مسلسل إفقار الفلاحين وانتزاع أراضيهم مستمر وتتوالى حلقاته. ممارسات النظام الذى ثرنا عليه مازالت مستمرة وتتكرر بحذافيرها. آلاف الفلاحين فى مختلف المحافظات تسلموا إنذارات بالطرد من أراضيهم، إذا لم يمتثلوا للزيادة الجديدة فى إيجارات الأراضى الزراعية التى قررتها هيئة الأوقاف والتى تسرى اعتبارا من أول نوفمبر الحالي. الزيادة التى سبق أن تم الإعلان عنها منذ بضعة أشهر رفعت إيجار الفدان دفعة واحدة من 1000 جنيه فى المتوسط إلى 4000 جنيه كحد أدني. تصريحات المسئولين بهيئة الأوقاف تحدثت عن الزيادة المتوقعة فى إيراداتها والتى ينتظر أن تصل إلى 450 مليون جنيه سنويا. رئيس مجلس إدارة الهيئة أكد أنه لن يتم تخفيض قيمة إيجار الأراضى بسبب مظاهرات الفلاحين، وأن الزيادة جاءت وفقا لأسعار السوق، وتصب فى صالح الهيئة والحفاظ على أموال الأوقاف. تحدث عن ضرورة مراعاة القيمة العادلة فى كل ما يتصل بمال الوقف، وأكد أن مستوى إيجارات أراضى هيئة الأوقاف مازالت أقل من أراضى القطاع الخاص. أما وزير الأوقاف فقد تحدث عن عائدات مال الوقف التى تستخدم فى مساعدة الفقراء واليتامي. وكأن الفلاحين ليسوا بفقراء! هيئة الأوقاف تقول إنها قد منحت الفلاحين الفرصة للتظلم من الإيجارات الجديدة. فيكون على المتظلم أن يدفع رسما 100 جنيه لصالح الهيئة، ثم تقوم لجنة من الخبراء بتقدير القيمة العادلة للإيجار فى المنطقة المعنية، على أن يتعهد المتظلم بالالتزام بتقدير اللجنة، فإذا لم يرض بالتقدير تطرح الأرض للتأجير بالمزاد العلني. الفلاحون فى كثير من القري، كما هو الحال فى كفر الشيخ، يقولون إن الأراضى أصلا ملكهم، وأنها قد آلت إليهم فى الستينيات من هيئة الإصلاح الزراعى بموجب عقود مسجلة وتم سداد ثمنها بالكامل، وبعد عشرات السنين فوجئوا بهيئة الأوقاف تقول إنها تملك تلك الأراضي، وتطالبهم بإيجارها وبثمن الأرض التى بنوا عليها بيوتهم التى يعيشون فيها. الفلاحون يطلبون إلزام هيئة الأوقاف بالتعامل مع الحائزين من خلال السجلات المشهرة بأرقام 988 لسنة 1970 و 578 لسنة 1974. يتحدثون عن عجزهم عن دفع الإيجارات حتى عند مستوياتها السابقة فى ظل ارتفاع أسعار الأسمدة ومستلزمات الانتاج وتكاليف الرى والصيانة، بل وحتى تكاليف الصرف المغطى التى تطالبهم بها الحكومة. التجارب السابقة على مدى السنوات الماضية تشير إلى سيناريو متكرر يتم فيه رفع إيجارات الأراضى الزراعية إلى حدود تجعل الفلاحين عاجزين عن الدفع، ومع تراكم المتأخرات يتم انتزاع الأرض وبيعها لأصحاب النفوذ أو لجمعيات إسكان بعض الشرائح المحظوظة فى المجتمع، كما حدث فى أراضى المعمورة بالإسكندرية وأراضى منية سندوب مركز المنصورة. البعض يتحدث عن أنه فى ظل نظام مبارك كانت النية معقودة على إنهاء عقود إيجار الأراضى لصغار الفلاحين فى بعض مناطق طنطا وكفر الزيات والسنطة، بغرض إنشاء مناطق تجارية لصالح عدد من رجال الأعمال. ألا يذكرنا ذلك بقيام وزير التموين الأسبق الدكتور جودة عبد الخالق بإحالة عدد من المسئولين بوزارة التجارة إلى النائب العام بتهمة الإعداد لتحويل الأراضى الزراعية بالدلتا إلى مولات تجارية؟ هل هناك عودة لاستئناف مشروعات السلاسل التجارية، والخطوة الأولى هى انتزاع الأراضى المطلوبة من الفلاحين؟ الواضح أن رسالة الحكومات المتعاقبة للفلاح المصرى هى اترك الأرض. سنرفع الإيجار، سنرفع أسعار السماد، سنرفع أسعار الوقود وتكاليف الرى والصيانة، ثم نخفض ثمن شراء المحصول.. اترك الأرض. فى كل دورة زراعية ستخرج خاسرا ومدينا..اترك الأرض. وفى النهاية إذا لم تفهم وتترك الأرض باختيارك، فسوف تطرد منها. هل نندهش كيف نستقطع الأراضى الزراعية الخصبة فى الدلتا وتحويلها لمشروعات سكنية وتجارية، ثم نبحث عن أموال ومستثمرين ومياه لاستصلاح الصحراء؟ هل المطلوب تجريد صغار الفلاحين من حيازاتهم ليتحولوا إلى عمال زراعيين، فيتم بذلك توفير العمالة اللازمة للعمل فى أراضى أولئك للمستثمرين؟ لماذا لا تعلن لنا الحكومة صراحة عن نواياها تجاه الفلاحين واستراتيجيتها لقطاع الزراعة؟ فى ثمانينات القرن الماضى حاول البنك الدولى أن يقنع اليابان بأن تكف عن زراعة الأرز، وتقوم باستخدام الأراضى فى مشروعات سكنية، لأن قيمة الأرض فى هذه الحالة تشكل ثروة قومية ضخمة، والرشادة الاقتصادية تقتضى تفعيل تلك الثروة باستخدام الأرض فى البناء واستيراد الأرز! لم تقتنع اليابان وأصرت على تأمين غذائها الأساسى محليا ومن إنتاج أراضيها. ترى إلى أين تتجه الاستراتيجية الحالية لتطوير قطاع الزراعة المصرية والتى سبق إعدادها فى ظل نظام مبارك بالتعاون مع البنك الدولي؟ هل إلى استخدام الأراضى الزراعية فى البناء، ثم الاتجاه لاستصلاح الصحراء؟ هل نعود لسياسة إنتاج الفراولة لأنها قابلة للتصدير والاستمرار فى استيراد القمح؟ الفلاحون يحتجون على الزيادة الجديدة فى الإيجارات، يقولون إن إيجار الأراضى فى القطاع الخاص لا يتجاوز فى بعض المناطق 2000 جنيها، وأنه لا يمكن المقارنة مع أراضى القطاع الخاص أصلا، لأن أراضى الأوقاف كانت بورا عندما تسلموها، وأنهم قاموا باستصلاحها واستزراعها حتى جادت بانتاجها. نقيب الفلاحين يقول إن النقابة قد تقدمت بمذكرة لرئيس مجلس الوزراء ترفض قرار وزير الأوقاف برفع إيجار الأراضى من 1000 جنيه إلى 4000 جنيه، وتطلب أن يكون الرفع تدريجيا مع إعطاء مهلة للسداد. إلا أن طلبات الفلاحين لم تجد فيما يبدو أى أذن صاغية، فالأوقاف قد عقدت النية على الطرد. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى