أكد تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن 2 مليون مصري يعيشون في مقابر البساتين والتونسي والإمام الشافعي وباب الوزير والغفير والمجاورين والإمام الليثي، وجبانات عين شمس ومدينة نصر. ليصل إجمالي سكان كل من العشوائيات والمقابر الي حوالي 8 ملايين موزعين على 794 منطقة سكنية بكافة أنحاء مصر، إلا أن النسبة الكبيرة منها حول القاهرة الكبرى بسبب الهجرة إلى العاصمة بحثا عن عمل. يذكر ان إحصاء لعدد سكان المقابر كان في 1898 وأشار الي قرابة 35 ألف نسمة ومنذ ذلك الوقت وتعدادات السكان المختلفة تشير إلى زيادة العدد، لتشهد قفزة كبيرة في السبعينيات والثمانينيات مع تزايد أزمة السكن. و ما بين تغيير الحكومات، وتعاقب المسئولين، ظلت أحوال سكان المقابر كما هي، لم يطرأ عليها أي تغيير، وكأنهم كُتب عليهم النسيان، وفُرض عليهم الإهمال. أحياء خارج نطاق الحياة.. شباب وأطفال وشيوخ يعيشون كالأشباح بين الأموات .. زحفوا من كل الجهات نحو العاصمة.. ملأوا العشوائيات وأسطح المباني، ثم لجأوا إلى المقابر.. استكثروا على الأموات المساحات الخالية بين القبور فاستوطنوها. إنهم سكان المقابر الذين يعيشون على هامش الزمن. إنها ليست أسطورة تحكى بل حقيقة يعيشها 2 مليون مصري. يعيشون في سكون مريع، وصمت مريب، لا يقطعه سوى صراخ النائحات، ونواح الأرامل، وأنين الثكلى، وآهات المعذبين بألم الفراق، والملتاعين بلوعة البُعاد، وبكاء الأولاد والشباب الذين يتبعون ذويهم الموتى، أثناء تشييعهم لمثواهم الأخير. علامة علي فشل حداثة الدولة في دراسته «سكنى المقابر في عاصمة مصر.. نظرة عبر العصور» الصادرة عن دار الانتشار العربي، يرصد د. محمود محمد جاد ظاهرة سكن المقابر التي ينفرد بها المصريون- وفقا للدراسة التي تعود إلى العصر الفرعوني لظروف لها علاقة بتقديسهم الموت، ثم اختفت قبل أن تعود في العصر الإسلامي، لتختفي مرة أخرى مع بداية نشأة الدولة الحديثة على يد محمد على، قبل أن تعود مرة أخرى بقوة منذ منتصف الثمانينيات، كواحدة ربما من أولى علامات فشل «حداثة» الدولة . وترصد الدراسة في النصف الثاني من الكتاب طبيعة السكان، التي تغيرت ممن يمتهنون مهناً لها علاقة بالمقابر وطقوس الموت، إلى ارتباط بالأنشطة الاقتصادية والصناعية والتجارية والحرفية، بعد أن أصبحت بمثابة مستودع للورش الصغيرة، التي ضاقت بها المناطق الجنوبية، والجنوبية الشرقية للمدينة بعد «التضخم الحضري»، الذي شهدته المدينة منذ الأربعينيات، وللباحثين عن سكن رخيص هرباً من ازدحام المدينة، ثم انضم إليهم المهاجرون من الريف والصعيد، هرباً من الفقر وبحثاً عن فرص عمل. حكاية ماهر وأبو سبحة ماهر محمود- تربى بمقابر سيدي عمر بن الفارض بمنطقة الأباجية والذي يقيم هناك - بادرني بالقول: لا أحد يشعر بنا نحن سكان المقابر، الحكومة أهملتنا، والمسئولون تجاهلونا، ولم يعيرونا أدنى اهتمام، وكأننا لاجئون، ولسنا من هذا البلد، ولذلك ضاقت علينا الأرض بما رحبت، واسودت الدنيا في وجوهنا، وأُغلقت أمامنا أبواب الرحمة، وسُدت أمامنا سبل العدالة، ولم نجد منجى ولا ملجأ من الله إلا إليه، ولم يعد لنا من سبيل سوى رفقة الموتى، نقاسمهم السكنى والمأوى. وأضاف ماهر بعينين زائغتين: لقد هربنا إلى هنا بعد أن لم يسعنا الأحياء، فوسعنا الموتى، عسانا ننعم براحة البال معهم. وعندما سألته كيف تعيشون هنا، حيث لا وجود لأدنى مقومات لأبسط حياة؟ تنهد كأنما أزاح عن صدره جبلا، وقال يا أستاذ نحن اتخذنا هذه المقابر سكنا لنا جبرا وقسرا، رغما عنا، مجبرين غير مختارين، ونفتقد هنا لأبسط ضروريات الحياة. ويستطرد ماهر محمود: أطالب الدولة بتوفير مأوى ومساكن لنا، حتى نشعر بأننا أحياء. ومن حكاية ماهر الي حكاية عز أبوسبحة الذي تربى بمقابر السيدة عائشة حيث أكد إلى أنة يعيش حياة بائسة، وإذا كانت الحكومات قد نسيتنا، فإن الله لن ينسانا. وإذا كان المسئولون قد أهملونا، وأضربوا عنا صفحا، فإن الله سيتكفل بنا ويرعانا. للأسف لم يعد مشهد سكان المقابر في القاهرة يثير انتباه أحد من المسئولين أو الحكام و غالبا يثير انتباه أحد من المواطنين فقد أصبح هذا المشهد اليومي عاديا وديكورا مكملا لسيناريو البؤس والفقر الذي يعيشه أغلب القاهريين. وما إن شاهدنا أطفال المقابر، حتى جروا وراءنا، عسى أن يظفروا منا بشيء ولحقت بهم سيدة عجوز، وسألتني وهى فرحة: هل سنحصل على الشقة التي وعدنا بها زملاؤك في التليفزيون الذين كانوا هنا من قبلك، وصوروا كيف نعيش؟ وقبل أن أنطق، داهمتنى وباغتتني قائلة: منذ أكثر من عشر سنوات، وأنتم تأتون إلى هنا تصورون، ولا تفعلون شيئا. حملة مين بيحب مصر وأخيرا قامت موْخرا حملة «مين بيحب مصر»، بزيارة إلي مقابر باب النصر بحي الجمالية، لرصد مشكلات الأهالي هناك ومعرفة احتياجاتهم، وقالت أحلام رمضان منسق حملة مين بيحب مصر، في منطقة الجمالية ان عدد سكان الجمالية 96.000 ألف نسمة يقطن حوالي منهم 1300 نسمة في مقابر باب النصر, التي تبلغ مساحتها 24 فدانا ويعيشون و أطفالهم في أسواء ظروف معيشية. وأضافت أن المنطقة، أصبحت مأوى للمجرمين ومتعاطي المخدرات خاصة، وجود نسبة كبيرة من الفتيات والسيدات بها، واللاتي يعملن في بعض المصانع والورش و يعودون في وسط الظلام مما يعرضهم للخطر ، هذا بالإضافة لقلة الموارد ويعدن الدخل أحيانا وإصابة نسبة كبيرة منهم بأمراض خطيرة لا يجدون ثمن العلاج، كما حصل حوالي 250 فردا من سكان مقابر باب النصر على تأشيرات حالات قاسية تابعة لمحافظة القاهرة منذ عام 2005 لتسكينهم و تم عمل بحث لهم عام 2011 والذي تم الإيفاد باستحقاقهم لهذه المساكن ولكن لم يتم التسليم إلى الآن دون سبب يذكر. هذا وقد طالبت الحملة د. ليلي اسكندر وزيرة التطوير الحضري والعشوائيات بأن تقوم بأدراج قضية سكان المقابر في مختلف المناطق في المحافظات ضمن خطة العاجلة لتطوير المناطق العشوائية مع إنشاء قاعدة بيانات شاملة جديدة للمناطق العشوائية بشكل عام من خلال التعاون مع المحافظين الذين سيقومون بدورهم بإصدار تعليماتهم للإدارات المحلية في عمل حصر شامل ودقيق للمناطق العشوائية الآمنة وغير الآمنة وعدد قاطنيها وتصنيفها من جهة و المناطق الغير مخططه من جهة أخري بحيث يكون هناك حصر جديد.