«زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    الزراعة: منافذ الوزارة تطرح السلع بأسعار أقل من السوق 30%    مع ارتفاع حراراة الجو.. كيف تحمي نفسك داخل سيارتك    علقة موت، تعرض محامية للضرب المبرح من زوج موكلتها وآخرين أمام محكمة بيروت (فيديو)    «زي النهارده».. انفجار المفاعل النووي تشرنوبل 26 أبريل 1986    "مواجهات مصرية".. ملوك اللعبة يسيطرون على نهائي بطولة الجونة للاسكواش رجال وسيدات    بعد تطبيق التوقيت الصيفي.. تعديل مباراة الأهلي ضد مازيمبى رسميا في نصف نهائى دورى الأبطال    سيد معوض يكشف عن رؤيته لمباراة الأهلي ومازيمبي الكونغولي.. ويتوقع تشكيلة كولر    رمضان صبحي يصدم بيراميدز ويستبعده من المنافسة على الدوري    نقابة محاميين شمال أسيوط تدين مقتل اثنين من أبنائها    ليلى زاهر: جالي تهديدات بسبب دوري في «أعلى نسبة مشاهدة» (فيديو)    عاجل - بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 فعليًا.. انتبه هذه المواعيد يطرأ عليها التغيير    مواقيت الصلاة بالتوقيت الصيفي .. في القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات مصر    ذكري تحرير سيناء..برلماني : بطولات سطرها شهدائنا وإعمار بإرادة المصريين    مفاجأه نارية.. الزمالك يكشف تطورات قضية خالد بوطيب    هاني حتحوت يكشف تشكيل الأهلي المتوقع أمام مازيمبي    هاني حتحوت يكشف كواليس أزمة خالد بوطيب وإيقاف قيد الزمالك    "حزب الله" يعلن ضرب قافلة إسرائيلية في كمين مركب    «عودة قوية للشتاء» .. بيان مهم بشأن الطقس اليوم الجمعة وخريطة سقوط الأمطار    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    عيار 21 يسجل هذا الرقم.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 أبريل بالصاغة بعد آخر انخفاض    فيلم «النداء الأخير- Last C all» يختتم حفل افتتاح مهرجان الإسكندرية القصير الدورة 10    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    بقيمة 6 مليارات .. حزمة أسلحة أمريكية جديدة لأوكرانيا    بعد تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على جدول مواعيد عمل محاكم مجلس الدولة    هل المقاطعة هي الحل؟ رئيس شعبة الأسماك في بورسعيد يرد    كل سنة وكل مصري بخير.. حمدي رزق يهنئ المصريين بمناسبة عيد تحرير سيناء    أحمد أبو مسلم: كولر تفكيره غريب وهذا تشكيل الأهلي المتوقع أمام مازيمبي    حلقات ذكر وإطعام، المئات من أتباع الطرق الصوفية يحتفلون برجبية السيد البدوي بطنطا (فيديو)    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    عاجل - "التنمية المحلية" تعلن موعد البت في طلبات التصالح على مخالفات البناء    رئيس الشيوخ العربية: السيسي نجح في تغيير جذري لسيناء بالتنمية الشاملة وانتهاء العزلة    سرقة أعضاء Live مقابل 5 ملايين جنيه.. تفاصيل مرعبة في جريمة قتل «طفل شبرا الخيمة»    استشاري: رش المخدرات بالكتامين يتلف خلايا المخ والأعصاب    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    حكايات..«جوناثان» أقدم سلحفاة في العالم وسر فقدانها حاستي الشم والنظر    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    المحكمة العليا الأمريكية قد تمدد تعليق محاكمة ترامب    السعودية توجه نداء عاجلا للراغبين في أداء فريضة الحج.. ماذا قالت؟    الدفاع المدني في غزة: الاحتلال دفن جرحى أحياء في المقابر الجماعية في مستشفى ناصر بخان يونس    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    لوحة مفقودة منذ 100 عام تباع ب 30 مليون يورو في مزاد بفيينا    مخرج «السرب»: «أحمد السقا قعد مع ضباط علشان يتعلم مسكة السلاح»    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة 26-4-2024 (نص كامل)    طريقة عمل الكبسة السعودي بالدجاج.. طريقة سهلة واقتصادية    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    مجلس جامعة الوادي الجديد يعتمد تعديل بعض اللوائح ويدرس الاستعداد لامتحانات الكليات    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    عالم أزهري: حب الوطن من الإيمان.. والشهداء أحياء    قبل تطبيق التوقيت الصيفي، وزارة الصحة تنصح بتجنب شرب المنبهات    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرار «الجسر الاستراتيجى» بين أمريكا وإسرائيل
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 11 - 2014

في كتابه الشهير"الأزمة"، يعترف "هنري كيسنجر"وزير الخارجية الأمريكي ألشهبر، بانحيازه الكامل لإسرائيل منذ الساعات الأولى للحرب التى تكشف فيها الوضع مع أول يوم من تقدم الجيش المصري، وعلى من أنه لم يمرعلى توليه حقيبة الدبلوماسية الأمريكية لأكثر من شهرين في السادس من أكتوبر 1973،
إلا إنه كان هو نفسه صاحب فكرة الجسر الأمريكى الاستراتيجي لإسرائيل، الذى بموجبه كانت تهبط طائرة أمريكية كل 15 دقيقة على أرض مطار "اللد" نقلت خلالها أكثر من 22 ألف طن من الإمدادات العسكرية النوعية والدقيقة على مستوى التكنولوجيا التي لم تستخدم من قبل في تاريخ المعارك الحديثة ، ولعله كان أمرًاغير مسبوق فى تاريخ المساعدات الأمريكية لأى دولة فى العالم، وعلى من معارضته من جانب كثيرين من السياسيين والعسكريين الأمريكيين آنذاك، إلا أن إرادة كيسنجر هى التى انتصرت فى النهاية بدعم من الرئيس الأمريكي نيكسون، وفضلاً عن ذلك فقد أصر على جسر بحرى حمل أكثر من 65 ألف طن من المعدات الثقيلة، بعد أن اتفق مع الرئيس السوفيتى السابق "ليونيد بريجينيف" على قرار مشترك فى مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار. بينما الأجواء كانت ساخنة والسماء ملبدة بغيوم غضب إسرائيلي عارم، جراء تقدم الجيش المصري على الضفة الشرقية من القناة، ووقوع خسائر مهولة في الدبابات الإسرائيلية، علاوة على سقوط جميغ النقاط الحصينة، وتقدم القوات المصرية مسافة 15 كلم في الجهة الشرقية من القناة ، حيث انقسمت الآراء ، فهناك من يرى أن يتم النقل من القواعد الأمريكية مباشرة ، واستقر الرأي على النقل من واشنطن مباشرة إلى تل أبيب بإمكانات القوات الجوية الأمريكية.
لم يكن كيسنجر وبدعم مباشر من الرئيس الأمريكي "ريتشار نيكسون" يريد فقط تعويض إسرائيل عما لحق بها من خسائر، وإنما أيضًا تزويدها بمخزون ضخم من الأسلحة يضمن تفوقها، وعدم تعرضها للهزيمة فى حالة تجدد القتال، بل وعمل على أن يستمر القتال رغم الاتفاق على قرارات وقف إطلاق النار، حتى يضمن انتصار إسرائيل الساحق مع تدفق المساعدات العسكرية الأمريكية، حتى أنه أعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لتواصل هجومها على الجيش الثالث، وتوسع الثغرة التى نجحوا فى فتحها على الضفة الشرقية للقناة برغم صدور قرار رسمى بوقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر، في إطار انحيازه بشكل كامل ومطلق لإسرائيل.
ومع خروج أول خيط لنور يوم 13 أكتوبر، كانت أول رحله رسمية من رحلات الجسر الجوي الأمريكي " نيكل جراس " قد بدأت عن طريق طائرات النقل العملاقه ( سي 5 – جلاكسي ، وسي 141 )، واللتين كانتا تحملان على متنها دبابات من نوعيه ” إم 60 ” و صواريخ ( الأرض / جو ) الحديثه في ذلك الوقت ، وليبدأ مطار العريش بالعمل بكامل طاقته لإستيعاب 1432 رحلة من مطارات القوات المسلحة الأمريكية العامله في أوروبا ومن المطارات العسكرية الأمريكية، ومن المخازن الإحتياطية للأمريكان، بل ومن القواعد الرئيسيه العسكرية في أمريكا ، وكانت أول رحله طيران قد خرجت من قاعدة "نورفولك" بولاية فيرجينيا لتنهال علي مطار "اللد" ثم مطار العريش المئات من رحلات الطيران، ولم يتوقف الدعم الأمريكي للصهاينة عن دبابات ال ( إم 60 ) فحسب بل كانت تشتمل علي الصواريخ التلفزيونية، تستخدم الأشعه تحت الحمراء ( مافريك ) والتي كانت تحت الإختبار ساعتها في أمريكا، ولم تكن قد دخلت الخدمه بعد في أمريكا ، بالإضافه إلي دبابات ( إم 45 ) وأجهزه إشاره لاسلكية عاليه التشفير، ومعدات حرب إلكترونية كاملة وأجهزه رادار وطائرات فانتوم وطائرات ال ( إيه - 4 ) و طائرات ( سكاي هوك ) وبطاريات صواريخ ( هوك ) و ( فولكان ) وصواريخ ( شابرال) وصورايخ ( التاو ) وقنابل ( روك أي ) وذخائره مدفيه ( 175 ملمم ) و ( 155 ملمم ) و ( 105 ملمم ) ومواسير مدفيعه هذه بالإضافه إلي معدات لم يتم الإفصاح عنها.
لكن ماهي حقيقية هذا الجسر الاستراتيجي ، وما هي العملية التي خططت لها لجنة WSAG المكلفة بإنقاذ إسرائيل؟، وأيضا كيف تغلبت اللجنة على المشاكل الفنية، ووسائل الدعم اللوجيستي؟ في سبيل تشغيل الجسر بشكل آمن، يضمن وصول الإمدادات على نحو فائق السرعة، وبكفاءة فنية احترافية في الشحن والتفريغ، تذهب بموجبها تلك الأسلحة الأمريكية إلى ساحة المواجهة مع الجيش بشكل متزامن مع سريان الحرب.
تلك التفاصيل وغيرها يكشفها لنا اللواء أركان حرب طيار متقاعد " هشام الحلبي " من واقع ما توفر لديه من وثائق ومستندات حول حقيقة الجسر الاستراتيجي " نيكل جراس " الذي فضح أوهام الجيش الذي لايقهر!.
جولدا مائير تصرخ
يبدأ اللواء أركان حرب طيارهشام الحلبي حديثه قائلا : بعد قراءة متأنية لرسالة دكتوراه لخبير استراتيجي إسرائيلي حول إدارة الأزمات ، كان يتحدث من خلالها عن إدارة أزمة الإمدادات في إسرائيل في أثناء حرب 1973، حوت بين دفتيها كثير من التفاصيل، لكنها لك تكن أكثر تحديدا مثل الكتاب الذي صدر حديثا لقائدي طائرة الاستطلاع "Sr 71 Black Bird"، والذي تضم صفحاته ذكريات "جيم شلتون وجاري كاليمن"، عن المهة التي قاما بها يوم 12 أكتوبر 1973 وقد أطلعت عليه مؤخرا بعد إجازة نشره وصدوره ، فضلا عن قراءة متأنية لدراسة تقدم بها لكلية الحرب الأمريكية "روجر دبليو هانسن" قائد أول طائرة شحن أمريكية عملاقة من طراز " سي 5 " تصل إلى إسرائيل.
بداية أشير إلى أن عملية " نيكل جراس" تطلق على الجسرالاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب، وهو في الواقع يتكون من جسرين، أحدهما الجسر الجوي الشهير، والذي نقل إلى إسرائيل حوالي 22,5 ألف طن من الأسلحة النوعية المتطورة في 32 يوما، والثاني هو الجسر البحري الذي يعد الأضخم من حيث حجم المعدات والأسلحة الثقيلة حيث نقل 63 ألف طن أخرى، وقد تدفقت هذه المساعدات العسكرية بعد يوم واحد من بداية الحرب بشكل غير رسمي حيث تم شحن 200 طن من الإمدادت يوم 7 أكتوبر في مهمة سرية وفي طي الكتملن، ثم بدأ ت عملية "نيكل جراس " في التنفيذ على محورين "جوا وبحرا" وبشكل رسمي من ( 13 أكتوبر إلى 14 نوفمبر 1973)، وذلك على أثر تزايد الخسائر الإسرائيلية بصورة غير متوقعة ، فقد تصور الأمريكان والإسرائيليين أنها ستكون حرب خاطفة، قد لاتستغرق أكثر من 72 ساعة وترجح كفة العدو الإسرائيلي تماما كما حدث في 67، لذا فإنه في يوم 7 أكتوبر – أي بعد يوم من واحد من عبور قواتنا المسلحة - بدأت تتضح الأمور، حيث فوجئت إسرائيل بمئات الألآف من الجنود المصريين على الجبهة الشرقية بعد انهيار خط كامل بارليف المنيع، وأن هناك خطة محكمة ومتكاملة الأركان من جانب الجيش المصري بدعم عربي، وكذا الحال على الجبهة السورية التي مثلت نوعا من الضغط الآخر على إسرائيل.
لجنة (WSAG)
منذ يوم السابع من أكتوبر تشكلت لجنة أطلق عليها "لجنة WSAG" اختصار ل "Washington Special Action Group"، ويشرف عليها الرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون" بنفسه، وتتكون من وزير الخارجية هنري كيسنجر الذي كان معينا لتوه على رأس الدبلوماسية الأمريكية ، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، ووزير الدفاع ، ورئيس المخابرات (CIA)، إضافة إلى السفير الأمريكي "سيمحا دينتز" ، وبدأو في النقاش الساخن حول الوضع المتأزم على الجبهة بفعل استغاثة "جولدا مائير" حين بكت بدموع حارة في حديث تليفوني لنيكسون في صباح السادس من أكتوبر، قائلة ( إنقذونا من ذلك الطوفان العربي)، ومنذ تلك اللحظة بدأت حدة التوتر تظهر على وجه السفير الإسرائيلي الذي انخرط في متابعة اجتماع اللجنة التي تشكلت لإنقاذ ماء وجه أمريكا وإسرائيل وعن كثب يرسل تقاريره الفورية عن سير التطورات إلى رئيسة الوزراء "جولدا مائير" في محاولة للسيطرة على حالة اليأس التي أصابتها.
كانت اللجنة في بداية اجتماعاتها قد أدركت جانبا كبيرا من الكارثة التي حلت بجيش ظل يردد طويلا بأنه لايقهر، وأن خسائر إسرائيل حتى صباح ذلك اليوم ( 7 أكتوبر ) قد وصلت إلى 35 طائرة من طراز "فانتوم" ، فضلا عن عدد كبير من طائرات " سكاي هوك "، مما كان له أبلغ الأثر على عمق الجبهة والأمن القومي الإسرائيلي، كما ظهر من أول يوم في الحرب، ومن هنا قررت اللجنة ضروة تزويد إسرائيل بإمدادات عاجلة وبأية طريقة ممكنة ، وهو مايشير إلى بداية تشغيل الجسر الجوي بطريقة سريعة، ولكن بصورة غير رسمية تم الدفع ب 200 طن من الأسلحة الحرجة والحيوية في مجال الحرب الإلكترونية، من حيث النوعية المتطورة التي يمكن أن تحدث أثر قويا على الجيش المصري ، أو ربما تغيير موازين القوى في هذا اليوم، وكانت تلك الإمدادات بحسب دراسة "روجر دبليو هانسن"هى عبارة عن صواريخ مضادة للدبابات، وأخرى مضادة للطائرات "صواريخ أرض/ جو - وصواريخ جو/ جو" فضلا عن أجهزة الإنذار مبكر، وهى جميعها أسلحة دخلت ميدان القتال لأول مرة ، وهو ما يوضح نقطة مهمة في أن بداية الجسر الجوي غير الرسمية كانت يوم 7 أكتوبر 1973.

يشير اللواء طيار الحلبي إلى نقطة هامة بأنه لابد أن نفرق بين الإمدادات الأمريكية السريعة لإنقاذ الجيش الإسرائيلي بعد يوم واحد من بداية الحرب، والتي كانت عبارة عن 200 طن على وجه السرعة كما ذكرنا سابقا، وتم الدفع بها يوم 7 أكتوبر ، وبين عملية "نيكل جراس" المتكاملة، والتي بدأت رسميا يوم 13 أكتوبر، من إنطلاقة "الجسرالاستراتيجي" الذي يشمل الجسر الجوي والجسر البحري في آن واحد، وقد لفت نظري من خلال متابعي لسير العمليات وجدت أنه عندما وصلت خسائر الطيران – بحسب دراسة روجر دبليو هانسن - إلى 40 طائرة "فانتوم" بدأ التوتر يزيد بشكل أكبر، من خلال اتصالات "جولدا مائير" المتكررة، خاصة أن خرائط مسح الجبهة المصرية التي أوردها كل من "جيم شلتون وجاري كاليمن"، قائدي طائرة الاستطلاع "SR 71 Black Bird" إلى اللجنة أوضحت أن خسائر الإسرائيليين على الجبهة فادحة، كما خسائر الطيران تلك تعد ضربة قاصمة لجيش العدو آنذاك، نظرا لأن طائرة "الفانتوم" تحديدا هى واحدة من طائرات الجيل الثالث الذي له قدرة هائلة في الوصول إلى العمق المصري.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه كانت هناك ثلاثة من الطائرات ، الجيل الأول منها بعد الحرب العالمية الثانية وهو لايحتوى على أجهزة رادار، والجيل الثاني يحتوى على رادار، والجيل الثالث فيه رادرار وصورايخ تعمل بالشعة الرادارية " الفانتوم" ، والتي كان يطلق عليها الزراع الطولى نظرا لوصولها إلى العمق المصري، وتعتمد عليها إسرائيل كغطاء واق وأمن لأنهاء كافة العمليات البرية والبحرية.
ويضيف الحلبي: على أثر فقدان إسرائيل لهذا العدد الهائل من الطائرات ، بدأ التوتر يعتري الإدارة الأمريكية نفسها في واشنطن، وقالوا لابد من إمداد إسرائيل ببديل فوري يلجم تقدم المصريين، حتى يتسنى إجراء عملية متكاملة ، وهو ما يحتاج إلى تخطيط ، فلم يكن متوقعا أن يكون الأمر بهذا القدر من السوء والخسائر على الجبهة الإسرائيلية.
وبعد أن زودت لجنة WSAG إسرائيل بإمداداتها البسيطة "200 طن" وتم نقلها بواسطة طائرات عسكرية على وجه السرعة ، بدأت مراحل التخطيط الفعلية لعملية " نيكل جراس – Nikal grath ) وبصورة جدية وسريعة جراء وضع إسرائيلي متأزم ، ومع إلحاح "جولدا مائير" وحالة التوتر التي تزيد على ملامح وجه السفير الإسرائيلي في واشنطن، ناهيك عن اهتمام متصاعد من جانب "نيكسون" شخصيا، كان هنالك خوف على انهيار دولة إسرائيل تماما، فضلا عن أن أمريكا لايمكن أن تسمح بتفوق أجيال قديمة من السلاح الروسي في قبضة الجيش المصري، وهو ما بدا في اتخاذ خطوات متسارعة نحو عمليات الشحن والتفريغ، وطالبت "جولدا مائير" الرئيسي الأمريكي بتعويض إسرائيل بطائرة "فانتوم" مقابل أي طائرة تسقط من سلاح الجو الإسرائيلي، وهو ما شكل عائقا كبيرا، فحتى مصانع "لوكهيد" أوغيرها لايتوفر فيه هذا العدد من الطائرات التي يمكن أن تعوض إسرائيل طائرة بطائرة.
مفاجأة مدوية
وكانت المفاجأة المدوية أن لجنة WSAG اقترحت سحب طائرات من أسراب سلاح الجو الأمريكي مباشرة، وهو ما كان يشكل قرارا خطيرا على أمن الولايات المتحدة في تلك اللحظة الفاصلة، خاصة أنه معروف أن كل سرب من أسراب الطائرات العاملة ضمن سلاح الجو الأمريكي آنذاك يحتوي على 12 طائرة ، وهناك احتياطي من 8 إلى 12 طائرة أخرى تحسبا للظروف والأعطال ، ومعروف عالميا أن السرب عندما يدخل في أتون المعارك لابد أن يحتوى على 12 طائرة خالية من العيوب الفنية، وصالحة للقيام بمهامها على أكمل وجه، ما يعني استحالة تلبية طلب "جولد مائير"، ولكن مع ضغوط اللجنة على الرئيس الأمريكي وافق على إرسال "طائرة فانتوم مقابل كل طائرة يسقطها الجيش المصري" وذلك من حصة الأسراب الأمريكية العاملة في سلاح الجو، بعد حذف علامة الجيش الأمريكي ووضع علامة الجيش الإسرائيلي بدلا منها ، وهو قرار ربما لايعرفه الرأي العام الأمريكي حقيقته الكاملة حتى الآن، بل يعد من الأسرار العليا التي لاينبغي الكشف عنها، لكن واحدة منها توفرت لي حتى نكشف عنها لأول مرة من خلال كتاب " قصص وحكايات وأساطير لقائدي طائرة ( سي 5 و Sr 71 black Bird محور حديثنا في هذا الملف.
الأمور لم تكن لتسير على مايرام، فعلى الرغم من موافقة الرئيس الأمريكي على إرسال طائرات من سلاح الجو الأمريكي، بدأت نبرة الخلافات الحادة بين وزير الدفاع الأمريكي وباقي أعضاء لجنة WSAG ، في المرحلة الأولى من التخطيط "لنيكل جراس"، والذي رفض رفضا قاطعا فكرة "جولدا مائير" التي تقضي بتعويض إسرائيل بطائرة فانتوم كبديل لأي طائرة تسقطها الدفاعات الأرضية المصرية، باعتبارها سابقة لم تحدث في التاريخ من قبل، خاصة أن أمريكا ستمد إسرائيل بطائرات سحبا من قوتها القتالية الأساسية العاملة في سلاح الجو، وهو ما يؤثر سلبا على كفاءتها إذا ما تعرضت لهجوم مفاجئ في تلك اللحظات، وفي النهاية وبعد نقاش ساخن استقر أمر اللجنة وبموافقة وزير الدفاع الأمريكي على إمداد إسرائيل بطائرة "فانتوم" مقابل سقوط طائرتين في المعارك مع الجيش المصري.
الغريب أن الرئيس نيكسون بنى قراره بالموافقة لإمداد إسرائيل بطائرة مقابل طائرة يوضح اللواء الحلبي بأنه على أساس أن مصانع "لوكهيد" تحتوى على عدد منها لم يدخل الخدمة ضمن قواته ، لكن رأي كال من وزير الدفاع رئيس أركان القوات الأمريكية هو الذي رجح رأي اللجنة في اتخاذ قرارها بطائرة مقابل طائرتين تسقطها الدفاعات الأرضية المصرية، وعلى قدر من السرية في التخطيط لعملية "نيكل جراس" من جانب لجنة WSAG، ظلت محتويات الجسرين ( الجوي والبحري ) غير معلومة لأجد سوى إسرائيل باعتبارها الطرف الأصيل، وللأسف الشديد فإن مصر لاتملك وثائق في هذا الصدد من حيث الكم أوالكيف في نوعية السلاح الأمريكي الذي زودت به إسرائيل، لكنها بالطبع معروفة تفصيليا في حينها لكل من أمريكا وإسرائيل من خلال جدول يومي دقيق لنقل الإمدادات، وبعض منها بالطبع جاء على لسان "روجر دبليو هانسن" قائد طائرة الشحن ( سي 5 ) التي كانت تتولى العشرات منها نقل المعدات على مدار الساعة في خلال 7 أيام من الأسبوع.
مشكلة الشحن
بعد أن حسم الجدال المحتدم بين أعضاء لجنة WSAG ، وبعد مناقشات عاصفة خلال يومي السابع والثامن من أكتوبر على أثر موافقة رسمية من الرئيس نيكسون بسرعة بناء الجسر الاستراتيجي " نيكل جراس " فورا بين واشنطن وتل أبيب ( جوا وبحرا)، والدفع بما هو موجود في المصانع ولدى القوات الجوية الأمريكية نفسها، وهو ما أصبح أمرا واجب التنفيذ، استقرت اللجنة على حل شكل وملامح ونوعية الإمدادات العسكرية ، لكن اللجنة ذاتها واجهت مشكلة صعبة حول كيفية وطريقة شحن المعدات؟، فالطبيعي في استيراد دولة ما أوإمدادها بالسلاح أن توفر من تلقاء نفسها وسيلة الشحن المناسبة لنقل الطائرات والمعدات وغيرها من أسلحة.
وبعد حالة من العصف الذهني اقترحت اللجنة أن تنقل تلك المعدات العسكرية على طائرات "شركة العال"، لكن إسرائيل أبدت قلقا شديدا في هذا الشأن، وهو ما تزامن مع ورقة ضغط على اللجنة جاءت من الرئيس نيكسون نفسه قائلا : أن هذه الطائرات سوف تخرج من منطقة عمليات وهذا يشكل خطورة على طائرات "العال"، هذه نقطة ، والنقطة الثانية أن حجم الأوزان التي ستحملها هذه الطائرات المدنية ليس مناسبا وفقا للمطالب الإسرائلية من حجم ونوعية السلاح ، وهنا برزت فكرة لدى اللجنة بأن تحملها طائرات الخطوط الأمريكية، لكن ردا سريعا من جانب القيادة في واشنطن قال أن هذا البديل سيئ للغاية، بل يشكل خطرا علي طائراتنا المدنية، وستحدث مقاطعة لشركاتنا في المنطقة العربية التي تعمل فيها منذ سنوات.
فمعروف أن شركات الطيران الأمريكية في ذلك الوقت تعمل في مجال النقل في المنطقة العربية بشكل مكثف، وهو مايشكل خسائر فادحة في حال نقل الإمدادات العسكرية لإسرائيل على متنها ، إضافة إلى أن هذه الطائرات المدنية ستدخل في منطقة عمليات عسكرية تشكل خطورة قصوى عليها ، ، وبالتالي عادت المشكلة تتجدد بشأن العمليات اللوجستية المستخدمة في الشحن داخل اللجنة ، وعاود الرئيس نيكسون الاتصال باللجنة مرة أخرى مع صرخات جولدا مائير المتكررة ، وارتفاع نبرة الاستغاثة التي لاتتوقف على مدار الساعة، بعد وصول خسائر إسرائيل إلى 50 طائرة "فانتوم" حتى حدود التاسع من أكتوبر، جاء قرار الرئيس نيكسون بنقل الإمدادات بطائرات النقل الشحن الحربية الأمريكية العملاقة من طراز "سي 5 و سي 141".
إلى هذا الحد تبدو المشكلة أخذة في طريقها نحو الحل ، بينما الأجواء ساخنة والسماء ملبدة بغيوم غضب إسرائيلي عارم، جراء تقدم الجيش المصري على الضفة الشرقية من القناة، ووقوع خسائر مهولة في الدبابات الإسرائيلية، علاوة على سقوط جميع النقاط الحصينة، وتقدم القوات المصرية مسافة 15 كلم في الجهة الشرقية من القناة، وفي قلب هذا الموقف المتأزم ظهرت مشاكل فنية جديدة في عمليات الشحن على الطائرات الأمريكية تتعلق بنقاط الانطلاق ، حيث انقسمت الآراء ، فهناك من يرى أن يتم النقل من القواعد الأمريكية مباشرة ، وهناك من يرى استكمال شحن بعض منها عبر القواعد العسكرية الأمريكية في أوروبا، لكنه بديل يثير حفيظة الأوربيين بالطبع ، وبالتالي استقر الرأي على النقل من واشنطن مباشرة إلى تل أبيب بإمكانات القوات الجوية الأمريكية.
معضلة التزود بالوقود
لم يكن قرار الرئيس الأمريكي بالتوجيه نحو الدفع بالقوات الجوية لشحن الإمدادات لإسرائيل وحده هو العقبة الوحيدة ، بل أن أمور فنية أخرى تتعلق بكيفية تزويد الطائرات ظهرت على السطح أمام اللجنة التي تسابق الزمن ، وشكلت تلك النقطة عائقا كبيرا ، بل تهديدا واضحا نحو تنفيذ عملية " نيكل جراس" بكاملها، فكيف يمكن لهذه الطائرات أن تهبط في الأراضي الأوربية للتزود بالقود ، في ظل صعوبة طيرانها مباشرة إلى تل أبيب، فالوقود لايكفي لزمن يزيد عن 8 ساعات طيران، وحتى في حالة تزويد الطائرة بكميات أكبر من الوقود فإن ذلك يعني تقليص حجم الحمولة من المعدات، لأن وزن الطائرة عادة يقدر بكمية الوقود والحمولة الموجودة على متنها، وهو ما ينعكس سلبا على سرعة نقل المعدات العسكرية المطلوبة بشكل عاجل.
وكان لابد من إيجاد حل عملي وسريع حتى يتم النقل لأكبر حجم من المعدات العسكرية على متن سلاح الجو الأمريكي ، حنى تكف "جولدا مائير" عن صراخها، وبدأت اللجنة بالتفاوض مع الدول الأوربية لتزويد الطائرات بالقود عبر نقطتين في أوروبا، لكن معظم الدول الأوربية رفضت هبوط الطائرات الأمريكية على أراضيها ، كل ذلك كان يتم من خلال تنسيق سريع جدا وعلى مستوى بين أعضاء لجنة WSAG بالتنسيق الرئيس الأمريكي نيكسون الذي كان يعيش أجواء متوترة للغاية ، فهو لايكاد يهنأ بساعة من النوم دون أن تدخل معه جولدا مائير على الخط الساخن مرددة نوبات جديدة من صيحات الاستغاثة، وبعد ضغط شديد من الحكومة الأمريكية، ظهر بصيص أمل للجنة عندما وافقت حين وافقت كل من " البرتغال وألمانيا " على السماح بهبوط طائرات الشحن الأمريكية للتزود بالوقود على أراضيها.
تأمين الجسر الجوي
لكن كيف يمكن تأمين هذه الطائرات التي تحمل معدات عسكرية وهى تدخل الأجواء المصرية الصعبة للغاية في رحلتها نحو مطارات إسرائيل العسكرية؟ ، سؤال جديد يطل برأسه أمام اللجنة خاصة، أنها ستدخل منطقة عمليات عسكرية شائكة تشارك فيها مصر كل من ( الجزائر – ليبيا ) من ناحية البحر المتوسط.
ومن ثم قامت القوات الأمريكية بتأمين خط السير على نحو يكون بعيدا من ناحية البحر المتوسط قرب الدول العربية المشاركة مع مصر في الحرب من خلال طائرات مقاتلة تصاحب طائرات الشحن (سي 5 وسي 141) ، يزيد على ذلك أنهم أمنوا الجسر أيضا بطائرات من الأسطول السادس الأمريكي في البحر المتوسط، من خلال طائرات ترافق تلك الطائرات، رغم بعدها عن الأجواء المصرية والعربية ، وعندما تقترب من إسرائيل على مسافة 100 ميل تبدأ طائرات إسرائيل الحربية بالتحليق حولها للحماية حتى تهبط في "مطار اللد" الذي يطلق عليه حاليا "مطار بن جوريون".
وعلى قدر الاستجابة السريعة للطلب الإسرائلي من تدفق الإمدادات العسكرية في عملية "نيكل جراس" بدا أن سعة "مطار اللد" لاتكفي لاستقبال حجم المعدات الكثيف التي تسكن بطن عدد كبير من طائرات " سي 5" وهى طائرات شحن ضخمة جدا بحمولة 108 طن من المعدات الضخمة ، أو " سي 141 " وحمولتها 32 طن من المعدات الحرجة، فقط لا يتسع هذا المطار سوى ل ( 8 طائرات سي 5 و7 طائرات سي 141) والجسر الجوى يحوى عدد أكبر من هذه الطائرات في رحلات الذهاب إلى إسرائيل ، كما أن عمليات التفريغ تحتاج لوقت زمني طويل ، فالطائرة " سي 5 " يلزمها 4 ساعات لتفريغ حمولتها ، بينما ال "سي 141 تحتاج 3 ساعات للتفريغ.
وعلى أرض مطار " اللد " أصبحت هناك مشكلتين على الأرض ، فأولا المطار نفسه لايسع سوى 8 طائرات س5 و7، وثانيا لايمكن لتلك الطائرات الانتظار حتى تفريغ الحمولة ل 15 طائرة على الأرض ، إضافة إلى أن الطائرات تتجه بعد ذلك للتذود بالوقود تمهيدا للعودة ، وهو مايعني أن الطائرات القادمة ليس لها مكان على الأرض ، وهو مايستلزم الاستعانة بمطار العريش القريب من المعارك، مع إيجاد وسيلة أسرع للتفريغ، من خلال جدول محكم يتضمن توقيتات زمنية تفصل بين هبوط الطائرات القادمة وصعود المنتهية شحنتها بالتالي أوفد الأمريكان أطقم فنية "50 خبيرا" على أعلى مستوى من الكفاءة والتخصص في الشحن والتفريغ الاستراتيجي،تمكنوا بالفعل من تفريغ الطائرة "سي 5" في ساعتين ونصف بدلا من 4 ساعات، والطائرة "سي 141" من 3 ساعات إلى ساعة ونصف ، وهو ما جعل الزمن الذي يفصل بين إقلاع رتل من الطائرات وهبوط آخر جديد لايزيد عن ثلاث دقائق.
أما المشكلة الثانية في التفريغ فكانت أنه ليس لدى إسرائيل معدات محترفة في التفريع لهذه النوعية من الطائرات وهو أوجد نقطة ضعف جديدة تضاف على عدم امتلاك الأطقم الفنية، خاصة أن الطائرات سي 5 تفتح أبوابها من الناحيتين، وهو ما يتطلب خبرة احترافية في التفريغ من كلا الجانبين في وقت واحد، ومن هنا قررت القيادة الأمريكية شحن المعدات اللازمة للتفريغ مع طائرات الإمداد نفسها حتى يتسنى عمل الجسر بالكفاءة والسرعة المطلوبة ، حتى أصبح في مطار اللد 50 خبيرا فنيا أمريكا يقوم بعمليات التفريغ.
ويشير اللواء الحلبي إلى أن هذه التفاصيل الدقيقة إذا لم يتم مراعاتها ضمن الخطة الموضوعة فإن إهمال أي منها ربما يؤدي لخسائر محتملة داخل الطائرة الواحدة، وهو ما يهدد بالضرورة إتمام عملية جسر "نيكل جراس" بكامله ، وهو ما انتبهت إليه القيادة الأمريكية وبالتالي دعمت كل خطط لجنة WSAG في حينه ، فما تزال إسرائيل تصدر صيحات الإغاثة القادمة من الشرق الأوسط ، وليس ثمة احتمال ولو بسيط يغرقنا في الفشل، هكذا كان دوما يقول كينسجر في تلك الأوقات العصيبة من ساعات وأيام وليالي حرب أكتوبر المجيدة في التريخ المصري الحديث.
سألت اللواء أركان حرب طيار هشام الحلبي عن ضرورة استمرار سريان الجسر الاستراتيجي بين أمريكا وإسرائيل بعد قرار وقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر 1973؟
أولا كان الجسر البحري قد بدأ منذ 13 أكتوبر بالفعل، ولا يمكن إصدار تعليمات للسفن بالعودة، كما إن العمليات العسكرية لايتم تقيمها في العادة على أساس النتائج النهائية للحرب، وهذه نقطة مهمة لايفهمها إلا العكسريون الذين يعملون على المستوى الاستراتيجي وحدهم دون غيرهم، ففي الجيش هناك مستويات متدرجة ، منها ماهو تيكتيكي وما هو تعبوي، والدولة هنا هى التي تحارب، والجيش يقوم بتنفيذ المهام لهدف إذا ما تحقق يجب أن أتوقف على الفور، وإلا تقع خسائر فادحة قد لا نتحملها، وبالتالي وضع الإسرائيليون أنفسهم على حافة الخطر تحسبا لأية احتمالات جديدة، فكان طبيعيا أن يستمر تدفق الجسر جوا وبحرا، حتى يتم تزويد الجيش الإسرائيلي بما تم فقدانه من أسلحة على الجبهة المصرية والسورية.
أطماع جولدا مائير
بالمناسبة هل يمكننا القول بأن وقوع الثغرة ربما زاد من أطماع "جولدا مائير" في قلب موازين الحرب في ظل تدفق إمدادات الجسر الاستراتيجي حتى يوم 14 نوفمبر على نحو متصل ودون توقف؟
دعني أقول لك ربما بدا الأمر كذلك في بداية تشغيل الجسر الجوي والبحري معا، لكن خرائط طائرة الاستطلاع الأمريكية ( SR 71 ) التي قامت بعملية مسح جوى للجبهة المصرية يوم 12 أكتوبر كانت أقنعت "جولدامائير" وقادة الجيش الإسرائيلي باستحالة العودة إلى نقطة الصفر قبل الثانية من مساء السادس من أكتوبر وتراجع القوات المصرية إلى غرب القناة، بعدما حقق الجيش المصري نصرا مؤكدا ، بل إن تلك الخرائط أوعزت تماما بضرورة وقف إطلاق النار، لأن المعلومات التي أبلغتها واشنطن لجولدا مائير حول وضع القوات على الأرض كانت تخالف الواقع الأليم الذي ذاق مرارته جيش إسرائيل ، ولعلها رئيسة الوزاء الإسرائيلية نفسها قد قارنت بين التقارير التي وردت لها من الجبهة وبين خرائط الاستطلاع التي قامت بها الطائرة الأمريكيةSr 71 black" bird" قد أصابتها بالصدمة والرعب ، وتأكد لها بالدليل العملي أنه أصبح من المستحيل قلب الموازين لصالح جيشها الذي مني بخسائر فادحة، وأكبر مما توقعته أو توقعه الأمريكان في حينه.
صحيح أن الجسر الجوي قد حقق لإسرائيل بعض الثقة في استعادة سلاحها المدمر، لكن الهدف النهائي للاستمرار في الحرب لن يتحقق بموجب الوضع الذي بدا في حقيقته يسجل انتصارا ساحقا للجيش المصري، وأن مسألة عودة القوات المصرية غرب القناة مرة أخرى حلم يصعب الوصول إليه ، أو حتى مجرد التفكير فيه غدا دربا من دروب الخيال الذي لايرقى إلى الواقع مهما كانت الظروف والملابسات أو حتى التقدم نحو الجبهة المصرية عن طريق الثغرة.
مع استمرار تدفق الإمدادات العسكرية عبر عملية "نيكل جراس" ألم يتسرب لدي القيادة المصرية قدر من اليأس في كسب المعركة حتى النهاية، خاصة بعد وقع الثغرة، خاصة أن سلاح الطيران المصري لايمكنه استكمال المشوار أمام أسراب الفانتوم التي عوضتها أمريكا لإسرائيل؟
لايمكن تقييم الأمر هذا على النحو، ففي أبجديات العمل العسكري لا يتم تقيم كل حرب بعملية داخلها ناجحة أو فاشلة ، وإذا نحن نقييم حروبا شهير في التاريخ الإنساني مثلما حدث في الحرب العالمية الثانية ، والتي كسب فيها رومل على سبيل المثال معارك كثيرة جدا ، لكنه خسر في آخر معركة، هل يعني ذلك أن رومل خرج خاسرا من تلك الحرب في النهاية؟
بالطبع لا هو حقق نصرا في مجمل معاركه وليس معركة النهاية، ومن هنا فإن حدوث الثغرة لايعني خسران حرب أكتوبر بكاملها ، والسادات في التوجيه الاستراتيجي الذي وجه فيه القوات المسلحة في حرب أكتوبر قال: "على القوات المسلحة أن تقوم بعملية نوعية في حدود إمكاناتها على مستوى العتاد والأفراد والسلاح، تكسر من خلالها نظرية الأمن الإسرائيلي" ، وهو مايعني أنه علينا أن نحرك الموقف أولا ثم يتم مواصلة الحرب بالتفاوض عبر السلام، فالسلاح الموجود لدى الجيش المصري مداه كان أقل بكثير عن إسرائيل، وتلك كانت حكمة الزعيم الراحل السادات، فالقائد ماهر هو من يعرف متى يحارب من حيث التوقيت والمكان والأسلوب؟، أما المحترف فيعرف متى يحارب ومتى يتوقف عن الحرب؟
كان السادات يهدف إلى مواصلة حربه بالتفاوض على أساس خطة الخداع الاستراتيجي التي أعدت للحرب في أكتوبر، والأمريكان كانوا يهدفون ببناء هذا الجسر الاستراتيجي إلى دعم القدرات العسكرية بهدف تدمير القدرات العسكرية المصرية وفشلوا على أرض الواقع بعد وضوح الصورة ، لذا فقد فضل عند جلوسه على مائدة المفاوضات أن يكون لديه سلاحا يمكن من خلاله استكمال الحرب في حال فشل تلك المفاوضات المارثونية.
درجات من السرية
قلت في البداية أن الوثائق الأمريكية حول الجسر الجوى ماتزال في طي الكتمان، وحتى لايعلم الإسرائيلون أنفسهم الكثير عنها ، إذن لماذا أفرجت واشنطن الآن عن شهادة الطيارين محور حديثنا؟
الأمريكان في العادة يفرجون عن الوثائق بعد عقود من الزمن، لكن هذه وثيقة " روجر دبليو هانسن" خرجت من دهاليز وزارة الخارجية الأمريكية، كما يبدو في الصورة الضوئية المرفقة ، وقد جاءات في شكل دراسة تقدم بها الطيار الأمريكي قائد " سي 5" لكلية الحرب الأمريكية ، نشرت في 30 مارس 1988، عن طريق ما مؤسسة تسمي ب " National Security Archif "، وهى تعنى بمتابعة الوثائق الأمريكية التي يسمح لها بالنشرفي حدود ضيقة تتعلق بالأكاديميات العسكرية ،وأذكر عندما كنت في دورة دراسية في الولايات المتحدة أنه كان يلح على سؤال مهم جدا سألته لأحد الخبراء العسكريين الذين يدرسون بتلك الدورة : لماذا تسمحون بخروج هذه الوثائق، خاصة أنكم لستم بالأساس في حاجة لتسريبها نظرا لأنها على قدر عال من السرية الشديدة ، فضلا عن خطرها على الأمن القومي الأمريكي؟
أجاب الرجل : نحن نقوم بذلك من أجل الدراسة واستخلاص الدروس المستفادة لعرضها على طلاب المعاهد والأكاديمات العسكرية من خلال موقع محدد يخاطب هؤلاء باعتبارها قادة المستقبل في الجيش الأمريكي، كما أوضح أن السرية في الجيش الأمريكي درجات، فلو رأي أن هذه الوثيقة على قدرمن السرية التي تشكل خطرا جسيما على الأمن القومي الأمريكي لن تجد طريقها للنور. ويبدو من ضمن أسباب نشر هذه الوثيقة أنه بعد أن تم تكهين " الطائرة سي 5 ، قام قائدها "روجر دبليو هانسن" بعمل دراسة حول العمليات التي قاما بهما ضمن الطاقم الذي شارك في أول عمليات " نيكل جراس"، أما الكتاب الذي يشرح مهمة الطائرة SR 71 Black Dird ، والمرفق صورة ضوئية لغلافه فقد صدر حديثا بعد التصديق عليه من وزارة الدفاع الأمريكية، متضما تفاصيل مهمة الطيارين " جيم شلتون وجاري كاليمن" اللذين قادا تلك العملية ، فضلا عن اسات أخرى تسرد يوميات الطيارين في أثناء عملهما في الجسر الجوي الاستراتيجي في الفترة من " 13 أكتوبر إلى 14 نوفمبر 1973".
سياسيا: ألا يؤثر نشر هذه الوثائق التي تكشف بشكل واضح وصريح مساندة أمريكا للجيش الإسرائيلي في حربه مع العرب 1973 من ناحية ، ومن ناحية أخرى يكشف قرارات صدرت بدعم من الرئيس الأمريكي على نحو منفرد لإسرائيل على حساب الأمن القومي لبلاده ، وقد ضلل فيها الرأي العام الأمريكي؟
هذه حقيقة ، لكن لاتنسى أن المواطن الأمريكي عادة لايعلم كثيرا عن حقائق الأمورر والخطط التي تسير يمكن أن تسيرعليها قواته المسلحة، بدليل ماحدث في فيتنام والعراق ، وحروب أمريكا الحالية على القاعدة وداعش وغيرها، فلا يعلم المواطن الأمريكي عن تلك الحروب سوى القدر النذير، كما أنه معروف جيدا أن اللوبي اليهودي الأمريكي ينحاز بشكل واضح لإسرائيل ، ومعروف أيضا أن غالبية صناع السياسة الأمريكية من اليهود الذي هم بالأساس شغلهم الشاغل إسرائيل، والتأكيد يوما تلو الآخر على زرعها كشوكة في ظهر العرب ، وقيامها بدور الشرطي لأمريكا في الشرق الأوسط، وهذا ليس خافيا على أحد.
يلح على سؤال أخير: ألم تكن تتوفر معلومات لدي مصر آنذاك حول طبيعة مهمة الطائرة الأمريكية " SR 71 عندما كانت تقوم بعمليات مسح جوي للجبهة المصرية؟
الطيارين قائدي ال " SR 71 Black Bird " ذكرا من ضمن يومياتهما في كتابهما " قصص وحكايات وأساطير" حول المهمة أن الردارات المصرية رصدت بالفعل حركة الطائرة في رحلتها الاستطلاعية، بل أنهما شاهدا خيوطا من الدخان تعني معرفة الجيش المصري بالمهمة، لكن الطائرة كانت تطير على بعد 80 ألف قدم، وأقصي مدى يمكن أن تصل الدفاعات الأرضية المصرية لاتزيد عن 40 ألف قدم، وتلك كانت نقطة جوهرية رعتها لجنة " WSAG " ضمن خطة "نيكل جراس" المحكمة التي راعت كل صغيرة وكبيرة لإنجاح العملية، ولقد ذكر الطيارين في كتابهما أنه كان مقررا القيام بالمهمة يوم يوم 10 أكتوبر أكتوبر لكنها تأجلت إلى يوم 12 أكتوبر نظرا لمشكلة التنسيق حول تزويدها بالوقود، وكان يفترض أن تهبط للتزود بالوقود في انجلترا، لكن السلطات البريطانية لم تسمح لها ، وكان زمن الطلعة 8 ساعات و45 دقيقة، ما استلزم الدفع بطائرات لتزويدها بالوقود عن طريق الجو، وبالطبع أيضا كانت اللجنة قبلها على دراية كاملة بنوعية الدفاعات الأرضية المصرية على مستوى قدرتها ومداها في الوصول للأهداف، وبالتالي تم اختيار هذه الطائرة التي لايمكن الوصول إليها على هذا الارتفاع الشاهق.
وأحب أن أضيف إلى هذه النقطة أيضا، أنه لم يكن هناك أدني شعور بالخطر على قائدي الطائرة SR 71 سوى من ناحية الأعطال الفنية أو الظروف المناخية الجوية، حتى أن التعليمات التي لقنت لهما في حال الهبوط الاضراري تقول : أن في حالة الهبوط الاضطراري لابد أن يكون على أراضي لدول صديقة ، على أن يبقى أحد الطيارين داخل الطائرة ويذهب الآخر إلى السفارة الأمريكية للإبلاغ عن ذلك ، فالمهمة على قدر عال من السرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.