عن مركز الأهرام للنشر، صدر هذا الكتاب الممتع، الذى يقدم صورة غنية متنوعة مليئة بالأسرار والدراسات والإحصائيات والمقارنات والتأسيس التاريخى لعالم الإنترنت .. تلك المكتبة الكونية ومخزن المخيلة البشرية ووعاء المعارف الإنسانية والثقافة الشعبية والمعلومات الشخصية .. التى أصبحت تشكل مدار حياتنا الذى لن يفلت من قبضته أحد. يحكى د. خالد الغمرى، أستاذ اللغويات الحاسوبية عن رواية الإنترنت الكبرى، ويشبعها بحثا وتحليلاً فى إطار أكاديمى رصين يتميز بالمهارة فى السرد، ورسم الشخصيات التكنولوجية التى اقتحمت حياتنا؛ مثل الفيسبوك وتويتر .. والشخصية المحورية «جوجل».. وكيف تطور هذا الكيان المعرفى حتى أصبح يمثل الخيط الفكرى الرابط بين الوسائل الإلكترونية الأخرى. وبإحساس مرهف بالثابت والمتغير فى خريطة العلاقات الاجتماعية، وبأسلوب يشبه خيوط السيرما الذهبية البارزة .. تبدو براعة الاستهلال باستلهام أسطورة آمون، الذى توقع أن الكتابة التى اخترعها «تحوتى» ستجعل البشر يسيطر عليهم وهم المعرفة الواسعة، وهذا بعض مما فعلته الإنترنت بنا، فقد أصبحنا أقل صبراً وتركيزاً وذوقا وأكثر تطرفاً .. وتحولت علاقاتنا الإنسانية وعواطفنا إلى مجموعة من الرموز والأزرار. يتحدث الكتاب عن عالم الإنترنت المظلم والخفى وكيف يستخدم الإرهابيون خصائص تكنولوجية معينة لتنفيذ عملياتهم وإتمام صفقات بيع الأسلحة .. عناوين الكتاب تشى بظلال كثيفة من المعانى، وتكشف خداع البصر فى عالم تتضاعف فيه المعرفة كل سنتين، وستتضاعف قريبا كل 12 ساعة تقريباً. ففى مجال التأثيرات النفسية، يرصد الكتاب أبحاث الخبراء عن إدمان الإنترنت الذى يدفع المخ لإفراز مادة الدوبامين بمعدلات تتقارب مع نفس النسبة التى يفرزها المخ عند إدمان المخدرات .. وكيف أثرت الإنترنت سلبياً فى مهارات القراءة والتفكير بعمق والقدرة على التركيز .. ويتطرق لطغيان الثقافة الشخصية على فيسبوك على وجه الخصوص .. الأمر الذى شخصه أحد الخبراء بأنه عودة «لثقافة الميم» التى تعنى انتشار الفكر والسلوك عن طريق التقليد .. وبعين صقر ثاقبة يرصد ظاهرة الإغراق المعلوماتى وبعض الأمثلة لها مثل استخدام برامج معينة لإنشاء وتشغيل حسابات مزيفة لإدارة الرأى العام فى العراق وأفغانستان وفى ليبيا قبل سقوط نظام القذافى على وجه الخصوص، بالرغم من أن نسبة من يستخدمون الإنترنت فى ليبيا لا تزيد على 6% من عدد السكان. أما العلاقات الاجتماعية وسمات الشخصية على فيسبوك فكلها أرقام الصداقة والتأثير والإعجاب وكذلك الشحن والنرجسية والتفاهة والرفض والعزلة أيضاً .. كنز تاريخى أمام الباحثين فى كل المجالات.. وتفعيل لاهتمامات الناس وما طرأ عليها من تغيرات عبر السنوات وفى أماكن متفرقة من العالم.. ويتطرق الكتاب للّغة التى فرضتها سطوة الجماهير وهى فى طريقها لإزاحة النخبة.. والخطوة القادمة- كما يقول «إريك شميت» رئيس مجلس إدارة جوجل لفترة طويلة- أن مستخدمى محرك البحث يتطلعون لأن تقدم لهم جوجل المعلومات التى يبحثون عنها، ويتوقعون منها أن تقول لهم ماذا يفعلون بها.. وتتوالى العناوين الممتعة والمثيرة للفضول فهى تتحدث عن : زعماء الإنترنت.. وجوجل مقسم الأرزاق.. وعالم فيسبوك «أوضة وصالة».. والحرائق الرقمية.. والوحدة 8200 التى تمثل التجسس الإسرائيلى من الباطن.. وكيف يرى بعض الحاخامات فى إسرائيل أن الإنترنت هى السبب الأول للغواية، وأن وجودها بلا رقابة وفلترة يعد مخالفة للقوانين الإلهية .. والمزيد فى هذا الكتاب الذى يعد مرفأ هادئا للتأمل والتفكير بعيداً عن محيطات الإنترنت الهادرة. اسم الكتاب : «نبوءة آمون» .. اسم المؤلف : د. خالد الغمرى الناشر : مركز الأهرام للنشر نوفمبر 2014