حكاية قديمة تحكي عن الفقيه الذي أراد عبور النهر, فقصد قاربا وركبه ومن فوره سأل المراكبي: هل تحسن الصلاة وتقوم بأمور دينك وتتقن قواعد النحو والصرف وتتذوق البلاغة؟ رد المراكبي: لا والله يا سيدنا, فالحظ والظروف لم يساعداني باستكمال دراستي. وهنا رد الفقيه موبخا متوعدا: إذن فقد فقدت نصف عمرك, ثم جاء الدور علي المراكبي الذي سأل الفقيه: وأنت يا سيدنا هل تحسن السباحة؟ فأجاب: لا أحسنها لأنني لم أتدرب عليها, ومن فوره رد المراكبي: إذن فقد فقدت عمرك كله! ثم من فورنا أيضا نقول كم من ناصح أمين متفقه في أمور الدين, ومثله محلل استراتيجي متين ضليع في أصول النظم والنظريات وغيرها, وهما لا يستطيعان العمل علي خروج هذا الوطن من محنته المركبة المعقدة, فالمجتمع حتي هذه اللحظة وبعد عام من سقوط المخلوع وجزء من عصابته لأن البقية من أخطر مجرمي العصابة مازالوا يعيثون الفساد والإرهاب, إلا أن أحدا من الناصحين الأمناء المتفقهين في أمور الدين لم ينتقل من الميدان مكانا ومعني إلي الغيطان مكانا ومعني أيضا. الميدان مكانا هو ساحة التحرير, وما شاكلها من ساحات, والميدان معني هو الحماس والإخلاص والفوران وتدفق الشعارات والخطب وتنظيم المسيرات والاعتصامات وممارسة الحرية, حتي وإن لم تنته عند الحدود التي تمس حريات الآخرين وذواتهم. أما الغيطان مكانا فهي كل مجال يمس الحياة اليومية للمصريين, من زراعة وقلاعة وصناعة وتجارة وأمن وصحة وتعليم ونظافة. والغيطان معني هي امتلاك مصر لإرادتها السياسية, وأن تكون عصمتها بيدها, وتفاصيل هذا الامتلاك معروفة لجميع المهمومين بالشأن العام, وعلي رأسهم الدارسون والخبراء. الغيطان بالمفهوم الواسع الذي ذكرته تنتظر من الناصحين الأمناء أن يرموا بياضهم, كما يقول أولاد البلد, ليعرف البلد أن أصوات غالبية الناخبين لم تذهب سدي, وأن الإرادة الشعبية لم ترهن العباد والبلاد لمن لا يجيد السباحة في لجج المشاكل شديدة الوطأة والتعقيد. وأتساءل تساؤل الرجاء وليس الاستفهام أو الاستنكار: هل ننتظر صلاة ظهر جمعة, تدور الخطبة فيها حول إماطة الأذي عن الطريق.. أي مسألة القمامة, وأن يخرج سادتنا الخطباء والوعاظ ومعهم جماعة الإخوان والنور وغيرهم ليقودونا في مسيرات عمل تبدأ من ظهر الجمعة حتي مغربه في تنظيف وتطهير الشوارع والحواري وغيرها؟ وهل ننتظر صلوات ظهر جمع بعدها تنطلق منها قوافل عمل في كل منطقة حسب احتياجاتها, وبالتوازي مع ذلك هل ننتظر من الآخرين الذين لم ينصبوا من أنفسهم أوصياء علي دين الأمة, ولكنهم أوصياء علي حرياتها وعقلانيتها أن ينطلقوا هم أيضا في مهام عمل بالجامعات ومراكز البحث والنوادي الرياضية والمنتديات الاجتماعية لتطوير إمكانياتها والوصول بها إلي ما كانوا يدعون إليه طوال سني ما قبل ثورة يناير, ثم ليساهموا مباشرة في تنوير الرأي العام ليساهم بقوة في صنع القرار الوطني ويؤثر في اتخاذه؟! أقول هل وفي ذهني قول الشاعر: ناديت لو أسمعت حيا.. ولكن..! المزيد من مقالات أحمد الجمال