الشباب ثروة من ثروات مواردنا التنافسية، ومجتمعنا يعد مجتمعا شابا حيث تتعدى نسبة قطاع الشباب 41% من إجمالى تعداد سكان مصر،وهو ما تفتقده العديد من الدول خاصة الأوروبية، ولكن هذه الثروة مهددة من جانب آفة الهجرةغير الشرعية التى تغتال زهورنا الشابة، سواء أرواحهم أو أحلامهم مستغلة الأسباب التى تدفعهم إلى ترك وطنهم مثل عدم وجود فرص عمل - معدل البطالة بين الشباب المصرى بلغ 25%- وقلة الدخل وسوء الأحوال المعيشية وهى المقدرة بنسبة 86.2%من إجمالى أسباب الهجرة ،كما يلعب العامل النفسى والاجتماعى دورا فى قضية الهجرة غير الشرعية لا يقل أهمية عن الجوانب الاقتصادية، وبدورنا نلقى الضوء على السمات الشخصية والمجتمعية للمهاجر غير الشرعى لكى نتعرف على السبيل الأمثل للقضاء على رغبته فى الهجرة وترك وطنه فى هذه المرحلة من التنمية التى تحتاج الى كل يد قادرة على العمل والبناء. يحدد الدكتور مكرم شاكر أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس ملامح شخصية الراغب فى الهجرة غير الشرعية بقوله هناك عدة عناصر تبرز سمات هذه الشخصية يأتى فى مقدمتها عدم الرضا عن الحاضر والمستقبل،مما يدفعه نحو التفكير فى الهجرة رغبةً فى تغيير وضعه الراهن اقتصاديا واجتماعيا والسعى وراء تحقيق ذلك حتى اذا تطلب الأمر ترك وطنه وأهله ،دون النظر إلى العواقب التى قد تحدث له جراء تلك الهجرة،وهناك سمة اخرى لهذه الشخصية تتمثل فى الطموح المفرط الذى يجعل صاحبه يسعى وراء الأفضل للارتقاء بذاته، دون مراعاة لقدراته أو إمكاناته أو مؤهلاته التى تضمن له تحقيق أهدافه، كما تتميز شخصية المهاجر غير الشرعى بأنه مغامر ومقدام وهى صفة لا تتوافر إلا فى عدد قليل من المواطنين لان كل البشر لديهم مقاومة للتغيير وقصور ذاتى تجاه الاستمرارية ،ولكن هذا الشخص تغلب على رغبة مقاومة التغيير وتخطاها وسيطر على الاستكانة نحو الاستمرارية ،وهذه السمات تظهر بقوة فى شخصية المهاجر غير الشرعى لأنه فى مقابل تحقيق حلمه يغامر بحياته دون تردد بل تعدى الأمر ذلك فقد يلجأ إلى تكرار المحاولة والمخاطرة أكثر من مرة. ويتشارك فى تلك الصفات حملة الشهادات وغير المتعلمين على حد سواء، ويجب ان نؤكد أن قضية الهجرة غير الشرعية ليس لها علاقة بالانتماء أو الوطنية ومن الظلم ان نتهم هؤلاء الراغبين بالهجرة بأنهم غير منتمين أو غير محبين لوطنهم، او مستسلمين لليأس بل هم مفعمون بالأمل نحو تحقيق الذات وتحسين أوضاعهم بينما الشخص اليائس يكون خاملا وسلبيا، ولكن عدم الرضا مع الطموح الزائد وحب المغامرة عناصر فى مجموعها تجعل الشخص فريسة سهلة للمغريات الزائفة والمعلومات الخاطئة والغيرة من النماذج الناجحة ،ويدفعه ذلك نحو مخاطر المجهول وسراب أحلام الهجرة غيرالشرعية. ويرى الدكتور مكرم شاكر ان غالبية الراغبين فى الهجرة من الشباب وصغار السن مما يشير إلى عدم نضجهم وقلة خبرتهم الحياتية والعملية مما ييسر التلاعب بأفكارهم واستغلال اندفاعهم ،ولكن سماتهم الشخصية تمنحهم فرصة قوية للنجاح فى تحقيق أهدافهم . ان تفاقم مشكلة الهجرة غير الشرعية يرجع إلى مشكلة مجتمع فى الأساس بهذا القول بدأت الدكتورة زينب منير أستاذ علم النفس السلوكى بالمركز القومى للبحوث - حديثها وأضافت ان هؤلاء الشباب ضحايا موروثات ومفاهيم خاطئة تشارك الجميع فى غرسها فى نفوسهم منذ الصغر وهى ان بلادنا محاصرة بالسلبيات ولا يوجد أمل فى الإصلاح وان الدول الأجنبية الأخرى جنة الله تعالى فى الأرض ،ولقد تعالت الأصوات بالشكوى والضجر من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مما أسهم فى زيادة درجة الضيق والرغبة فى الهروب من المستقبل المظلم حتى ان كان ذلك يؤدى إلى التضحية بالحياة ،فلقد أصيب هؤلاء الشباب بأقصى درجات اليأس حتى أن المخاطرة بالموت لا تمنعهم من خوض رحلة الهجرة غير الشرعية ،فهم يعانون من رفض لمجتمعهم وكره لأوضاعهم ولديهم طموح وتطلع غير محسوب وعدم رغبة فى التعب والكفاح وتدفعهم أحلامهم الوردية إلى وهم نجاح زائف فى السفر والعمل بالخارج. ان علاج مشكلة راغبى الهجرة غير الشرعية يتطلب نظرة مجتمعية شاملة لأوضاع الشباب باعتبارهم من أهم موارد الدولة إذا تم التعامل معهم على أسس إدارة التنمية البشرية، ولنبدأ بعلاج نفسية الأطفال فلقد أثبتت الإحصائيات التى أعدتها هيئة اليونيسيف أن أعداد الصغار المشاركين فى رحلات الهجرة غير الشرعية فى تزايد مستمر فيجب ان ننمى فيهم ان العمل الشريف مهما يكن بسيطا فهو عمل مشرف وإضافة للفرد والمجتمع ويجب ان يحظى القائم عليه بالاحترام والتقدير وعلى وسائل الإعلام المختلفة إبراز صور هذه الفئات البسيطة بطريقة لائقة ، وان العمل بالداخل أفضل من الخارج لانه يشارك فى تنمية مجتمعه وإذا كانت الرغبة فى السفر ملحة فلماذا لا تكون للداخل مثل المجتمعات النائية والمجتمعات العمرانية الجديدة التى تحتاج إلى تغيير بايدى أبنائها، فلقد أعلنت عدة جهات فى الفترة الأخيرة حاجاتها إلى شغل بعض الوظائف التى تحتاج إلى عمال وحرفيين وفنيين وكانت المفاجأة انه لم يتقدم لشغلها أحد على الرغم من إننا مجتمع يعانى من آفة البطالة !! ولكننا تربينا على أن هذه الأعمال مهينة ولا تلقى احترام المجتمع. ولذلك يجب ان ندرس حقيقة البشر والأخطاء المجتمعية التى صنعت شابا يرغب فى الهجرة من بلاده بشكل غير شرعى حتى لو كلفه ذلك حياته، فلقد شعر هذا الشاب بالقهر منذ الطفولة فلم ينصت احد إلى صوت عقله وتعامل الكل معه سواء فى المنزل أو المدرسة بأسلوب الأوامر واجبة التنفيذ ودون مناقشة فخلقنا نماذج صاغرة وخاضعة أو نماذج رافضة ومتمردة ،فلنوجه الدعوة لحرية النقاش مع صغارنا لكى نفجر ينابيع طاقاتهم الايجابية وتكوين شخصيات ناجحة منتمية لهويتها ومحبة لوطنها ،وعلى التوازى يجب ان نكافح فكرة الهجرة غير الشرعية بخلق فرص عمل مناسبة تستوعب طاقات الشباب . ويرى الدكتورالسيد حنفى استاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق فى زيادة عدد الراغبين فى الهجرة غير الشرعية أسهم فى ان هناك بعض النماذج نجحت فى تحقيق أحلامها وعادت إلى البلاد بالمال الذى يمكنها من التباهى أمام أقرانها وأهلها مما يثير غيرة ورغبة المحاكين من أبناء بيئته على تقليد هذه النماذج ويسقط من أذهانهم ان هناك المئات الذين غرقوا وماتوا وهم يسعون إلى المهجر بطرق غير شرعية وآخرين تم سجنهم فى بلاد أحلامهم. ويجب ان نعى ان الشباب سوف يظل يغامر ويقامر مادام الضغط الاقتصادى موجودا، والحل إقامة مشروعات قومية تستوعب بطالة الخريجين والحرفيين والفنيين وغير المتعلمين، وليكن مشروع تنمية محور قناة السويس بداية خطوات الإصلاح الذى نهدف إلى تحقيقه.