تعد العلاقات المصرية السورية نموذجا يحتذي به لعلاقات قوية ووثيقة فى المنطقة العربية منذ القدم، حيث ترتبط الدولتين بأواصر تاريخية ثقافية وعلاقات متميزة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ساعدت على انتقال الأفراد والمبادلات الاقتصادية والحضارية بين البلدين، مما يؤكد المصير الواحد والمشترك لهما. واتسمت العلاقات المصرية السورية علي طول تاريخها بأنها علاقات متميزة تجد جذورها فى التاريخ المشترك، ولذلك فلم تأت تجربة الوحدة التى قامت بين مصر وسوريا فى عام 1958 من فراغ, ولم يكن قيام الجمهورية العربية المتحدة إلا حلقة في سلسلة طويلة ومتصلة تشكل رباطاً تاريخياً قدرياً وحتمياً يربط بين مصر وسوريا ويصنع ملامح وتفاعلات العلاقات بين البلدين. وقد عكست تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى للوفد الإعلامى الذى رافقه فى زيارته الأخيرة للولايات المتحدة التى أكد فيها - بوضوح غير قابل للبس - على أن سوريا تمثل عمقا استراتيجيا لمصر، ودعا إلى احترام وحدة أراضيها، عن ارتباط الأمن القومى المصرى بوحدة الدولة السورية وعدم تقسيمها أو تفتيتها، بغض النظر عن النظام الذى يحكمها سواء النظام الحالى أو غيره من الأنظمة التى تحقق هذه الوحدة وتحفظ سلامة أراضية ولا تجعله عرضة للتفكك أو الانهيار. ويؤكد اللواء محمد الغبارى مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق بأكاديمية ناصر العسكرية إن مسألة الارتباط بين البلدين على اعتبار أن سوريا تمثل عمقا استراتيجيا لمصر تنبع أولا من وجود اتفاقية للدفاع المشترك بين البلدين، وأن هذه الاتفاقية مقدمة فى أهميتها على اتفاقية السلام «كامب ديفيد». وقال إن قوى الدولة الشاملة لمصر محسوبة على أساس أن إسرائيل بما لها من دعم أمريكى وغربى فى «كفة» ومصر والعراق وسوريا والسعودية فى «الكفة» المقابلة باعتبرها الدول الكبرى فى المنطقة التى تمثل قوة حقيقية تستطيع الوقوف جنبا الى جنب أمام أية مخاطر قد تهدد المنطقة، وأوضح أن الرئيس السيسى عندما تحدث عن سوريا باعتبارها عمقا استراتيجيا لمصر فإنه كان يشير الى أن سوريا تمثل حليفا استراتيجيا لمصر تستكمل بها حسابات القوى الشاملة المصرية والعربية. وأكد أن سوريا تمثل أيضا تهديدا مباشرا على العمق الإسرائيلى، وأن وجود تحالفات بين مصر وسوريا يعنى امكانية الوصول الى العمق الاسرائيلى فى أى لحظة إذا ما بادرت بخرق اتفاقيات السلام، وأن هذا التعاون ساهم بشكل مؤثر أثناء حرب أكتوبر 73. وقال الغبارى إن هدم الجيش السورى والقضاء عليه يؤثر بشكل مباشر على القوة العسكرية المصرية، وأن خطة الغرب فى تمزيق الحلفاء الاستراتيجيين فى المنطقة العربية بدأت بالقضاء على الجيش العراقى وتقسيم الدولة الى دويلات متناحرة على أسس دينية ومذهبية وطائفية، وهو السيناريو الذى تسعى الى تكراره فى سوريا حاليا، حتى تصل الى منطقة ممزقة تواجه كل دولة فيها مصيرها منفردة، بما يضمن عدم وجود أية تحالفات مستقبلية بينها مرة أخرى وإلى الأبد. وأوضح إن من مصلحة مصر حاليا استمرار وجود الدولة السورية مستقلة ومتماسكة بغض النظر عن الصراعات السياسية وبعيدا عن الفصائل المتناحرة، وبغض النظر عن النظام الذى يقودها. وقال إن تدخل الولاياتالمتحدة فى الشأن السورى بعد 4 سنوات من التناحر والحرب المسلحة بين التنظيمات الجهادية ونظام بشار الأسد يهدف بالأساس الى إطالة أمد الحرب الدائرة هناك وعدم انهائها حالياباعتبار أن هذا هو المخرج الوحيد لتنفيذ مخططها لتفتيت دول المنطقة الذى كان يجرى تنفيذه على قدم وساق وبمساعدة التنظيمات الدينية التى رشحتها الولاياتالمتحدة لقيادة البلاد العربية فى الفترة التى أطلق عليها «الربيع العربى، وعلى رأسها تنظيم الإخوان، إلا أن هذا المخطط تعثر وتم إحباطه بقيام ثورة 30 يونيو، مشيرا الى أن الولاياتالمتحدة ليست جادة فى حربها ضد التنظيمات الارهابية فى سوريا، وذلك لأنها هى نفسها التى تقوم بتمويل تلك التنظيمات، بل وتمدها بالسلاح. العلاقات المصرية - السورية مرت العلاقات المصرية السورية عبر تاريخها بحالات عديدة وصلت الى الفتور والتوتر احيانا، وفي احيان اخرى ارتقت الى التعاون الايجابي، إلا ان البلدين يسعيان دائما الى عدم الوصول بها الى التدهور، لان حاجة التنسيق بينهما ضرورية في ظل المتغيرات الاقليمية والدولية، ويشكلان في مواقفهما المشتركة حالة من التوازن لملء الفراغ القائم بغياب التضامن العربي. وقد شهدت العلاقات بين مصر وسوريا مراحل شد وجذب كثيرة، كان أخطرها وأقواها انفصال البلدين عن بعضهما في 28 سبتمبر 1961، بعد الوحدة التي جمعتما وتمخض عنها «الجمهورية العربية المتحدة» لكن قيام انقلاب عسكري في دمشق أنهى حلم الوحدة العربية. وعلى الرغم من إعلان سوريا انتهاء الوحدة وأطلقت على نفسها اسم «الجمهورية العربية السورية» إلا أن مصر احتفظت باسم الجمهورية العربية المتحدة، حتى عام 1971 حيث غير السادات الاسم إلى «جمهورية مصر العربية. ودخلت العلاقات مرحلة جديدة عقب نكسة 1967 التي ضاعت فيها من مصر سيناء ومن سوريا الجولان واحتلتهما إسرائيل، وبلغ العلاقات مستوى مرتفعا عقب قيام حافظ الأسد بانقلاب عسكري أطلق عليه حركة التصحيح في 16/11/1970. واستمر تحسن العلاقات والتعاون الإيجابي حتى بلغ ذروته مع حرب السادس من أكتوبر عام 1973, وتحقيق النصر على الكيان الصهيونى. ثم عادت العلاقات إلى نقطة الصفر مرة أخرى ووصل حد التناقض في وجهات النظر السياسية بين دمشقوالقاهرة حول قضيه السلام وظلت العلاقات شبه مقطوعة خاصة بعد قيام مصر بتوقيع سلام منفرد مع إسرائيل وتوقيع الرئيس الراحل محمد أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد، إلا أن الرئيس السورى الراحل حافظ الأسد, عرف كيف يتجاوزها تجاوزا توج بعودة العلاقات الدبلوماسية بين القاهرةودمشق أواخر1989, وتحسنت العلاقات بصورة غير مسبوقة وازداد التعاون السياسي والاقتصادي، حتى رحل في 10 يونيو 2000. وعلى الرغم من التحديات التي واجهت الرئيس بشار الأسد صغير السن في حكم بلد مثل سوريا، إلا أن مصر احتضنت بشار وساعدته على تثبيت أركان حكمه، وقدمت له العون والمشورة، وواصلت مصر تقوية علاقاتها السياسية بسوريا ودعم الرئيس الشاب الذي لم يكن يعرف شيئا عن السياسة فهو طبيب عيون ولم يخض غمارها من قبل. وتدخلت مصر لإنقاذ سوريا من حرب مع تركيا بعد تدهور العلاقات بين أنقرةودمشق بفعل فاعل، كانت إسرائيل التي دفعت البلدين للعداء ولعبت مصر دور الوساطة الجادة حتى أنهت الاحتقان. كما أن مصر كان لها دور كبير في تهدئة سوريا علي طول خط الاستفزازات الإسرائيلية والأمريكية المستمرة والذي وضح بشدة عندما قامت إسرائيل بضرب سوريا في قرية عين الصاحب في الخامس من أكتوبر عام 2003 والذي كان مستفزاً إلي ابعد الحدود ولكن مصر طالبت من سوريا عدم الانسياق وراء تلك الاستفزازات والتي كانت مخططة. وفي يونيو 2013 أعلن المعزول محمد مرسي عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وعقب عزل مرسي عن الحكم في يوليو 2013 تم الاتفاق علي فتح منفذ دبلوماسي من خلال العمل القنصلي لخدمة رعايا الدولتين.