القصير عروس الجنوب ترغب الإفصاح عن أسرارها ورواية تاريخ الرخاء والنصر في الماضي السعيد, ولكن يظل هذا التاريخ حبيس صفحات كتاب مغلق لايمكن التصرف علي صفحاته المشرقة بعد ان قامت هيئة الآثار المصرية بضم المعالم الأثرية البارزة بالقصير وأغلقت هذه المعالم بالضبة والمفتاح وفي مقدمة هذه الآثار التي تحتضنها القصير شونة الغلال ومبني الشرطة وغيرها لكي يظل السؤال قائما حتي تفصح القصير عن اسرارها؟ هواجس تطاردنا كل يوم حول مدي كفاية مخزوننا الاستراتيجي من القمح والحبوب والذي يتعرض كثيرا للنقصان لأننا نعتمد في أيامنا الحالية علي الاستيراد من الخارج.. ولكن ما لا يعرفه الكثيرون ان مصر في الماضي كانت سلة الغذاء لكثير من الدول المحيطة بنا والشاهد علي ذلك ان مدينة كالقصير علي البحر الأحمر كانت محطة ارتكاز لجسر التجارة العابرة من الصعيد الي دول الجزيرة العربية والعكس وكان القمح وباقي انواع الحبوب في مقدمة هذه البضائع التي تصدرها مصر الي الخارج. ويقول محمد عبده حمدان أحد أبناء مدينة القصير إن شونة تخزين الغلال القابضة الآن بوسط المدينة ضمت مجموعة أخري من المباني التي باتت أثرية كانت قد شيدت في وقت كانت فيه مصر تصدر الغلال وعلي رأسها القمح والعدس والفول والشعير وغيره من المنتجات الأخري التي كانت تحقق منها فائضا الي الجزيرة العربية من خلال منظومة تجارية في مجال التبادل التجاري, وذلك عن طريق ميناء القصير علي ساحل محافظة البحر الأحمر مع كل من ميناءي جدة وينبع بالمملكة العربية السعودية عن طريق ما كان يسمي بالقوافل التجارية القادمة من وادي النيل وتحديدا من قنا, حيث كانت القافلة الواحدة لاتقل عن ألف جمل تستغرق في رحلتها من 3 إلي 4 أيام وكانت تسلك الطريق الصحراوي من قنا إلي بئر عنبر مرورا بوادي اللقيطة ثم وادي الحمامات والفواخير ووادي النخيل حتي تصل إلي مدينة القصير علي ساحل البحر الاحمر, ثم توضع هذه الغلال في الشونة المشار اليها والتي كانت معدة للتشوين, ثم التسويق حيث كانت تنقل الغلال الي الدول المستوردة عن طريق المراكب أما في رحلة العودة فإن هذه المراكب كانت تحمل علي متنها القوافل والأقمشة والتمور والبن اليمني حيث كانت هذه البضائع تنقل الي قنا ومنها لبقية المحافظات, خاصة القاهرة والجيزة عبر نهر النيل, وكانت توجد شونة للجمال وأخري للأغنام, حيث كانت تجارة هذه النوعية رائجة أيضا بين مصر والبلدان المشار اليها خلال هذه الحقبة الزمنية وكانت توجد بالقصير الوكالة التجارية التي أنشأتها إنجلترا لتسهيل تجارتها مع الجزيرة العربية والهند, حيث كانت توجد عدة قنصليات لدول النمسا وفرنسا وانجلترا وايران وبها مندوبون تجاريون لرعاية تجارة كل دولة مع مصر واستخدم محمد علي باشا شونة القصير في تخزين الحبوب وشحنها ايضا لتموين حملته للجزيرة العربية بقيادة ابنه ابراهيم عام 1881 لمحاربة الوهابيين هناك, واخيرا قامت هيئة الآثار المصرية بضم هذه الشونة الي الآثار المصرية لكنها مازالت مغلقة بالضبة والمفتاح شأنها شأن آثار أخري بالمدينة تعيش في دائرة النسيان وأبرزها قسم شرطة القصير سابقا والذي كان ذات يوم مبني لديوان عام محافظة القصير والتي كانت ذات يوم محافظة ضمن ست محافظات مصرية سودانية علي ساحل البحر الاحمر, وذلك قبل ان تصبح الغردقة عاصمتها البحر الاحمر.