدث, وأنها ستكون بمثابة تنصل من التزاماتها بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. المرحلة الثانية ويواجه الرئيس اليمني الجديد تحديات عدة لتنفيذ بقية متطلبات مبادرة الخليج وآليتها التنفيذية خلال العامين القادمين واللذين ينتهيان بإجراء انتخابات عامة. وتعد قضيتا إنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه, وتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة مهنية ووطنية موحدة في إطار سيادة القانون, من أهم مهام لجنة الشئون العسكرية والأمنية في المرحلة الثانية من الفترة الانتقالية. كما تضع الآلية التنفيذية أمام اللجنة مهمة مواصلة واستكمال جهود تحقيق وتثبيت الأمن والاستقرار وإزالة مظاهر التوتر الأمني والعسكري, وضمان وقف جميع أشكال العنف وانتهاكات القانون الإنساني, وفض الاشتباكات المسلحة, وإنهاء كل المظاهر المسلحة التي نشأت خلال شهور الأزمة, وضمان حرية التنقل للجميع في جميع أنحاء البلد, وحماية المدنيين وغير ذلك من التدابير اللازمة لتحقيق الأمن والاستقرار وبسط سيطرة الدولة, وتتضمن مهام المرحلة الثانية أيضا مواصلة إصدار التعليمات القانونية والإدارية الملائمة إلي جميع فروع القطاع الحكومي للالتزام الفوري بمعايير الحكم الرشيد وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. الحوار مع الشباب ونصت الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية علي تشكيل الحكومة لجنة اتصال تتولي وبشكل فعال التواصل مع حركات الشباب في الساحات من مختلف الأطراف وباقي أنحاء اليمن لنشر وشرح تفاصيل هذا الاتفاق وإطلاق نقاش مفتوح حول مستقبل البلاد. وحددت الآلية التنفيذية مهام جوهرية أخري للرئيس المنتخب وحكومة الوفاق الوطني لتنفيذها عقب الانتخابات, تتمثل في: ضمان انعقاد مؤتمر الحوار الوطني وتشكيل لجنة إعداد وتحضير للمؤتمر ولجنة التفسير والهيئات الأخري المنشأة بموجب هذه الآلية; وتأسيس عملية للإصلاح الدستوري تعالج هيكل الدولة والنظام السياسي وعرض الدستور بعد تعديله علي الشعب اليمني في استفتاء; وإصلاح النظام الانتخابي; ثم إجراء انتخابات مجلس النواب ورئيس الجمهورية وفقا للدستور الجديد. ويحدو مختلف أطياف الشعب اليمني أمل كبير أن تتجاوز أطراف العملية السياسية جدلية تنصيب الرئيس الجديد وتلتزم بأجواء التوافق الوطني, وعدم الغوص في مآسي الماضي خاصة بعد أن أصبح عهد صالح في ذمة التاريخ والمستقبل جدير بأن ينظر الجميع إليه.