لا تزال قضية الشباب المصرى وتمكينهم من القضايا ذات الاهتمام الكبير، نظرا لمحوريتها فى ملف التنمية المستهدف تحقيقها من جانب، وخطورة تلك القضية فى محاربة الارهاب من جانب آخر. فالحديث عن الشباب وقضاياهم ومشكلاتهم حديث يطول ما بين اقتصادى واجتماعى واعلامى وثقافى وسياسى وتعليمي، بما يمكن معه القول إنه إذا كانت قضية المرأة وشئونها تمثل نصف اهتمامات المجتمع، فإن قضية الشباب تستحوذ على اهتمام المجتمع كله. ولعل ما جرى على مدى الأعوام الأربعة الماضية منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير وربما قبلها أيضا، يكشف عن أهمية هذه الفئة العمرية فى بناء الدولة أو هدمها إذا لم تستغل هذه الطاقات المتفجرة فيما يعود على الدولة والمجتمع بالنفع. شريطة ألا يتحول الاهتمام بالشباب إلى مجرد خطابات رنانة وخطب طنانة وكلمات براقة، وإنما يجب أن يترجم هذا الاهتمام إلى سياسات عملية وقرارات فعلية تنقل المطالبات والآراء والتوصيات إلى وقائع وحقائق على الأرض. حينئذ نكون بالفعل بدأنا فى انتهاج المسار الصحيح لمعالجة مشكلات مصر وقضاياها من خلال تحديد خطوات الطريق وكيفية السير فيه. ومن نافلة القول إن الحديث عن الشباب المصرى وبطولاته ونجاحاته سواء فى الداخل والخارج ليس بجديد، بل يثبت الواقع كل يوم أن مصر مملوءة بالطاقات الشبابية وبالقدرات البطولية التى نجحت فى رفض مسلسل التوريث الذى كان يُعد لمصر قبل الخامس والعشرين من يناير حينما اعتقد الرئيس الاسبق أن مصر تركة يمكن توريثها، ونجحت هذه الطاقات أيضا فى رفض خطف الوطن حينما أراد فصيل بعينه أن يستحوذ على الدولة ويضعها تحت إمرة الجماعة والتنظيم الدولي، فما كان من الشباب المصرى إلا أن انتفض دفاعًا عن هويته، وحفاظًا على وحدة مجتمعه، وحماية لسيادة دولته. واليوم يتجدد العهد مع الشباب المصرى بأن مشروعات التنمية لن تتم بعيدة عن سواعده، وإنما يجب أن يتحمل هو العبء الأكبر من المسئولية فى تنفيذ المشروع النهضوى الذى تحمله القيادة السياسية التى جاءت باختيار حر ونزيه من الشعب. فتلاقت الأهداف وتطابقت الرؤى بين الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى وعد فى خطاباته فى أثناء ترشحه بأنه سيفتح المجال واسعا أمام مشاركة حقيقية وجادة للشباب، وبين الطموحات التى حملها الشباب فى رئيسه المنتخب. فكانت البداية باختيار مساعدى الوزراء والمحافظين من الشباب، واليوم يأتى اختيار 50% من المجالس التخصصية التابعة لرئاسة الجمهورية أيضا من الشباب. وهو ما يعنى قطعا أن ثمة رؤية حقيقية لدى صانع القرار فى نظرته إلى الشباب ودورهم إذا أراد ان ينهض بمصر حقا. ولكن، يبقى جانب مهم حتى تكتمل الصورة، يتمثل هذا الجانب فى أمرين مهمين: الأول، من المهم أن يدرك الشباب أن وجوده فى مثل هذه المواقع القيادية والتنفيذية لا يعنى تكريما ولا تشريفا بقدر ما يعنى تكليفا وبذل المزيد من الجهد والعمل، ولقد كان الرئيس عبد الفتاح السيسى واضحا وحازما فى هذا الأمر حينما أشار إلى الهدف الرئيسى من تأسيس مثل هذه المجالس وهو طرح رؤى متنوعة وثرية تقدم حلولا عملية للتغلب على التحديات التى تواجه عملية التنمية المجتمعية الشاملة. أما الأمر الثاني، وإن كان فى حقيقته يرتبط بالامر الأول وهو أنه من المهم ألا يكون تمثيل الشباب فى تلك المجالس وتوليه هذه المسئوليات مجرد أمور شكلية فحسب، بل من المهم أن تتحول مشاركتهم الى نتاج وثمار يحصدها الشعب المصرى بأسره، وإلا تحولت هذه المجالس إلى ديكورات جذابة المنظر فى حين أنها خاوية المضمون وتلك هى الكارثة التى يمكن أن تهدد بقاء أى دولة، وذلك حينما يتحول دور أبنائها خاصة فئة الشباب إلى ديكور يُزين به حوائطها وتضعهم أمام كاميراتها الاعلامية دون أن يكون لهم وجود حقيقى. خاتمة القول إن الخطوات الجادة التى يسير بها الرئيس فى تعامله مع ملف الشباب وقضاياهم، يكشف عن رؤية عميقة ومتجذرة تعى خطورة المرحلة وتحدياتها، وصعوبات الصعود وعراقيله، واتساع طموحات المواطنين وتعددها، وهو ما يفرض أن يكون لجميع ابناء الوطن وخاصة فئة الشباب مساهمة حقيقية وجادة فى الخروج من عنق الزجاجة التى تمر بها مصر اليوم، وإلا أصبحت هذه الفئة عبئا ثقيلا على صانع القرار، لا يستطيع أن يتحمل وجودها الذى يمكن أن يتحول إلى قنبلة موقوتة تقضى على الأخضر واليابس إذا ما شعرت بأن وجودها لا يعنى شيئا، فتنخرط فى تنظيمات إرهابية وجماعات تكفيرية تحت شعارات خادعة أملا فى أن تجد لها دورا ومكانا فى نشر الفوضى والارهاب والتخريب، بدلا من أن يكون دورهم هو بناء دولتهم والعمل على تقدم مجتمعاتهم. وهو ما يمكن معه القول إن خطوة افساح المجال أمام الشباب بنسبة 50% فى المجالس التخصصية التابعة لرئاسة الجمهورية، والتى بدأت بالفعل فى تشكيلها، تظل حلقة مهمة فى سلسلة اهتمام الدولة بالشباب وسعيها لانخراطهم فيما تتبناه من رؤى طموحة فى المجالات كافة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. لمزيد من مقالات عماد المهدى