عيون صغيرة يملؤها الأمل، وابتسامات لا تعرف معنى الخوف، وبراءة لا مثيل لها.. أطفال فى عمر الزهور مختلفين فى هيئتهم عن أقرانهم فى أى مكان آخر.. تحسبهم رجال من مدى شعورهم بالمسئولية.. يستيقظون فى الصباح على أصوات البنادق بدلا من موسيقي "المنبهات " .. يودعون ذويهم قبل أن يتوجهوا الى المدرسة التى تقع على أطراف مدينة العريش، ولا يعلمون موعدا لعودتهم مرة أخري، فرصاص الغدر وعبوات الشيطان المتفجرة لا تفرق بين جندى ومدنى أو شيخ وطفل، أو رجل وامرأة. وعندما توجهت «الأهرام» الى بعض المدارس فى جولة لرصد سير العملية التعليمية كنا نتوقع خلوها من التلاميذ، خوفا من أولياء أمورهم على حياتهم، فى ظل الحرب التى يخوضها الجيش للقضاء على قوى الظلام والتطرف والجهل المتمثلة فى الجماعات والتنظيمات الإرهابية، حتى كانت المفاجأة مذهلة ومبشرة فى نفس الوقت..»تحيا جمهورية مصر العربية.. تحيا جمهورية مصر العربية».. النشيد الوطنى يهز أرجاء مدرسة آل ياسر الابتدائية المشتركة.. ليعلو فوق أصوات القنابل والرصاص، ويكون رسالة الى كل المتربصين بمصر فى الداخل والخارج. «نفسى أطلع ظابط وأطهر مصر من الإرهاب».. بمنتهى البساطة وبدون أدنى تفكير كانت هذه هى إجابة الطفل محمد عبدالفتاح الذى يبلغ من العمر 11 عاما فقط، لكنه يكن لبلده من الوطنية والانتماء ما يفتقد اليه الكثير ممن يخربون ويقتلون الأبرياء باسم الدين.. محمد قال أنه يذهب الى المدرسة كل صباح سيرا على الأقدام وأنه يرفض أن تقوم والدته بتوصيله الى المدرسة..»ماما عارفة إنى راجل وبتسيبنى أروح المدرسة لوحدي، وبتمنى إن إقتصاد مصر يتحسن ويبقى أقوى أقتصاد فى المنطقة، وكلنا هنا مش خايفين ومتفائلين إن بكرة هيكون أحسن إن شاء الله». فاطمة عبدالله الطالبة فى الصف السادس الابتدائى تجذب طرف الحديث من زميلها فى الفصل لتؤكد على هذه الروح العالية من حب الوطن..»بنتقابل أنا ومروة وهبة على ناصية شارعنا الساعة 7 الصبح كل يوم وبنروح المدرسة نحضر الطابور وبنغنى الأناشيد الوطنية مع الأساتذة، وبعدين بنحضر كل الحصص، وساعات بنسمع بالليل صوت انفجار أو أخبار عن عمليات إرهابية فمامتنا بتقولنا متروحوش المدرسة الصبح لكن إحنا بنرفض وبنصمم إننا نروح، وصوت الرصاص مبقاش يخوفنا.. ولا الدبابات وهى ماشية فى الشارع بقت تضايقنا.. بالعكس إحنا بنتطمن لما بنشوف الجيش فى الشوارع, فى الفصل الذى يستوعب نحو 30 تلميذا وتلميذة، تقف الأستاذة سناء منصور رائدة فصل 6/1 تشرح حصة التاريخ وسط تجاوب مذهل من التلاميذ يدل على مستواهم التعليمى المرتفع.. «التلاميذ اللى بياخدوا دروس خصوصية قليلين جدا، لإننا بنشرح كل حاجة فى المدرسة وكمان نسبة الحضور مرتفعة، وأحيانا أولياء الأمور بيصروا على إعطاء أبنائهم درس فى مواد معينة رغم عدم حاجتهم له».. وبسؤالها عن الظروف التى تتم فيها العملية التعليمية وسط هذه الأجواء الحساسة، والحرب الدائرة على الإرهاب ، قالت: «بالرغم من كل الإرهاب الذى تقوم به الجماعات الجهادية المتسللة عبر الأنفاق التى تحفرها حركة حماس ، الا أن وجود الجيش بيننا يشعرنا بحالة لا مثيل لها من الأمان والطمأنينة». وتضيف الأستاذة زينب سيف مدرسة اللغة العربية أن طلاب شمال سيناء يتمتعون بروح وطنية عالية للغاية، وأن المدارس بالمحافظة تعمل على زرع هذه الروح فيهم منذ مراحلهم المتقدمة حتى لا يقعوا فريسة سهلة فى يد الجماعات المتطرفة التى تقوم بعمليات غسيل مخ للفئات الأقل ثقافة وتعيلم، وقالت أن هذه الروح الحماسية لدى التلاميذ لا تقتصر على مدرسة»آل ياسر» فقط، وإنما فى جميع مدارس المحافظة. فى طريقنا للعودة بعد انتهاء مهمتنا لفت انتباهنا صوت أغنية مرتفع يصدر من أحد الفصول وعلمنا أن تلاميذ الصف الثالث يقضون حصة «النشاط» فى هذا الفصل، فطلبنا مشاركة التلاميذ فى الحصة، لنجد صورة أخرى من صور التربية الوطنية حيث يقوم 8 تلاميذ وتلميذات بأداء رقصة بدوية على أغنية «مين ياخدك منى يا سينا» للفنانة صفاء أبو السعود، والسعادة ترتسم على وجوه الجميع سواء المعلمات أو التلاميذ وكذلك وجوهنا.