على غرار ما كان يحدث من ائتلافات الثورة عقب ثورة يناير، ومحاولة البعض للاتجار بها، وتنصيب أنفسهم جلادين وقضاة فى آن واحد، هناك رائحة خبيثة أطلقها البعض بعد نجاح الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهى أن الشباب «زعلان»، وأنه لم يشارك فى الانتخابات، وللأسف بدأت جهات داخلية وخارجية تجرى فى هذا الاتجاه لزرع بذور فتنة لا أساس لها، وقد وجدت هذه الفتنة صدى لدى البعض من المسئولين الحكوميين والإعلاميين والسياسيين حتى خرج أخيرا من يدعو إلى إحياء منظمة الشباب برغم اختلاف الظروف والأحداث والأزمنة فما كان مستساغا ومقبولا منذ 60 عاما لم يعد صالحا الآن، كما أن الظروف مختلفة، فهناك الآن تجربة حزبية لابد من الحرص عليها ولا يوجد الآن اتحاد اشتراكى الذى كان التنظيم السياسى الوحيد آنذاك.بحكم سنى لا يمكن أن أكون ضد الشباب، فأنا من جيل الوسط، وهذا الجيل بحكم تكوينه وعمره، يميل إلى الشباب أكثر، لكن حينما نتحدث عن مستقبل شعب وإقامة دولة عصرية مدنية حديثة، فإن الأمر لا يتعلق بجيل لكنه يتعلق بشعب بكامله نحتاج إلى كل عضو فيه (شاب، امرأة، شيخ، أو حتى طفل)و التركيز على فئة بعينها، والمتاجرة بذلك يسهم فى إحداث فتنة بين الأجيال ويتعارض مع مبادئ الديمقراطية والمساواة والمواطنة لكل المصريين. الحديث عن الشباب الآن يذكرنى بما فعله نظام مبارك حينما اخترع نظام «كوتة» للمرأة فى برلمان 2010 المزور ليأتى بمجموعة حشد تسانده تحت مسمى دعم المرأة وتمكينها، فى حين أننا نرى وزيرات للدفاع فى الدول الديمقراطية المتقدمة ودون أن تكون هناك كوتة للمرأة فى الوزارات أو المجالس النيابية، فالفرص متاحة أمام الجميع بشرط الكفاءة، والكفاءة لا تعرف شابا أو امرأة أو رجلا. الشباب فى بلدى يحتاج إلى الرعاية لكنها رعاية تمس مشكلاته الحقيقية، وليست متاجرة به لحساب «شلة» تريد المتاجرة به، فهناك كارثة اسمها البطالة تغتال أحلام الشباب وتفقدهم أجمل سنوات عمرهم وهم فى المنازل وعلى المقاهى، وهم لا يريدون سوى فرصة عمل شريفة ومحترمة يحققون بها ذاتهم.. هم لا يريدون عضوية برلمانية ولا منصبا وزاريا كما يريد المتاجرون بهم لكنهم يريدون فرص عمل حقيقية ليصبحوا أعضاء فاعلين فى مجتمعهم، أما الفرص البرلمانية والمناصب الوزارية فهذا شأن آخر ويجب أن تكون متاحة لمن يستحق منهم مثلهم فى ذلك تماما مثل غيرهم من فئات المجتمع، فيجب ألا يتم اختيار وزير لمجرد أنه شاب أو أنه امرأة، أو لكونه كبيرا فى السن، فتلك مواصفات التخلف بعينها، فالمناصب والمواقع القيادية يجب أن تكون متاحة للجميع بشرط الكفاءة، كما يحدث فى كل دول العالم التى سبقتنا فى الديمقراطية والتقدم. حتى فى تونس الشعب هناك اختار السبسى وحزبه فى الانتخابات البرلمانية التى جرت أخيرا، والسبسى يبلغ من العمر 88 عاما بالتمام والكمال، فهو من مواليد 1926 وتولى مناصب وزارية ونيابية عديدة فى عهدى زين العابدين بن على وبورقيبة، والشعب هناك لم يختره لكبر سنه لكنه اختاره لكفاءته للمرحلة التى تمر بها تونس، ولم يخرج هناك من بكى على الشباب و «لطم الخدود»، كما يحدث لدينا فى مصر. ريجان رئيس أمريكا الأسبق تولى رئاسة أمريكا وكان عمره 70 عاما وتركها وعمره 78 عاما بعد الفترتين المقررتين هناك، والعكس صحيح تماما، فهناك وزراء ومسئولون وقيادات لا تزيد أعمارهم على 30 عاما ماداموا يستحقون تلك المواقع. المساواة والكفاءة والعدالة مفقودة لدينا فى اختيار القيادات، والمصادفة والمعارف وشبكة العلاقات وأهل الثقة هى من تقف وراء اختيار القيادات والوزراء والمحافظين نتيجة ميراث ضخم استمر لمدة تزيد على 60 عاما، ولابد من التخلص من كل هذا بمعايير عادلة وشفافة، ولابد من القضاء على أهل الثقة والشللية التى تصاحب اختيار القيادات، فكل قيادة لا ترى إلا «شلتها»، ولن ينتهى هذا الأمر إلا بتطبيق ما يعرف بالتوصيف الوظيفى والمعايير العادلة فى كل المجالات، بدءا من شغل وظيفة صغيرة وحتى أكبر المواقع وكذلك فى اختيار القيادات.لقد كان التعليم هو أداة الحراك الاجتماعى فى المجتمع لفترة طويلة لكن منذ التسعينيات بدأ هذا الوضع يتراجع وانتشرت فكرة توريث الوظائف كالسرطان فى جسد المجتمع كله حتى وجدنا بعض الهيئات تفرض شرطا شاذا وغريبا لتضييق المجال أمام أفراد المجتمع، وهو ضرورة حصول الأب والأم على المؤهل العالى، فما بالنا بمزارع مكافح أو عامل «شقيان» يتمتعان بسمعة حسنة ومن الشرفاء فى المجتمع فهل عقابهما هو حرمان أبنائهما من شغل هذه الوظيفة أو تلك، حتى يقتصر الأمر على فئة محدودة بالواسطة «والتوريث». الشباب وكل فئات المجتمع يريدون العدالة والمساواة والمواطنة والكرامة فى وطنهم، وهذا هو الذى يجب أن يناضل الرئيس السيسى وحكومته من أجله بعيدا عمن يريدون الصيد فى الماء »العكر«، وإحداث فتنة بين فئات المجتمع ومناضلى الفضائيات وتجار السياسة. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة