يعكس إعلان حركتى فتح وحماس التوصل إلى تفاهمات حول جميع قضايا المصالحة العالقة ، حرصا واضحا منهما على تجاوز «منغصات» الفترة التى أعقبت العدوان الاسرائيلى على قطاع غزة . والتى وصلت إلى حد تبادل الاتهامات بلغة حادة تجاوزت المألوف فى العلاقة بين شركاء حكومة التوافق الوطنى والتى تأثر أداؤها وتقلصت مساحة صلاحياتها فى القطاع لحساب ما وصفت بأنها حكومة ظل تحركها خلف ستار، وربما بدون ستار-وفق رؤية فتح – حركة حماس.وقد نصت هذه التفاهمات، على تمكين حكومة التوافق ووزرائها كل فى مجال اختصاصه من العمل فى مناطق السلطة الفلسطينية وبينها قطاع غزة وتذليل العقبات التي تعترض عملها وصولا الى دمج الموظفين في جميع الوزارات . كما أكد الطرفان حسب التفاهمات، دعمهما الكامل للحكومة في سعيها لإنهاء الحصار وإعادة العمل في كل المعابر مع الجانب الإسرائيلي فى قطاع غزة وعودة الموظفين العاملين فى المعابر للقيام بمهامهم تسهيلا للمونن في تحركاتهم وفي تجارتهم وإدخال المواد المطلوبة لإعادة إعمار غزة ، ولودخلت هذه التفاهمات حيز التطبيق الفعلى فى المرحلة المقبلة فإن ثمة تحولا نوعيا ستدخله القضية الفلسطينية، وبالذات على صعيد إنجاز مصالحة وطنية حقيقية طالت أشواق الشعب الفلسطينى اليها .ووفق رؤية اللواء محمد ابراهيم الدويرى عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية ووكيل جهازالمخابرات السابق وصاحب الخبرة فى الملف الفلسطينى فإن الأمر بات يستوجب بلورة آلية لتنفيذ الاتفاقيات والتفاهمات السابقة بين فتح وحماس وغيرهما من الفصائل الفلسطينية، وذلك فى حد ذاته توافر الإرادة السياسية لجميع الأطراف ويقصد تحديدا حركة حماس التى لم تتوافر لديها هذه الإرادة خلال الفترة الماضية، ومن ثم فإن التفاهمات الأخيرة ستشكل المحك الحقيقى لتجسيد هذه الإرادة – الكلام لكاتب هذه السطور –وذلك حتى يتم البدء فورا فى تحويل ما تم التوافق بشأنه إلى واقع ملموس ينقذ مسار المصالحة من الانحراف. ويقول اللواء الدويرى، في مداخلته المهمة التى قدمها للندوة التى نظمها المجلس المصرى للشئون الخارجية– قبل أيام - بالاشتراك مع مركز الديمقراطية وتنمية المجتمع الفلسطينى حول العلاقات المصرية الفلسطينية وفى القلب منها مسألة المصالحة بحضور لفيف من السياسيين والخبراء الاستراتيجيين من الطرفين :إن نجاح المصالحة مرهون بإبداء حركة حماس قدرا أكبر من المرونة، فهى المهيمنة على الأرض فى قطاع غزة ودون ذلك – كما يؤكد- فإنه لا أمل فى إنجاز مصالحة حقيقية، خاصة أن حكومة التوافق الوطنى التى تم تشكيلها بناء على اتفاق الشاطئ فى شهر أبريل المنصرم ظلت مقيدة خلال الفترة الماضية،ولم تتمكن من القيام بدورها لكنه يستدرك : ثمة متغير يفرض المرونة المطلوبة ويتمثل فى الحاجة الى إعادة إعمار قطاع غزة بعد الدمارالشامل الذى طاله من جراء العدوان الاسرائيلى الذى استمر أكثر من خمسين يوما، الأمر الذى يستوجب تفعيل أداء حكومة التوافق وممارسة صلاحياتهاعلى الأرض حتى تكون قادرة على تلبية متطلبات عملية إعادة الإعمار ،التى ستبدأ فورا فى ضوء نتائج وقرارات المؤتمر الذى سيعقد بالقاهرة فى الثانى عشر من شهر أكتوبر الحالى. ويطرح اللواء الدويرى ضمن ما يراه عوامل نجاح للمصالحة الوطنية ضرورة التعامل مع ملف الأمن - الذى تختلف محدداته فى الضفة الغربية عنها فى القطاع - بطريقة مختلفة عما كان سائدا خلال المراحل الماضية ، ويشدد على ضرورة تحديد موعد للانتخابات الرئاسية والتشريعية حتى تكون الرؤية واضحة أمام الفصائل الفلسطينية خاصة فتح ، التى يرى أنه من الأهمية بمكان أن تظل قوية حتى يكون بمقدورها توجيه الأحداث - وحماس. وكان اللواء الدويرى قد قدم فى مستهل مداخلته أمام الندوة مجموعة من الحقائق المتعلقة بمسألة المصالحة الفلسطينية يمكن إيجازها فيما يلى : أولا : الانقسام الفلسطينى لم يكن وليد أحداث الرابع عشر من يونيو من عام 20،07 وسيطرة حماس على قطاع غزة، وإنما كانت انطلاقته بداية من عام2000، الذى وصل فيه الأمر الى حد الاقتتال الداخلى بين فتح وحماس ، حيث كانت الأخيرة رافضة وجود سلطة واحدة وسلاح واحد على الأرض. ثانيا : الانقسام الفلسطينى وقع بعد عام ونصف العام من الانتخابات البرلمانية التى أفضت الى وصول حماس الى السلطة فى عام 2006، وكان المأمول أن تقود هذه الانتخابات الى توحيد الصف الوطنى الفلسطينى لكنها ساهمت فى تجسيد الانقسام للأسف، مما أدى لتفاقم الخلافات والمشكلات بين فتح وحماس، وجعل حلها أمرا عسيرا. ثالثا: الرئيس محمود عباس أبو مازن كان أكثر الأطراف حرصا على إنهاء الانقسام وحل المشكلات المتفاقمة مع حماس وتعرض فى سبيل ذلك لضغوط عنيفة من الجانبين الأمريكى والاسرائيلى لحثه على العدول عن الانخراط فى عملية المصالحة، لكنه أعلن رفضه ذلك مهما كلفه الأمر من نتائج ، ولم تتوقف هذه الضغوط حتى الآن. رابعا: استمرار الانقسام الفلسطينى وفر الذريعة لإسرائيل فى الانفراد بقطاع غزة الذى أصبح فريسة لاعتداءاتها وحروبها المتواصلة والتى تمت جميعا فى أزمنة الانقسام، كما وفر لها ذريعة أخرى لتتراجع عن أى استحقاقات متعلقة بعملية السلام بحجة أن أبو مازن غير مسيطر إلا على الضفة الغربية فقط. خامسا: إن حركة حماس رفضت فى أكتوبر من عام 2009 التوقيع بشكل مطلق على وثيقة سميت وثيقة المصالحة، بلورتها مصر ثم عادت للتوقيع عليها بعد تغيير النظام فى مصر فى 2011 -على نفس الوثيقة بحذافيرها ودون أى تغيير. سادسا: هناك كم كبير من الأوراق والاتفاقيات والتفاهمات على صعيد المصالحة ولو تم تطبيقها على أى نزاع دولى أو إقليمى لحل على الفور، أما فلسطينيا فقد جاءت النتائج هزيلة وضعيفة والأمل فى التفاهمات الأخيرة حتى تحظى بتطبيق حقيقى من الأطراف المختلفة المعنية بملف المصالحة. سابعا : إن الدولة الوحيدة القادرة على رعاية المصالحة وضمان استمراريتها وإنجاحها هى مصر، وبالتالى فإن أى أدوار لأطراف إقليمية أخرى هى مكملة للدور المصرى الرئيسى. ويشير اللواء الدويرى الذى تابع بحكم موقعه السابق الكثير من جولات المباحثات بشأن المصالحة إلى أن هناك ثلاث مرجعيات لهذه العملية أولاها اتفاق القاهرة الذى تم التوقيع عليه فى الرابع من مايو من عام 2011. ويرى أن هذه الوثيقة التى تم إعدادها بجهد مصرى خالص اتسمت بالشمول والواقعية وأخذت فى الاعتبار الأوضاع على الأرض، سواء فى الضفة أو القطاع، وتميزت بمشاركة جميع الفصائل الفلسطينية دون استثناء ، وعالجت خمسة بنود رئيسية هى :الانتخابات ،ومنظمة التحرير، والحكومة، والأمن، والمصالحة الاجتماعية ، والأخير كان خاصة بمعالجة آثار الدماء التى سالت فى أحداث الرابع عشر من يونيو من عام 2007، وثانية المرجعيات تتجسد فى إعلان الدوحة فى الخامس من فبراير من عام 2012 وعالج بصورة رئيسية مسألة حكومة التوافق الوطنى، وهى مسألة منبثقة من وثيقة القاهرة، أما المرجعية الثالثة فتكمن فى إعلان الشاطئ فى الثالث والعشرين من شهر ابريل من عام 2014 والذى انبثق عن اتفاق القاهرة أيضا، وأهم بنوده تشكيل حكومة التوافق الوطنى خلال 4 أسابيع ، وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ، وإجراء الانتخابات بعد تشكيل الحكومة بستةأشهر على الأقل، وهو ما وفر هامشا للمناورة. وتحدث اللواء الدويرى عن دور مصر فى عملية المصالحة منبها الى أنه يتسم بالاستمرارية، وهي مكلفة به من قبل من الجامعة العربية سواء على مستوى القادة العرب أو على مستوى وزراء الخارجية ،فضلا عن كونه نابعا عن قناعاتها الوطنية والقومية ،لافتا الى مفارقة مؤداها أن كل تحرك تقوم به مصر يأتى عقب كل عدوان عسكرى لإسرائيل على قطاع غزة، فتبادر الي التوصل الى تهدئة لإنقاذ مايمكن إنقاذه ثم الدخول فى عملية مصالحة والمأمول أن يكون التحرك الأخير هو النهائى لتأسيس مرحلة جديدة من العمل الفلسطينى الوطنى القائم على تجاوز الانقسام وتكريس حالة الكيان الواحد والشعب الواحد. وكان المتحدث الثانى فى مسألة المصالحة فى الندوة القيادى الفلسطينى نبيل عمرو الذى عمل سفيرا لدولة فلسطينبالقاهرة قبل سنوات الذى رأى فى مداخلته أن حركة حماس لم يكن أمامها خيار إلا الاستجابة لمتطلبات المصالحة فى هذه المرحلة، لأن هناك كارثة إنسانية بكل المقاييس وقعت فى قطاع غزة فى العدوان الاسرائيلى الأخير، وهو ما يعنى أن كل تأخير فى التجاوب يضيف المزيد من الألم ، والمكابدة لسكان القطاع التى تتمثل بالدرجة الأولى ليس فقط فى استشهاد أكثر من ألفى مواطن وإصابة أكثر من 11 الفا آخرين، وإنما فى دمار أكثر من ألفى منزل، وذلك فى حد ذاته يشكل المعضلة الرئيسية فى القطاع، ثم يعبر عن قناعته بأن ثمة خطأ ارتكب تجلى - وفق منظوره - فى الإعلان المتسرع لاتفاق المصالحة فى مخيم الشاطئ بغزة فى الثالث والعشرين من أبريل الماضى ،مبررا ذلك بأنه وضع السلطة فى رام الله فى موضع المسئول عن كل شىء، بحيث إنها عندما تعود الى قطاع غزة يكون من مقتضيات ذلك أن تتلقى الضربات عن حماس، فضلا عن توليها مسئولية إعادة إعمارالقطاع , بينما هو فى حاجة الى جهود ضخمة على المستوى الوطنى ثم المستوى العربى، ثم المستوى الدولى لتعود أوضاع عزة الى ماكانت عليه قبل العدوان الأخير الذى شنته اسرائيل فى الثامن من يوليو الماضى، مؤكدا أنه لن يكون بمقدور أى تفاهمات بين الفصائل الفلسطينية أن تنجح الا إذا دخلت مصر قطاع غزة كضامن لآليات تنفيذها، على أى حال فإن تفاهمات القاهرة وضعت كلا من الحركتين فتح وحماس أمام خيار وحيد، هو العمل بجدية وكفاءة وسرعة على تطبيق بنودها لتجاوز حالة التراشق السياسي، والإعلامي، والبدء الحقيقي في توحيد الجهود لإعمار قطاع غزة، والتصدى للمخططات الإسرائيلية ، فأي تباطؤ فى ذلك،وغياب الشراكة السياسية الحقيقية سيضع القضية الفلسطينية كلها في مأزق وخطر.