هل المجتمع المصرى يعانى من أزمة أخلاقية؟ وإن كان هذا صحيحا، فكيف نشأت تلك الأزمة؟ ولماذا ومنذ متى؟ أليس المصرى هو مبدع الأخلاق فى تاريخ الإنسانية وواهب الأمم ضميرها منذ فجر الضمير؟ أليس مجتمعا متدينا، بل شديد التدين؟ فكيف يتأتى هذا مع كل ما نشاهده حولنا وشاهدناه طوال عقود؟ أين أصل الأزمة؟ هل هو هزيمة يونيو 1967؟ أم انفتاح 1975؟ .. أم انتشار الاسلام الشكلى منذ ذلك الحين؟ وما دور الغرب ورأس رمحه إسرائيل فى كل هذا؟ هذا ما توجهنا به للكاتبة الصحفية الكبيرة سكينة فؤاد، والأستاذ الدكتور محمود إسماعيل أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة عين شمس والباحث فى الحركات الإجتماعية. تطالب الكاتبة والروائية سكينة فؤاد بضرورة إشراك الشباب فى صنع مستقبل البلاد، وعدم إقصائهم عن المشهد السياسى، لضمان استرداد منظومة قيمنا وأخلاقنا التى تعرضت إلى مؤامرة كبرى، بعد انتصارنا العظيم فى حرب أكتوبر عام 1973، وتحذر سكينة فؤاد من ترك عقول المصريين تواجه دعوات الضلال والتضليل, مؤكدة فى الوقت نفسه أن الرصيد الحضارى المتميز للمصريين، من ثقافة وتنوير وتدين، ساعد فى الحفاظ على وحدة البلاد من خطر التدمير والانهيار. وإلى تفاصيل الحوار: ما تفسيرك لما حدث فى منظومة قيم وأخلاق الشخصية المصرية التى تميزت بالثبات على مر العصور، وجمعت بين الشهامة والأخلاق الطيبة والتسامح؟. المجتمع عانى طوال العقود الماضية بسبب حرمانه من أبسط حقوقه الإنسانية، وانشغل بتوفير متطلباته المعيشية، وشهد المجتمع انهيارات متتالية فى المستوى الثقافى والاقتصادى والاجتماعى. فما هو المطلوب من شاب كافح وصبر وبعد أن أكمل مراحل تعليمه لم يجد فرصة عمل تحقق أحلامه فى الزواج والاستقرار. ماذا ننتظر من عقول تُركت للضلال والتضليل باسم الدين، والإسلام منهم برىء. نحن نعيش اليوم فى فتنة كبرى ويقف العالم أمام أصعب مرحلة فى التاريخ المعاصر، ولو لم تكن جذور هذا الشعب قوية وعميقة ومتأصلة، ولولا صحة ما نردده من أن حضارتنا تمتد لآلاف السنين، وأن هناك تراكما من الأرصدة الثقافية والإنسانية والتنويرية، لكانت النتيجة كارثية على المجتمع وعلى الوطن. وماذا عن ثورة 25 يناير وتأثيرها المباشر وغير المباشر على أخلاق المصريين، أى فى الأيام الأولى للثورة ثم ما تلاها من ردة فى السلوك؟. لم تكن حالة التضامن والتآزر والوحدة فى الهدف التى عشناها خلال الأيام الأولى من الثورة حدثا فريدا من نوعه فى مصر. هذه الحالة عاشها المصريون مرارا وتكرارا، فخلال حرب السادس من أكتوبر عام 1973 والتى نحتفل بذكراها الحادية والأربعين، كان المصريون جميعا على قلب رجل واحد، مسلمين ومسيحيين، أغنياء وفقراء، وكونوا جبهة داخلية متماسكة ساهمت فى تحقيق الانتصار العظيم. وما حدث أنه بعد الحرب وما حققته من انتصار تم حرمان أصحاب الإنتصار الحقيقيين من أن يجنوا ثمارها. هذا الأمر حدث أيضا بعد ثورة 25 يناير، فقد حاول البعض إظهار الثورة على أنها مؤامرة على البلاد، واتهموا الثورة بأنها السبب فى حالة الفوضى التى عمت مصر، وأنا أستغرب من هذا الاتهام، وأسألهم: ماذا كانت مصر قبل ثورة يناير، وقبل أن تنفد أرصدة الصبر عند الشعب، ويشاء الله أن ينفجر المصريون فى وجه الظلم والقهر والفقر والإفقار، فخرجوا مطالبين باسترداد حقوقهم المسلوبة، وإيقاف مسيرة التدمير التى عصفت بالشخصية المصرية، فأثبت المصريون أنهم شعب يكمن ولا يموت .فقد لعبت جذور هذا الشعب الأصيل دورها بعد أن كان الهدف هو موته وألا يقوم مرة أخرى. هل كانت هزيمة 1967 السبب الرئيسى فى التحول الذى تعرضت له الشخصية المصرية وأثر بالسلب على منظومة القيم والأخلاق؟. ما حدث يوم 5 يونيو لم يكن هزيمة، فالهزيمة تتطلب مواجهة لكى تكون النتيجة هزيمة وانتصارا، لكن الذى حدث كان مفاجأة جيشنا وفرض الهزيمة عليه. وسرعان ما تدراك الجميع المسئولية، وخاض جيشنا حرب الاستنزاف التى مهدت لحرب أكتوبر المجيدة .جيشنا الباسل لا يهزم أبدا، فجنوده خير أجناد الأرض, أما ما حدث بعد ذلك فيتمثل فى حالة الرعب التى شعر بها الأعداء، وعزمهم على السعى لكى لا تتوافر للمصريين بعدها أية مقومات لتكرار انتصارهم العظيم ، فبدأت الحرب الأخطر من خلال إيجاد تيارات سياسية متصارعة، وأتذكر مقولة الفريق عبدالمنعم رياض قبل استشهاده عندما حذر من أن العدو الإسرائيلى لا يؤمن مطلقا بالسلام كخيار استراتيجى, فظهر الناهبون والسارقون وتجار الدين، وإرتفعت نسب الفقر والأمراض المزمنة كالسرطان والفشل الكلوى ، وظلت مصر تدفع ثمن انتصارها إلى أن قام الشعب بثورته الرائعة. ولكن مصر شهدت خلال العقود الأربعة الماضية تدينا واضحا، باقتراب المسلم من المسجد والمسيحى من الكنيسة.. إذن فلماذا لم ينعكس هذا التدين على أخلاق المصريين؟. أنت تشير إلى ظاهرة مؤلمة تتمثل فى التدين الظاهرى، وغيابه عن الجوهر. فقد تم استغلال الإسلام بشكل سياسى لتحقيق مكاسب سياسية وخاض الجميع معارك من أجل مصالحهم، ولم يتركوا الفرصة لاستعادة قيمنا الجميلة والرائعة، وترسيخها فى وجداننا وتحويلها إلى قوى ضاربة ضد كل عوامل التضليل الذى عانينا منه، وساهم فى نشر الفساد تحالفات أجهزة الأمن القديمة مع جماعات سياسية. ما رأيك فيما ذهب إليه البعض من أن الفهلوة والعنف والعدوانية، وهى سمات جديدة على مجتمعنا، كانت نتيجة طبيعية لقانون الطوارىء الذى طبق لأكثر من ثلاثة عقود؟. بدون شك كانت الثلاثون سنة الماضية وبالا على المصريين, الذين تعرضوا إلى تجريف قيمهم الأصيلة من خلال القهر وغياب الحريات العامة وإقصاء المعارضين لنظام الحكم. من هنا أدعو إلى تطبيق صحيح القانون ومنح الشباب حقهم فى إبداء آرائهم بحرية وعدم إقصائهم عن المشهد السياسى، لأنهم فصيل أصيل فيما شهدته بلادنا من ثورة على الظلم والباطل، بهدف تحقيق مطالب الثورة من حرية وكرامة وعدالة إجتماعية. فى كلمتين, ما السبيل لاستعادة قيمنا وأخلاقنا؟. على الجميع العمل على تغليب مصلحة الوطن على مصالحهم الذاتية، ومحاربة الفساد، لأن أخطاره لا تقل عن خطر الإرهاب، ولابد من استيعاب الشباب، والمرأة المصرية، وتغيير منظومة القوانين التى عجزت عن تحقيق العدالة بالقصاص للشهداء. لابد أيضا من أن يستعيد الأزهر دوره التنويرى لإظهار ما يتميز ديننا من سماحة ووسطية وعدل ورحمة ومساواة.