يخيَّل إليَّ أن المثل القائل «أقرع ونُزهي» خرج من تحت يد ترزى الخيال الشعبى على مقاس جدى بالتمام والكمال، فالرجل لم يكن يملك بيتاً ولا أرضاً، وعندما بلغت 4 سنوات كان فلاحاً أجيراً لديه بقرتان وحمارة وزوجتان تقيمان معاً تحت سقف واحد فى بيت مبنى بالطين أهداه إياه شيخ البلد. والحق أن الحاج معوض لم يكن ليبالى بالزعيم «الخالد فى كل قلب» وهو يقول فى دفء وحميمية: ارفع رأسك يا أخي.. فبفضل سياسة الإصلاح الزراعى ونظرية «الأرض لمن يزرعها»، حصل جدى على قطعة لا بأس بها من الأرض الزراعية تحتاج فقط إلى قليل من الجهد لتهيئتها واستصلاحها، لكن هذا «القليل» كان كثيراً بالنسبة للرجل الذى فضَّل أن يظل أجيراً يشتغل بمزاجه، يوم آه وعشرة لأ، على أن يصبح أحد السادة الملاك، ما دامت الأرض لم تنزل مهيأة، جاهزة، على طبق فضى من السماء. ولا أعرف حتى الآن، كيف يتأتى لفلاح معدم أن يرفض هدية من الدولة على هذا النحو. والعجيب أننى طوال الوقت كنت أسمع عبارة «المعدمين» تتردد حولى كثيرا . ولم أعرف أبداً أن «المعدمين» هذه تشير إلى بقعة من أفضل الأراضى الزراعية تقدر بآلاف الأفدنة وزعتها ثورة يوليو على من هم دون خط الفقر بمراحل «المعدمين بلغة ذلك العصر»، هؤلاء الذين كان يقدر عددهم بعشرات الآلاف، فأصبحوا فى الألفية الثالثة عشرات الملايين... الفارق أن حكومة ثورة يوليو صكت هذا المصطلح الخشن الحاد الصادم «المعدمين»، فى حين رأت حكومة رجال البيزنس التى أطاحت بها ثورة يناير أن تخفف من وقعه فصكت هذا المصطلح الأنيق المستورد «القرى الأشد فقراً»، لكن ربك والحق اختلف المسمى صحيح، لكن ظل الهدف واحداً وهو النهوض بأحوال هذه الفئة، حيث عمد الضباط الأحرار إلى توزيع الأراضى بالمجان، بينما عمد السماسرة، إلى توزيع التصريحات الوردية.. وبالمجان أيضاً... لمزيد من مقالات محمد بركة