هل يجوز صرف مال الزكاة فى مشروع خيرى ذى نفع عام وهو عبارة عن مستوصف خيرى ومسجد ومعهد لتحفيظ القرآن وإعداد الدعاة؟ أجابت دار الإفتاء المصرية، قائلة: إن الأصل أن الزكاة لا تكون إلا للأصناف الثمانية التى نصّ الله تعالى عليها فى كتابه الكريم بقوله سبحانه: إنَّما الصَّدَقاتُ للفُقَراءِ والمَساكِينِ والعامِلِينَ عليها والمُؤَلَّفةِ قُلُوبُهم وفى الرِّقابِ والغارِمِينَ وفى سَبِيلِ اللهِ وابنِ السَّبِيلِ فَرِيضةً مِنَ اللهِ واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60]، أى أنها لبناء الإنسان قبل البنيان؛ واشترط العلماء فيها التمليك إلّا حيث يَعسُر ذلك، كما فى مصرف (فى سَبِيلِ اللهِ)، وكلمة «فى سبيل الله» تشمل القيام بشئون الدعوة من تبليغ الدين للمسلمين ولغير المسلمين، فهذه هى حقيقة الجهاد، سواء أكان ذلك بالسنان أم باللسان؛ فالدعوة باللسان هى الأصل فى العلاقة بين المسلمين وغيرهم تفاهمًا وحوارًا بين الناس كما قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125]، والسنان يكون فى وقت الصدام المسلح لدفع العدوان أو رفع الطغيان كما أمرنا ربنا فى قوله تعالى: وقاتِلُوا فى سَبِيلِ اللهِ الذين يُقاتِلُونَكم وَلَا تَعْتَدُوا [البقرة: 190]، وكلاهما يجوز دفع الزكاة للقيام به؛ لدخوله تحت مفهوم الجهاد فى سبيل الله. فالجهاد غير مقصورٍ على حالة الحرب، بل إنه مفهوم رُوحى يتعلق بعلاقة الإنسان بربه؛ قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت: 69]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِى اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِى هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا باللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الحج: 77، 78]. وبناء على ذلك فإنه يجوز صرف الزكاة لدور تحفيظ القرآن والمؤسسات التعليمية وكل ما من شأنه نشر العلم النافع والدعوة إلى الله تعالى. وأما ما يتعلق بإنشاء المستوصف الخيرى والمسجد فلا يكون من الزكاة؛ فإن الأصل فى الزكاة كما سبق بيانه- أنها لِبِنَاء الإنسان قَبْل البُنيان، ولذلك اشترط العلماء أن يتم تمليكها لمستحقها؛ فكفاية الفقراء والمحتاجين من الملبس والمأكل والمسكن والمعيشة والتعليم والعلاج وسائر أمور حياتهم هى التى يجب أن تكون مَحَطَّ الاهتمام فى المقام الأول؛ تحقيقًا لحكمة الزكاة الأساسية التى أشار إليها النبى صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ». والذى تنصح به دارُ الإفتاء المصرية الناسَ فى هذا الصدد أن يبادروا إلى التبرع لبناء وتطوير المستشفيات والمستوصفات فى مجتمعاتهم وأن لا يقتصر هذا على زكواتهم، وأن يُنشَأ لذلك صناديقُ ثلاثة: الصندوق الأول: يكون للوقف، فيوقِف فيه الناسُ أموالَهم ويجعلون رِيعَها وثمرتها لصالح هذا المستشفى أو المستوصف وعلاج المترددين عليهما أَبَدَ الدهر. والصندوق الثاني: يكون للصدقات، ويتصدق منه على البناء والتأسيس والصيانة وإظهار هذا المبنى بصورةٍ لائقةٍ بالمسلمين إنشائيًّا ومعماريًّا وفنيًّا. والصندوق الثالث: يكون للزكاة؛ يُصرف مِنه على الآلات وعلى الأدوية وعلى مصاريف العلاج والإقامة والأكل والشرب المتعلقة بالمرضى؛ سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة؛ كمرتبات الموظفين وأجور الأطباء ومصاريف العمليات الجراحية والإشاعات ونحو ذلك. ويجوز صرف الزكاة لدور تحفيظ القرآن والمؤسسات التعليمية وكل ما من شأنه نشر العلم النافع والدعوة إلى الله تعالى، وأما ما يتعلق ببناء المستوصف الخيرى والمسجد فلا يكون من الزكاة.