"إننى أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت لكننى لا أغفر له أنه اخترع جائزة نوبل" بهذا القول الجريء رفض الأديب الأيرلندى الشهير جورج برنارد شو جائزة نوبل للآداب حين تم الإعلان عن فوزه بها عام 1926، معللا ذلك بأن الجائزة «طوق نجاة لغريق وصل بالفعل إلى الشاطيء!». والأن وبعد حوالى 113 عاما من اختراع السويدى ألفريد نوبل هذه الجائزة ربما كان برنارد شو محقا فى رفضه إياها, فالجائزة العالمية لا تنفك أن تثير جدلا كبيرا فى الشارع العالمي, وفى كل مرة يتم فيها اختيار أحد الشخصيات خاصة فى الأدب والسياسة تثور عدة كتابات كالعاصفة تشكك فى اختيار هذا أو ذاك دون اختيار غيره, فما حقيقة علاقة هذه الجائزة بالسياسة؟ الحقيقة أن الجائزة التى تبلغ قيمتها عشرة ملايين كرونا سويدية (والى 1,4 مليون دولار) تتدخل فيها السياسة بشكل مباشر, وآخر مثال على ذلك منحها للطالبة ملالا يوسفزاى التى انتقدت هيمنة طالبان على منطقتها فى باكستان إضافة إلى أنها دافعت عن حق البنات فى التعلم. غير أن السجال لم يبدأ مع نوبل 2014, بل يعود إلى زمن بعيد جدا, فنظرة بسيطة على نوبل عام 1978 ربما تعطينا تأكيدا لذلك, نالها فى هذه السنة الرئيس المصرى الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن لجهودهما الحثيثة لإرساء السلام فى الشرق الأوسط. بالطبع أنهت اتفاقية كامب ديفيد الحرب بين مصر وإسرائيل، لكن ما هو معروف عن مناحم بيجن أنه كان زعيما لمنظمة الأرجون التى ارتكبت جرائم حرب فى فلسطين فى بداية الخمسينيات, أشهرها مذبحة دير ياسين التى راح ضحيتها 360 فلسطينيا أعزل. وجاءت الإيرانية شيرين عبادى لتصدم الجميع بفوزها عام 2003 بنوبل للسلام، خاصة فى ذلك التوقيت. كثيرون وصفوا أول قاضية فى إيران أقصتها الثورة بأنها عرفت كيف تزحف من الصفوف الخلفية كحصان السباق لتقص الشريط على حساب 165 مرشحا, وآخرون اعتبروا الفوز رسالة مبطنة ذات معنى سياسى إلى السلطة السياسية الإيرانية التى من فرط مفاجأتها تباينت ردود أفعالها, فوصفها الرئيس الاصلاحى محمد خاتمى بأنها سياسية وغير مهمة وأنها جزء من مؤامرة أجنبية للضغط على إيران, من جهة أخرى إعتبر البعض اختيارها كنقد لسياسة جورج بوش الإبن وحربه التى شنها على العراق وتصنيفه لإيران كأحد أعضاء "محور الشر". البعد السياسى ظهر أيضا فى منح الجائزة للرئيس الأمريكى باراك أوباما فى عام 2009 بناء على نواياه المستقلبية لتحقيق السلام! وهو لم يكد يمر على وجوده فى البيت الأبيض سوى ثمانية أشهر فقط, الرجل لم يكن قد فعل أى شىء يخص النزاعات أو القضايا الشائكة والمتأزمة حول العالم وأبرزها قضية الصراع الفلسطينى – الإسرائيلي، بل حتى هذه اللحظة لم يفعل شيئا فى إغلاق أسوأ السجون سمعة على الإطلاق "جوانتانامو"، لكن بالرغم من ذلك فقد نال الجائزة نظير مجهوداته فى "تقوية الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب"!. كان للمؤسسات أيضا نصيب لا بأس به من الجائزة، ففى 2005 منحت لوكالة الطاقة الذرية، تلك الوكالة التى لم تستطع الوقوف فى وجه الآلة العسكرية الغربية التى غزت العراق بحثا عن أسلحة وهمية لم تعثر عليها حتى الآن، بينما تنسى أو تتناسى الوكالة الأسلحة النووية التى يمتلكها الكيان الصهيونى. الاتحاد الأوروبى أيضا حصد نوبل للسلام عام 2012 لكن على سلام لم يحققه بقدر ما حقق من فتن ونزاعات فى كل أرجاء العالم، واضطرابات فى العديد من الدول مثل اليونان وأسبانيا فى سبيل تأمين سيطرته على موارد الدول الفقيرة وهو فوز اعتبره البعض أشبه بال"مزحة"!. أما منظمة حظر الأسلحة الكيميائية فلم يكد يمر الإعلان عن فوزها بجائزة نوبل للسلام عام 2013 دون أن يخلف ذلك جدلا كبيرا بشأن مدى استحقاقها الجائزة خاصة أن ذلك حدث بعد أيام من شروعها فى تفكيك ترسانة سوريا الكيماوية، إثر اتفاق بين أطراف النزاع فى المنطقة بأن يسلم نظام بشار الأسد ترسانته من الأسلحة الكيماوية مقابل تجنيبه ضربة عسكرية محتملة. أما بالنسبة للناشطة الحقوقية اليمنية توكل كرمان, فقد كان حصولها على جائزة نوبل للسلام لعام 2011, مناصفة مع رئيسة ليبيريا الين سيرليف والناشطة الليبيرية ليما جبويي, بهدف سياسى بحت وليس كونها تمتلك سجلا حقوقيا حافلا, فالأمر متصل بالثورات العربية والنشاط المتزايد لجماعات الإخوان المسلمين فيها. نالت "كرمان" الجائزة لمساهمتها فى إعداد تقارير عديدة حول الفساد فى اليمن وحقوق الإنسان وحرية التعبير، بالإضافة للدور البارز الذى لعبته فى الثورة اليمنية، ولكن مواقفها المتباينة والعدائية ودفاعها المستميت عن جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية أضاع منها بريق نوبل, ففى سبتمبر 2013، نشرت مقالا فى صحيفة فورين بولسي، تصف فيه الرئيس المعزول محمد مرسى بمانديلا العرب!. إن موقف الناشطة اليمنية توكل كرمان من الأحداث فى مصر وانحيازها الكامل لفريق سياسى إرهابى وضعها فى تناقض صارخ مع مبادئ نوبل الحاملة لجائزته للسلام لتفشل المرأة أسيرة الأيديلوجية الإخوانية فى التحول إلى شخصية عالمية. لقد جمعت تلك الجائزة العالمية بين الخير والشر, بين مهندس الحرب على فيتنام هنرى كسينجر والفيتنامى الثائر " لى دوك ثو" الذى رفضها, جمعت بين نيلسون مانديلا بطل مواجهة الفصل العنصرى وفريدريك دى كليرك رئيس جنوب إفريقيا وقتها الذى غضب شعبه لعدم أحقيته بالجائزة, يبدو أن الجدل حولها لن ينتهى أبدا.