في الماضي كان الدم يتدفق إلى وجه عالم الدين وينضح العرق، حين يأتى على ذكر أمر يخص الثقافة الجنسية، مستجيبا لسؤال مباغت من أحد المتحلقين حوله. .وحديثا أتاحت الفضائيات والمواقع الإلكترونية، لكثيرين، رجالا ونساء، أن يطرحوا أسئلتهم عن الجنس بلا خجل، مستترين خلف أسماء مستعارة أو ناقصة لا تدل على هوية المتكلم أو عنوانه، ولم يكن هناك مفر أمام علماء الدين وفقهائه من الاستجابة لهذا التحدي، الذي خلقته أسئلة واستفسارات واستفهامات موجهة إليهم، شأنهم في هذا شأن الأطباء والإخصائيين النفسيين والاجتماعيين. وذلك انطلاقا من أنه (لا حياء في الدين) مستدلين بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي كان يتحدث عن الأمور الزوجية مع أصحابه إن سألوه عنها، وكان يحيل ما تريد النساء أن يستفهمن عنه في هذا الشأن إلى أم المؤمنين السيدة عائشة، التي نقلت إليهن الرأي الديني الصائب. وما بين سعي القنوات الفضائية إلى تحقيق الربح وتلبية حاجات المشاهدين، وأمام إلحاح المشاهدين على طرح الأسئلة، ظهرت برامج عديدة لنشر (الوعي الجنسي) على الفضائيات وبعض وسائل الإعلام المختلفة، والتي تهدف إلى الحديث عن المشكلات الجنسية التي تواجه الزوجين. وتباينت آراء علماء الدين حول مشروعية تلك البرامج فمنهم من يرى انه لا يجوز الخوض والحديث في مثل هذه الأمور درءا للمفاسد التي قد تترتب عليها، ورأي آخر يؤكد انه يجوز الحديث في المسائل الزوجية والثقافة الجنسية وفق ضوابط وشروط . منع العرض دفعا للضرر ويقول الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم عميد كلية أصول الدين بأسيوط، إن هذه البرامج ضررها أكثر من نفعها، ونحن مأمورون بدفع الضرر أيا كان هذا الضرر حيث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : لا ضرر ولا ضرار، فهناك في هذه البرامج من يتكلمون بعبارات فاحشة كأنها تشرح الحالة الجنسية بصورة واضحة مما يجعل كثيرا من الأسر المحترمة تنقل عن هذه القناة إلى قناة أخرى لان الكلام الذي يسمعونه صادم للجميع. وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ما يشير إلى أن هذه الأمور مبنية على الستر وليس على النشر بهذه الصورة المخالفة للإسلام فقد ثبت في الصحيح أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها في المحيض فشرح لها الرسول أن تمسك قطعة من القماش مبللة بالمسك وتتطهر بها فكان رد المرأة : كيف أتطهر بها يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله تطهري بها، وتقول إحدى أمهات المؤمنين التي كانت حاضرة للموقف فجذبتها بعيدا عن النبي وقالت لها تتبعي بها أثر الدم. ومن هذا الحديث الشريف يتبين لنا أن الرسول قد كره مثل هذا الكلام حتى ولو كان في الغسل من المحيض فكيف لو سألته إحدى النساء عن حالات الجماع كما يحدث في هذه البرامج التي ينتج عنها شر خطير؟ ومن هذا المنطلق نقول إن معظم ما يقدم في هذه البرامج لا يهدف إلى خدمة المجتمع بل يهدف إلى البلبلة وزيادة القيل والقال في النواحي الجنسية والمؤسف أن ينسب هذا إلى الإسلام كما يحدث من بعض الناس، وهناك سؤال مهم ماذا لو كان الإنسان ذكرا أو أنثى عنده مشكلة في الجنس والجواب معروف فعليه التوجه إلى طبيب من الأطباء المختصين في هذا المجال، وبالتالي فلا حاجة إلى هذه البرامج الجنسية التي تنشر على الفضائيات والتي تخدش الحياء العام. تأهيل الراغبين في الزواج ضرورة ويؤكد الدكتور سيف رجب قزامل، عميد كلية الشريعة والقانون بطنطا، أن الزواج من سنن المرسلين، والجنس دافع وغريزة فطرية بهدف جعل رسالة الإنسان هي عمارة الأرض واللقاء بين الزوجين يتم في إطار شرعي، وقام به الأنبياء والرسل من قبل وهم القدوة الحسنة لنا إما بالنسبة لكيف يتم اللقاء الجنسي بين الرجل والمرأة وما يتعلق بهذه الأمور، فلابد من التأهيل للراغبين في الزواج حتى يتسنى لهم معرفة العلم الصحيح من قبل المتخصصين في هذا المجال ولا مانع أن يدرس طلاب المرحلة الإعدادية والثانوية الأعضاء التناسلية والجنسية وأن يعلم الطالب هذه الأمور إيمانا بقوله تعالى ( وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ). إما إثارة الغرائز وتحريك الشهوات وإظهارها في وسائل الإعلام فلا أؤيده لأنه سيحرك الغرائز ونحن بحاجة لتهذيب الأخلاق للشباب والشابات ونعلم أن المشاكل والصعوبات التي تواجه تكوين أسرة الآن قد تدفع الشباب والشابات إلى الانحراف والمطلوب الأول هو ستر العورات والآيات كثيرة في هذا المجال، وان عرض الأمور الجنسية في وسائل الإعلام هو هتك للأسرار وأرى قفل هذه الأمور على الملأ ولا مانع من عمل دورات تربية وتدريب للشباب والشابات من قبل جهات متخصصة بالتعاون مع المساجد والكنائس ووزارة الشئون الاجتماعية لأنها مأمونة على الشباب لتثقيف الراغبين في الزواج وليس في هذا عيب لأنها من حقوق الزوج والزوجة رغم أن الأمور الفطرية تلبي وتحقق المراد ولا مانع شرعا من الاستفادة من هذه العلوم الحديثة المتخصصة في الأمور الجنسية ولكن في إطار يتفق مع عرفنا وتقاليدنا وإسلامنا. ضوابط ومحاذير ويري الدكتور احمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، أنه يجب أن تكون هناك ضوابط وشروط ومحاذير بمعنى أن التعرف على هذه الأمور من قبل الشباب والمراهقين والراغبين في الزواج هو أمر لابد منه ليعرفوه ولمعرفة ما ينبغي، وما لا ينبغي وما يصح وما لا يصح لان العلاقات الجنسية بها أمور حلال وأمور حرام،ولابد أن يتضح كل هذا للمراهقين والراغبين في الزواج حتى يترتب عليها بعد ذلك أحكام فقهية أخرى وأرى إن الذي يتناول هذا لابد أن يكون دقيقا وواعيا وألا تطغى المعرفة على جانب الخلق والحياء الذي اتسم به الإسلام فلا يدفعنا التعرف إلى ما جهله بعض أبنائنا أن نبسط لهم المعلومة بدون رادع أو وازع من الحياء، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، يصف للمرأة السائلة كيف تتطهر من الحيض لكنه لا يستطيع أن يفسر بوضوح للسائلة فلا تكاد المرأة تفهم من الرسول فكانت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها تفسر للمرأة كيفية التطهر، فمعنى هذا أن المرأة تجيد شرح الأمور التي تتعلق بالنساء وهنا لا يكون هناك مانع في هذه الحالة. وعندما يظهر في وسائل الإعلام المرأة تشرح أمور النساء حتى يعرفوا الأحكام الشرعية ويتحدث الرجل أيضا في أمور الرجال لإيضاح ما يجب وما لا يجب وما يجوز وما لا يجوز بشرط أن يكون الحياء رادعا أخلاقيا حتى لا يبسط الجميع في الكلام كما يحدث في كثير من وسائل الإعلام دون ضوابط شرعية.