كان استخدام الألفاظ البذيئة من بعض الأشخاص كفيلا بنبذهم والابتعاد عنهم ووضعهم فى خانة المواطن "الصايع" عديم التربية والذى يجب الابتعاد عنه فوراً حتى لا يلوث بأخلاقه ولغته البذيئة جمال الحياة... ولا زلت أذكر منذ ما يقرب من الثلاثين عاماً، كيف قامت الدنيا ولم تقعد حين قام أحد نجوم الفن ضمن أحداث عمل فنى لم أعد أذكره، باستخدام لفظ "يا أولاد الكلب"، وكيف أن الإعلام وقتها قام ولم يقعد انتقاداً لهذه اللغة الفجة والخروج على آداب الحديث. لكن شيئاً ما حدث منذ تلك اللحظة، وبدأت لغة الشارع اليومية تتضمن السباب فى المشاجرات، ثم أصبحت النكات والألفاظ البذيئة من مقتضيات خفة الظل و انتزاع الابتسامة من الناس فى معظم الأوقات. الآن أصبح شيئاً عاديا أن تري وتسمع شباباً بل وأطفالاً، يستخدمون تلك الألفاظ البذيئة فى الشوارع والمقاهى والأندية، بل وفى حديثهم العادى الجاد، ولأن بعضهم حظى بقسط ولو قليل من التربية، استبدلوا أحياناً الحروف الأولى من تلك الكلمات البذيئة، بحروف أخرى تغير من شكلها لكنها لازالت توحى بالمعنى الأصيل البذيء للكلمة. وامتلأت الأعمال الفنية بألفاظ كانت منذ زمن تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، لتصبح الآن من مقتضيات الواقعية فى العمل الفنى وكأن الشعب بأكمله أصبح بذيئاً ، وأنه قد بات من مقتضيات الدقة أن تظهر تلك البذاءة فى الأعمال الفنية، وإلا أخلت تلك الأعمال بمبدأ الواقعية، ذلك المبدأ الذى كان عميده المخرج الراحل "صلاح ابو سيف"، يحرص كل الحرص على استخدام "الرمز" فى المشاهد التى قد تحتوى على أفكار صادمة حتى لا يفقد العمل الفنى جماله ورقيه. المصيبة الكبرى هى أن الألفاظ البذيئة أصبحت فى معظم الأوقات هى الأداة للتربية والتقويم، وأصبح شيئاً عادياً أن ترى أباً أو أماً، يصف أو تصف أحد أو كل أبناءها بصفات بذيئة لمحاولة تقويمهم، وأصبح شيئاً عادياً أن يتم استخدام هذه الألفاظ فى أماكن كثيرة جداً ومن أشخاص يفترض فيهم أن يمنعوا استخدامها، أصبحت تسمعها من ركاب السيارات ومن المارة وغيرهم، بل أصبح شيئاً شبه عادى أن تسمع البذاءة من بعض رجال الإعلام على شاشات التلفاز وهم يهددون ويتوعدون من يخرج على قناعاتهم وأفكارهم وبكل بذاءة. أعتقد أننا أصبحنا على وشك أن نفقد الكثير من القيم والمبادئ التى كانت مصر تشتهر بها، وأهمها حسن الخلق والدعة والطيبة وأدب الحديث، وكما نشعر بحنين جارف لمشاهدة أفلام الزمن الجميل، فى إشارة واضحة إلى الحنين إلى كل تلك القيم الجميلة، بات علينا أن نحذر من استمرار ما يحدث باستخدام تلك اللغة الركيكة والبذيئة، وأن نحاول جاهدين أن نخرج بهذا البلد سالمين من "زمن البذاءة". [email protected] لمزيد من مقالات أحمد محمود