تحكى شونة الغلال الأثرية بمدينة القصير بمحافظة البحر الأحمر التى شيدها السلطان العثمانى سليم الثالث على مساحة تربو على خمسة آلاف متر وسط المدينة كيف كانت مصر تحقق الإكتفاء الذاتى لشعبها حينذاك من جميع أنواع الحبوب والغلال وعلى رأسها القمح وكيف كانت -إلى جانب تحقيق احتياجاتها- رائدة فى تصدير القمح ومختلف أنواع المحاصيل لعدد كبير من الدول حيث كانت هناك سياسات مبنية على أسس سليمة بينما باتت مصر الآن تستورد سنويا ملايين الأطنان من القمح وغيره من المحاصيل الأخرى بسبب سياسات زراعية عقيمة اتبعتها الحكومات المتعاقبة فأفسدت بها الزراعة المصرية. ويقول محمد عبده حمدان سكرتير مجلس مدينة القصير سابقا أن شونة تخزين الغلال القابعة الآن بوسط المدينة ما هى إلا واحدة من المبانى الأثرية التى كانت قد شيدت فى وقت كانت فيه مصر تصدر الغلال خاصة القمح والعدس والفول والشعير إلى الجزيرة العربية من خلال منظومة تجارية تتعلق بالتبادل التجارى عن طريق ميناء القصير الذى تحول إلى أطلال وذلك باستخدام القوافل التجارية التى كانت تأتى من وادى النيل خاصة من قنا حيث كانت القافلة الواحدة لا يقل تعدادها عن ألف جمل محملة بالغلال كانت تستغرق فى رحلتها ما بين 3 إلى 4 أيام، وكانت تسلك الطريق الصحراوى من قنا إلى منطقة بير عنبر مرورا بوادى اللقيطة ثم طريق وادى الحمامات الذى يعد من بين أقدم طرق العالم حتى تستقر على ساحل البحر الأحمر بمدينة القصير، لتوضع هذه الغلال فى الشونة المشار إليها، والتى كانت معدة للتشوين ثم التسويق حيث كانت تنقل الغلال عن طريق المراكب إلى الدول المستوردة. وعند عودة هذه المراكب كانت تحمل بالتوابل والأقمشة والتمور والبن اليمنى وغير ذلك من المنتجات التى كانت غير موجودة بمصر ليتم تحميلها إلى قنا ثم إلى بقية المحافظات، خاصة القاهرة والجيزة عبر نهر النيل، كما كانت توجد شونة للجمال وأخرى للأغنام حيث كانت تجارة هذه الأنواع رائجة بين مصر والبلدان الأخرى خلال تلك الحقبة الزمنية، كما أن مدينة القصير كان بها أيضا وكالة تجارية أنشأها الإنجليز لتسهيل تجارتهم مع الجزيرة العربية والهند. ويضيف قائلا ان محمد على باشا استخدم شونة الغلال فى تخزين الحبوب وشحنها لتمويل حملته للجزيرة العربية بقيادة إبنه إبراهيم عام 1881 لمحاربة الوهابيين هناك. ويؤكد أن شونة الغلال القابعة حاليا بمدينة القصير كأثر تاريخى بالمدينة مازلت تعانى الإهمال، فعلى الرغم من أن هيئة الآثار المصرية ضمتها إلى آثارها إلا أنها اكتفت بقرار الضم فحسب، الا أنها لاتزال بحاجة إلى ترميم ليتم تحويلها إلى مزار سياحي، شاهد على عصور ريادة مصر فى إنتاج وتصدير القمح لعلها تكون باعثا لصناع القرار على استعادة مجد الماضى أو حتى أثرا نروى لأبنائنا عظمته لعلهم يستطيعون يوما استرجاعه .