عشية الانتخابات التشريعية فى تونس التقت »الأهرام« بوزير خارجيتها منجى حامدى (55 عاما )، وهو من ابناء مدينة سيدى بوزيد مهد ثورات الربيع العربي، وخامس من يتولى هذا المنصب بعد الثورة التونسية. ويقول العالمون بدهاليز جهاز الدولة فى تونس أن حامدى الذى عمل من قبل موظفا دوليا ساميا بمقر الأممالمتحدة بجنيف يسعى لإعادة الاعتبار فى وزارته الى الدبلوماسيين المحترفين بعدما اضيروا من سياسة الدكتاتور زين العابدين بن على بمكافأة رجاله بمناصب السفراء والملحقين, كما كان عليه أن يقود ما يمكن وصفه بحركة إصلاح داخل وزارته بعد تهميش آخر لحق بهؤلاء الدبلوماسيين المهنيين فى عهد وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام زوج إبنة راشد الغنوشى رئيس حزب حركة النهضة، ومع ذلك فإن حامدى تجنب الإجابة على أى اسئلة تتعلق بإرث سابقيه. ولما كانت أنباء بيان تنظيم انصار الشريعة الذى يهدد بقتل رئيس الوزراء ووزير الداخلية قد تصدرت نشرات الأخبار ونحن فى الطريق إليه، فقد بادرناه بالسؤال عن رأيه فى جدية هذه التهديدات وتوقيتها فأجاب: هذه التهديدات متواصلة، ونحن نأخذها بكل جدية، وهى فى توقيتها تحاول التشويش على الانتخابات، لكنها يقينا لن تؤثر على العملية الانتخابية، ولقد استعدت الدولة لتأمين الانتخابات بنحو 80 ألف رجل أمن شرطى وعسكري. ونتوقع لها ان تجرى فى ظروف آمنة تماما، لكن بالقطع هناك من لا يريد النجاح للتجربة التونسية. هل تقصد أن هناك قوى اقليمية ودولا خلف مثل هذه التهديدات الارهابية؟ لا نستطيع ان نقول هذا، وليس لدينا معلومات عن تورط دول. فالجماعات الارهابية لها خلفياتها التكفيرية والايديولوجية، وعندها طموحات كبيرة، هم يريدون تعطيل تجربة الانتقال الديمقراطى فى تونس. ألا تخشى ان تعطى زيارتكم قبل ايام معدودة من الانتخابات الى تركيا انطباعا بأن تونس طرف فى محور اقليمى بالمنطقة ؟ ولماذا زيارة تركيا فى هذا التوقيت؟ أبدا.. هذه الزيارة تأجلت مرتين وتأتى فى اطار تعاون استراتيجى بدأناه من قبل، وهو تعاون له ابعاده الاقتصادية، ولسنا طرفا فى أى محور كان، فتونس بلد صغير يعمل على ان تكون علاقاته مع كل الدول الشقيقة والصديقة وفى محيطه الاقليمى على أعلى مستوي. فالمنطقة بأسرها تمر بظروف تتسم بالتوتر والأزمات وكذا بالتحديات الأمنية، وهو مايستوجب التنسيق والتعاون مع كل بلدان المنطقة. ويتطلب علاقات استراتيجية وليس عادية، وفى هذا السياق فان علاقاتنا بمصر يجب ان تكون استراتيجية على اعلى مستوي. كيف تقومون بإصلاح السياسة الخارجية لبلادكم بعد عامين من تولى نهضوى هذه الوزارة؟ لا أحب الادعاء باننى اقود حركة اصلاحية، كما لا ارغب فى تناول سياسة من سبقوني، لكننى أود ان أقول انه منذ وجودنا فى هذه الحكومة (تشكلت فى نهاية يناير 2014) وضعنا رؤية استراتيجية واضحة تقوم على أربعة محاور: الأول هو التركيز على الدبلوماسية الاقتصادية.. والثانى هو التنسيق والتشاور فى ملفات الأمن مع دول الجوار.. والثالث هو دعم علاقاتنا مع دول الخليج بمافى ذلك السعودية بطبيعة الحال،كما ان لدينا علاقات طيبة مع الامارات تماما مثل قطر. أما المحور الرابع فهو البحث عن اسواق واعدة فى أفريقيا. وفى كل ماسبق فان مبدأنا واضح، وهو أن نريد علاقات طيبة مع كل الدول الشقيقة والصديقة وفى اطار من المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل وبدون التدخل فى الشئون الداخلية. هل تؤثر الانتخابات على السياسة الخارجية فى بلد كتونس؟ فى الوقت الحاضر لا تأثير، لكن فيما بعد ربما، وهذا الأمر يتوقف على طبيعة الحكومة القادمة. وفى كل الأحوال فان مبدأنا اننا دولة تريد علاقات طبيعية طيبة مع كل الدول الشقيقة والصديقة وفى اطار من عدم التدخل فى الشئون الداخلية ورعاية المصالح المشتركة. هناك احزاب تدعو لإعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع سوريا. نحن نتواصل مع جاليتنا فى سوريا (نحو 6 آلاف تونسي) عبر وجود قنصلى فى دمشق لتقديم الخدمات، لكن اعادة العلاقات الدبلوماسية ستأتى فى الوقت المناسب. سوريا دولة شقيقة والشعب السورى شقيق وصديق، وسنعيد علاقاتنا فى الوقت المناسب. ونحن نتعامل دولة لدولة، وليس مع نظام يتغير فى أى وقت. ألم يجريا فى وزارة الخارجية التونسية مؤخرا مناقشة اعادة العلاقات؟ ليكن ذلك فى الوقت المناسب. الحديث عن »التجربة التونسية« أو »النموذج التونسي« يثير حساسيات لدى البعض.. ما رأيكم؟ أنا شخصيا لا أود استخدام مصطلح »النموذج التونسي«. لنقل انها تجربة تونسية خاصة بتونس وحدها، وليست للتصدير، فتونس لديها خصوصياتها. وسبب نجاح تجربتنا هو ان لدينا مؤسسات قوية ومجتمعا مدنيا فاعلا وأحزابا سياسية واعية بالمسئولية الوطنية، وكل هذا أدى الى تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة. وهكذا تم الاتفاق من خلال الحوار الوطنى على استكمال المسار الانتقالى الديموقراطى بعيدا عن التجاذبات السياسية والوصول الى انتخابات شفافة ونزيهة فى احسن الظروف. الى اى مدى هناك أهمية لحصول تونس على شهادة دولية بنزاهة هذه الانتخابات؟ النجاح خطوة مهمة فى اطار استكمال هذا المسار الانتقالى الديموقراطي، وهو مسار نتوقع له ان يستمر لسنوات مقبلة، وبالقطع لن ينتهى بالانتخابات. وكل مانتمناه ان يعطى نجاح الانتخابات قفزة نوعية للتجربة التونسية وأن يجلب المستثمرين الاجانب، وكذلك التونسيون. أمامكم سلة وعود المستثمرون الكبار وبخاصة فى الخليج ينتظرون استكمال الانتخابات واستقرار البلد ووضوح الرؤية كى يستثمروا فى كل القطاعات. وهناك تعاطف دولى مع تونس فقد زارنا قبيل الانتخابات العديد من وزراء الخارجية والامين العام للأمم المتحدة بان كى مون، وهذا دليل على الدعم السياسى للتجربة التونسية فى الانتقال الديموقراطي، ونحن نحب ان نستثمر هذا الدعم اقتصاديا . هل هناك سياسة أوروبية أمريكية واحدة إزاء مسار الانتقال فى تونس ام أننا ازاء سياستين؟ لا اتصور .. فأمريكا وأوروبا صادقتان فى دعمهما للتجربة التونسية، قاموا بدعمنا اقتصاديا وأمنيا، والآن لدينا سياسة استراتيجية جديدة تجاه واشنطن. بدأنا معهم حوارا استراتيجيا فى العديد من المجالات الاقتصادية والتجارية والأمنية والعسكرية. ألم يتسبب هذا فى حساسيات لدى باريس؟ نتعامل مع فرنسا مثلما نتعامل مع أمريكا، وبنفس المكيال. كيف تقيمون حال العلاقات مع مصر الآن، وهل حدثت أخطاء فى الماضى أمكن معالجتها؟ لا اريد ان اتحدث عمن سبقوني، ولا ارغب فى ان ادعى الاصلاح. وبالقطع فان سياستنا الخارجية فى الوقت الراهن تقتضى أن يكون لدينا علاقات استراتيجية متينة ومتميزة مع دولة لها وزنها عربيا وافريقيا ودوليا كمصر. والدليل على هذا التوجه هو كيفية تعاملنا مع الجالية المصرية التى خرجت من ليبيا. هؤلاء اخواننا المصريون. ولقد استقبلنا نحو 20 ألف مصرى من دون تأشيرة وسهلنا لهم العبور الى المطارات. ونسقنا تنسيقا كاملا مع السلطات المصرية لتسفيرهم الى مصر فى ظروف آمنة. ولم تقع مشكلة واحدة فى هذا. هل بقى احد منهم فى تونس؟ حتى الآن يدخل مصريون من منفذ رأس جدير ونسهل لهم العبور، لكن تظل اعدادهم اقل كثيرا مما كان عليه الحال من قبل. وبطبيعة الحال نحن ملتزمون بمساعدة الإخوة المصريين طالما ان وجودهم لايتسبب فى مشكلات أمنية، وهذا بالتنسيق مع الحكومة المصرية . ما هى اسس التعاون المصرى التونسى بشأن الأوضاع فى ليبيا؟ تونس ومصر من دول جوار ليبيا. ولطالما اجتمعنا فى العديد من المناسبات فى الجزائروتونس ومصر. والاجتماع المقبل سيكون فى السودان وفق موعد يحدده الإخوة السودانيون، ولقد قررنا خلال اجتماع 13 و14 يوليو الماضى بمدينة الحمامات انشاء لجنتين احداهما سياسية والاخرى أمنية. والأولى تتولى مصر مسئولية منسقها. والأخرى تقع مسئوليتها على الجزائر. ولقد تم الاتفاق على رفع تقارير من اللجنتين الى وزير خارجية تونس والذى يتولى بدوره تقييم للوضع. وهذا ماحدث فعلا فى اجتماع القاهرة خلال شهر اغسطس الماضي. والجديد الذى أود التصريح به هنا ان هناك تنسيقا استخباراتى أمنيا. ونعمل على حث الإخوة الليبيين واقناعهم بان الحوار الوطنى والمصالحة الوطنية والحل السلمى هى السبيل الوحيد لحل الأزمة. كما ان الأمر يتطلب ضرورة جمع السلاح من الميليشيات فى اطار اتفاق الاطراف، فمن السذاجة بمكان تصور انهم سيتخلون عن السلاح خارج اطار حل سياسي. هل هناك مبادرة جديدة فى هذا السياق؟ صحيح .. هناك مبادرة تقوم بها الجزائر بدعم من دول الجوار .وتهدف الى تجميع الفرقاء الليبيين فى مؤتمر ينعقد بالجزائر. ونتوقع ان يتم هذا قريبا، لكن يصعب تحديد الموعد بدقة الآن. وكذا فان دول الجوار تدعم مجهودات برناردينو ليون ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لتحقيق نفس الهدف، أى حث الاطراف التى ترفض العنف على الدخول فى حوار وطني. ولاشك ان الجامعة العربية والاتحاد الافريقى على الخط يسهمون فى مجهودات دول الجوار. كيف تتعامل الدبلوماسية التونسية مع حكومتين فى ليبيا؟ طبيعة العلاقات التاريخية بين تونس وليبيا تقتضى منا أن نكون على مسافة واحدة من كل الأطراف. ودبلوماسيتنا تعتمد الحياد الايجابى ازاء الوضع فى ليبيا .ونحن نعمل فى اطار احترام السيادة الليبية وعدم التدخل فى شئونها والحفاظ على السلامة الترابية لهذا البلد. وفى الوقت الحاضر يقتضى الأمر ان نعترف بوجود مؤتمر منتخب وحكومة منبثقة عنه (حكومة عبد الله الثني). وهذه هى الحكومة التى نعترف بشرعيتها .لكن فى نفس الوقت نطالبها بعدم الانفراد بالسلطة .وألا تكون الشرعية أداة للانفراد بالسلطة . ونحن بكل صداقة وتعاون دعونا الى التوافق بين كافة الاطراف وتجنب الاقصاء وطالبنا بضرورة مشاركة كل الاطراف المستعدة لنبذ العنف. ماهى التأثيرات المباشرة للأزمة فى ليبيا على تونس؟ لدينا حاليا اكثر من مليون ليبى . ونحن لانعتبرهم لاجئين، بل هم ضيوف اعزاء ومكرمون رغم ان وجودهم له تأثيرات سلبية على الاقتصاد. فاقتصادنا مدعوم بصفة كبيرة وبخاصة البنزين والمواد الغذائية.