"إما استعادة الأرض أو الموت عليها " شعار رفعته المقاتلات الكرديات فى سوريا بعد أن توجهن إلى ساحات المعارك دفاعا عن الوطن صانعات صورة يصعب على الأعين أن تتجاهل تأملها. فالمقاتلات الأكراد اللاتى تعدى عددهن سبعة ألاف مقاتلة يقفن جنبا إلى جنب مع الرجال لحماية أراضيهم فى حرب شرسة أشبه بحرب العصابات لا هوادة فيها تدور رحاها مع قوى إرهابية ظلامية, ممثلة فى تنظيم الدولة الاسلامية فى بلاد الشام والعراق «داعش» والذى يهدد الوجود الكردى برمته فى سوريا والعراق . وتكمن المفارقة هنا أنه على الرغم من مما اقترفه تنظيم الدولة الاسلامية بحق النساء فى البلدان التى سيطر عليها وما فعله بحق المقاتلات الكرديات حيث تم أسرهن وتعريضهن لمختلف أشكال التعذيب, فضلا عن فصل رؤوس المقاتلات اللاتى تم اسرهن لبث الرعب فى قلوب الأخريات كى لا يخضن مواجهات عسكرية معهم تخوفا من الوقوع فى الأسر , إلا أن ذلك لم ينقص من عزيمة المقاتلات الكرديات شيئا بل زدن إصرارا على مواجهة هذا الزحف «التترى». ويمكن القول أن هؤلاء النساء قد دخلن معترك الحياة العسكرية لتكريس فكرة الحكم الذاتى للأكراد على أرض الواقع ومواجهة التهديدات التى تواجه هذه الفكرة , ولا سيما أن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" تحمل فكرة الخلافة الإسلامية التى من شأنها أن تتطيح بالحلم الذى لطالما حلم به الأكراد وعملوا من أجله بإقامة دولة مستقلة تجمع كل من أكراد تركيا والعراق وسوريا . الوحدات الناعمة وتجدر الإشارة الى أن مشاركة المقاتلات الكرديات، اللاتى تتراوح أعمارهن بين 18 و40 عاما، فى عمليات القتال بدأت منذ عام 2012 بعد أن تأسست وحدة "حماية المرأة " التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطى, وذلك ضمن الجناح العسكرى للحزب الذى يضم عشرات الآلاف من المقاتلين الذين يسيطرون على أغلب المناطق الكردية فى سوريا . وينقسم هذا الجناح إلى تنظيمين منفصلين هما: "وحدات حماية المرأة" ويضم فقط العنصر النسائى و "وحدات حماية الشعب "ويضم الرجال فقط , ويحاكى هذا التنظيم حزب العمال الكردستانى التركى ألذى امتد صراعه على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن مع الدولة التركية. وبالنسبة للمقاتلات الكرديات يعد الجهاد مسألة حياة أو موت لدرجة أنهن يهربن من عائلاتهن كى ينضمن إلى الوحدة ، وهذا الأمر ليس بجديد على المرأة الكردية التى لها خبرة طويلة فى القتال خاصة مقاتلات حزب العمال الكردستانى اللاتى اكتسبن شهرة عالمية فى تسعينات القرن الماضى خصوصا من خلال تنفيذ العمليات الانتحارية. ويتم تقسيم المقاتلات الكرديات، اللاتى يمثلن ثلث عدد مقاتلى القوات الكردية فى سوريا، إلى ثلاث فئات: المقاتلات الكرديات ذوات الخبرة فى ممارسة القتال , اللاتى يبدأن يومهن مع بزوغ الفجر فى تدريبات شاقة على فنون القتال, كما يؤدين التمارين الرياضية والعسكرية والقتالية، ويشاركن فى الدروس النظرية على السلاح، قبل المشاركة فى مناورات حية، كما يتلقين دروسا تثقيفية حزبية، يقدمها عناصر فى حزب العمال الكردستانى رافعين شعار "هافار " أى الانضباط والتدريب والتقشف والإحسان للأخرين. ثم المجندات الجدد فيطلب منهن الانضباط فى التدريب، والحصول على ست ساعات من النوم ليلا والاستيقاظ فجراً , ليتلقين تدريبا عسكريا لمدة أربعة أسابيع يتعلمن خلالها إستعمال الأسلحة ورمى القذائف، إضافة إلى استعمال بندقية( كلاشنكوف) ويتضمن الجدول الزمنى اليومى لهن التدريبات ودروس سياسية تتضمن تاريخ حزب العمال الكردستانى ، حيث أن غالبية المشتركات، لم يشاركن فى أى أنشطة بدنية أو رياضية قبل الإنضمام للوحدة الكردية. وأخيرا المجندات الصغيرات اللاتى تبدإن تبدء أعمارهن من 12 عاما، وتتولى المجندات الصغيرات مهمات القيام بالطهى والأعمال المنزلية فى المقام الأول، فضلا عن التدريب بجانب زملائهن الأكبر منهن. وقد تتعددت الأمثلة الحية لبسالة وشجاعة للمقاتلات الكرديات، وتعد نادين عفرين 40 عاما النموذج الابرز على هذا الواقع الجديد، فهى قائدة المعارك الدائرة بين الأكراد والدواعش فى عين العرب , والتى سبق وقادت معارك ضد تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" فى عدة جبهات أهمها فى معارك رأس العين وتل كوجر. كما كانت الأيام الماضية شاهدة على إحدى البطولات التى قامت بها فتاة لم يتعد عمرها 19 ربيعا وهى جيلان أوزاب" والتى إنتحرت بعدما قاتلت "داعش" حتى نفدت ذخيرة سلاحها، حيث فضلت الموت على أن تقع فى أيدى عناصر التنظيم الجهادى ، موجهة رسالتها الأخيرة من على جبهة القتال عبر جهازها، "وداعا". وعلى الرغم من معاناة المقاتلات الكرديات من قلة الاسلحة ويطالبن المجتمع الدولى أن يمد لهن يد العون فى مواجهة تنظيم داعش وعلى الرغم من خبراتهن فى تكتيكات حرب العصابات والحفاظ على الانضباط والتنسيق بين الوحدات العسكرية وخبرتهن الطويلة فى ذلك, إلا أن كل ذلك ليس كافيا للحفاظ على "عين العرب" فهن فى أمس الحاجة إلى أسلحة ثقيلة متعهدات بمواصلة الجهاد طالما بقيت داعش على أراضيهم .