«إيبارشية إسنا وأرمنت» تعلن إخماد الحريق المحدود ب كنيسة السيدة العذراء في الأقصر    «توقعات بارتفاع قوي نهاية العام».. أسعار الذهب والسبائك اليوم بعد الهبوط العالمي    نائب ترامب: إسرائيل لا تتعمد قتل كل فلسطيني وما يحدث ليس إبادة جماعية    الأمم المتحدة: 71 ألف طفل بغزة سيعانون قريبا من سوء تغذية يهدد حياتهم    عبد العاطي ونظيره النيجيري يبحثان سبل تعزيز العلاقات المشتركة    «كلهم نفس العقلية».. رئيس تحرير الأهلي ينتقد مسؤولي الزمالك بسبب زيزو    بعد تخطي إعلان زيزو 40 مليون مشاهدة في 24 ساعة.. الشركة المنفذة تكشف سبب استخدام ال«ai»    شتيجن يحسم الجدل: لم أرحل.. ومستمر مع برشلونة في الموسم المقبل    إصابة 9 أشخاص من أسرة واحدة في حادث مروري بالمنيا    «المهرجان القومي» يُطلق اسم سميحة أيوب على مسابقة العروض المسرحية    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    بعد وجبات عيد الأضحى الدسمة.. 6 مشروبات طبيعية لتحسين الهضم وتجنب الانتفاخ    إعلام إسرائيلي يدعي عثور الجيش على جثة يعتقد أنها ل محمد السنوار    فرنسا تدعو إسرائيل للانسحاب سريعا من كامل الأراضي اللبنانية    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب اليونان    مها الصغير: أتعرض عليا التمثيل ورفضت    إعلام إسرائيلي: يحتمل وجود جثامين لمحتجزين إسرائيليين بمحيط المستشفى الأوروبي    الخرفان أولًا والعجول آخرًا.. تدرّج في الطلب بسبب تفاوت الأسعار    مجدي البدوي: تضافر الجهود النقابية المصرية والإفريقية للدفاع عن فلسطين| خاص    12 عرضا في قنا مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بجنوب الصعيد    تعرف على أسعار الحديد مساء ثاني أيام عيد الأضحى    ذبح 35 رأس ماشية وتوزيع لحومها على الأسر الأولى بالرعاية في سوهاج    وزارة النقل: الأتوبيس الترددى يعمل طوال أيام العيد فى هذه المواعيد    المالية: صرف المرتبات للعاملين بالدولة 18 يونيو المقبل    اتحاد تنس الطاولة يناقش مستقبل اللعبة مع مدربي الأندية    رونالدو: الحقيقة أنني لن أتواجد في كأس العالم للأندية    الصناعة: حجز 1800 قطعة أرض في 20 محافظة إلكترونيا متاح حتى منتصف يونيو    ضبط 156 شيكارة دقيق بلدي مدعم وتحرير 311 مخالفة فى الدقهلية    نتيجة الصف السادس الابتدائي 2025 بالاسم ورقم الجلوس    الداخلية ترسم البسمة على وجوه الأيتام احتفالا بعيد الأضحى| فيديو    الأحوال المدنية: استمرار عمل القوافل الخدمية المتنقلة بالمحافظات| صور    لبنان.. حريق في منطقة البداوي بطرابلس يلتهم 4 حافلات    "الزراعة": إزالة 20 حالة تعد في المهد بعدد من المحافظات    تعرف على الإجازات الرسمية المتبقية فى مصر حتى نهاية عام 2025    مرسال: اتحاد العمال يرسخ مكانته الدولية في مؤتمر جنيف| خاص    بشرى تتألق بإطلالة صيفية أنيقة في أحدث جلسة تصوير لها| صور    رسميًا.. غلق المتحف المصري الكبير في هذا الموعد استعدادًا للافتتاح الرسمي    محمد سلماوي: صومعتي تمنحني هدوءا يساعدني على الكتابة    الأحزاب تستغل إجازات العيد للتواصل مع الشارع ووضع اللمسات الأخيرة على قوائم المرشحين    البابا تواضروس الثاني يعيّن الأنبا ريويس أسقفًا عامًا لإيبارشية ملبورن    «الفيروس لم يختفِ».. الصحة العالمية تحذر: كوفيد 19 يعود بمتحور جديد    البحيرة.. عيادة متنقلة أمام النادي الاجتماعي بدمنهور لتقديم خدماتها المجانية خلال العيد    رئيس جامعة المنوفية: معهد الكبد القومي يخدم أهالي المحافظة والدول العربية    عميد طب كفر الشيخ يتفقد أداء المستشفيات الجامعية خلال إجازة العيد    شهباز شريف: باكستان تسعى دائما إلى الحفاظ على السلام والأمن في المنطقة    "دفعها للإدمان وحملت منه".. تفاصيل بلاغ من سيدة ضد والدها في الوراق    عواد: أنا وصبحي نخدم الزمالك.. وسيناريو ركلات الترجيح كان متفقا عليه    العيد أحلى بمراكز الشباب.. فعاليات احتفالية في ثاني أيام عيد الأضحى بالشرقية    السيسي يقود أحدث إنجازات الدولة في تطوير التعليم الجامعي    إصابة 8 أشخاص نتيجة انقلاب «ميكروباص» بطريق أسيوط- الفيوم الغربي    دعاء يوم القر مستجاب للرزق والإنجاب والزواج.. ردده الآن    الطبطبة على الذات.. فن ترميم النفس بوعى    اليابان: لا اتفاق بعد مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    دار الإفتاء تكشف آخر موعد يجوز فيه ذبح الأضاحي    دوناروما: أداء إيطاليا لا يليق بجماهيرنا    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تديين الدولة.. وعلمنة المجتمع
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 12 - 2014

ربما كان النزوع إلى (أنسنة الدين) سمة أساسية فى الفكر الغربى المعاصر، يجرى تعميمها بدرجات مختلفة من الحدة والنجاح فى باقى المجتمعات التى سارت على طريق الحداثة شوطا أو آخر.
وهو أمر يمكن تفسيره بالرغبة المحمومة لدى المجتمعات الغربية فى الهروب من المؤسسة الدينية التى بلغت أعلى درجات تشكلها فى كاثوليكية العصور الوسطى، أو لدى المجتمعات الأخرى فى الخلاص مما يقارب تلك البنية البطريركية، أو يلعب دورها على استحياء تحت مسميات مختلفة. ومن ثم يمكن الإدعاء بأن مؤسسات الهيمنة الدينية، هى التى تفقد أهميتها تدريجيا فى المجتمعات الحديثة، وليس الدين ذاته كعقيدة، حيث أخذت هذه المجتمعات تبدى تململا متزايدا من طرق الدمج القسرى لها، والبحث، فى المقابل، عن مصادر جديدة للإندماج، ولكن على أساس طوعى وحر. غير أن هذا النزوع إلى الأنسنة قاد البشرية فى اتجاهين مختلفين، على صعيد الحضور الإلهى فى عالمنا:
الاتجاه الأول يتمثل فى سيرورة عقلنة للوجود، فرضها نضوج التاريخ البشرى، على نحو منح للعقل الإنسانى حرية أن يجول فى مناحى الوجود، مقدما إسهاماته وتصوراته. وبعد أن كان الدين يمتد إلى كل شىء، حتى أن ما كان دينيا كان يترادف دائما مع ماهو اجتماعى، بحسب عالم الاجتماع الأشهر إميل دوركهايم، أخذت الوظائف السياسية، الاقتصادية والعلمية تخرج شيئا فشيئا من إطار الدين، لتأخذ طابعا دنيويا، وهى سيرورة طويلة جدا وعميقة جدا، ترجع إلى زيادة التخصص وتقسيم العمل الإنسانى، تلك التى لم تبدأ فى مكان معين أو لحظة بذاتها، بل تطورت بلا توقف عبر الجغرافيا، وعلى مدى التاريخ، ابتعادا عن الطابع الكلى الذى صبغ المعرفة الإنسانية لزمن طويل، فدمج بين العلوم المختلفة من ناحية، وبينها وبين الفلسفة والحكمة من ناحية أخرى. تفضى العقلانية، بهذا المعنى، إلى علمنة السياسة، كظاهرة تتجذر فى الإصلاح البروتستانتى، وتستدعى المثل التنويرية إلى قلب النظم السياسية، ضمن عمليات البحث عن أفضل الآليات (العقلانية) لإدارة الدولة كمجال محايد لممارسة السلطة وتبادلها. ولكنها لا تقود حتما إلى علمنة الوجود، إذ لم يكن مطلوبا ولا مرغوبا أن يفقد الدين كل قيمته أو يعلن موته بفعل نمو العقلانية كما بشرت فلسفة الدين الوضعية، لأن حضور العقل لا يفترض بالضرورة غياب الإيمان.
أما الاتجاه الثانى، فيتمثل فى سيرورة علمنة للوجود، تتنامى في مجتمعات الما بعد (ما بعد الصناعة، ما بعد الحداثة.. الخ)، بفعل الثورات العلمية وارتقاء الأدوات التكنولوجية، والنظم الإدارية التى تنتهجها تلك المجتمعات فى إدارة العلاقة بين أطرافها مكوناتها، وهى سيرورة تؤدى تدريجيا، من دون إعلان عن ذلك، وأحيانا من دون وعى به، إلى تفكيك الدين فى الوجدان الفردى، ونفيه عن الوجود الإجتماعى، فلا تنحية فقط عن السياسة، بل تحرمه أيضا من دوره فى صوغ نظم القيم السائدة، والتقاليد الاجتماعية التى طالما عبرت عن نفسها فى قوانين الزواج والطلاق، وأنماط العيش المختلفة. هذه السيرورة تبدو منطقية تاريخيا فى السياق الغربى، كتتمة لسيرورة العلمانية السياسية فى دوله، ونتاج موضوعى لتنامى العقلنة، والتقنية الفائقة فى مجتمعاته. أما فى المجتمعات العربية الإسلامية، فتبدو سيرورة العلمنة الوجودية أقرب إلى المفارقة، حيث العلمانية السياسية غير راسخة فى أنظمة حكمها، ولا تزال تعانى من التوظيف السياسى للإسلام من قبل تيارات دينية تسعى إلى قسرها على العيش ضمن نمط حياة تقليدى يرسم معالمه النص المؤسس للإسلام، أو توحى به التجربة التاريخية للرعيل الأول من المسلمين، حتى يسهل تطبيق الشريعة/ القوانين الدينية عليها.
جوهر المفارقة إذن أن العلمنة الوجودية هى نتاج لنقص العقلانية العربية الإسلامية، وليس لتمددها أو تجاوزها، فالجماعات التى ترفض الفصل بين النظام السياسى كمجال عام، والإيمان الدينى كمجال خاص، هى نفسها التى تتجاوز هذا المستوى الضرورى من العلمنة (السياسى)، إلى المستوى الأعلى منها (الوجودى). ففى طريقها إلى مناوأة نظم الحكم القائمة، التى تراها مجرد طواغيت تسعى إلى سرقة الحاكمة الإلهية، وتعطيل الشريعة الإسلامية، تستحل تلك الحركات منظومة القيم الأخلاقية التى تصوغ جوهر (الروحانية الدينية)، وتحث المؤمن على محبة الآخرين والتعاون معهم والبر بهم. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إنهم يتجاوزون أحكام الشريعة نفسها التى يدعون إلى تطبيقها فى العديد من الأحيان، ليس فقط عبر الإرهاب الذى يقتل أبرياء تنهى جل الأديان عن إراقة دمائهم، حتى إن الإسلام يعتبر قتل نفس واحدة بمنزلة قتل للناس جميعا، أى للإنسانية برمتها، بل وأيضا فى التشريعات التى تخص حرمة المال والعرض، حيث يتم التساهل فى سرقة غير المنضوين تحت لواء تلك الحركات، بحجة أن مالهم حرام، وأن سرقته تحل مادامت تصب فى دعم جهودهم لاستعادة الدين وتطبيق الشريعة. كما يتم التساهل فى الممارسات الجنسية تحت لافتات واهية، تسمح بالزواج السريع والطلاق الأسرع، كما تسمح بإعادة تدوير النساء/ الزوجات بين أعضائها ضمن ما يسمونه جهاد النكاح، والذى هو نوع من الزنى الصريح، أى من الكبائر التى ترتكبها الجماعات الأكثر تطرفا كداعش.
وهكذا تقود المعركة ضد العلمانية السياسية، كنمط عقلانى لتنظيم المجتمعات، وإقامة حكم رشيد لا ينال من المرجعية الأخلاق للدين فى المجال الخاص للأشخاص، إلى استحضار المستوى الأخطر من العلمنة (الوجودية)، الذى يتصادم حقا مع الحضور الإلهى فى العالم، إذ يهدر المرجعية الأخلاقية ليس فقط التى يجسدها الدين، بل ويلهمها الحس الإنسانى المشترك، الذى تتكاتف فى صوغه الأديان الصحيحة والفلسفات المثالية.
لمزيد من مقالات صلاح سالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.