واحد من أهم أهداف العدوان الاسرائيلى على غزة تمثل -وما زال- فى تكريس حالة التقسيم بين الضفة الغربية والقطاع ، وإجهاض المصالحة الوطنية، التى تحققت عبر تشكيل حكومة التوافق الوطنى الأخيرة بعد اتفاق كل من حركتى فتح وحماس فى شهر يونيو الماضى على إنجازها بعد سنوات من حالة مرواحة المكان الممزوجة باحتقان سياسى ساد العلاقة بين الحركتين على مدى السنوات السبع المنصرمة, منذ استيلاء حركة حماس على القطاع وتشكيلها حكومة خاصة بها لإدارة شئونه. وفى تقدير الخبراء فإن المقاومة الصلبة التى أبدتها الفصائل الفلسطينية بالقطاع فى مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية المدججة بأشد العتاد فتكا، مع أشكال المقاومة السلمية، التى شاركت فيها فتح وغيرها من الفصائل فى الضفة الغربية نجحت فى إسقاط هدف حكومة بنيامين نيتانياهو الموغلة فى التطرف والرامية إلى وأد التوافق والاستثمار فى الخلافات بين الفصائل الفلسطينية، ومن ثم بقاء حالة الانفصال بين جزئى الأراضى المتبقية من فلسطين التاريخية مشتعلة. وبدا واضحا أن القيادة الفلسطينية ممثلة فى الرئيس محمود عباس أبو مازن أدركت ما وراء العدوان, فسارع بعد بدايته بأيام الى التعامل مع قطاع غزة بحسبانه جزءا لايتجزأ من الأراضى الفلسطينية, وهو ماتجلى فى حرصه على التوجه الى الدوحة للقاء خالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس والذى وصفه بأنه إيجابى, الأمر الذى شكل بعض الشىء حائط صد فى مواجهة محاولات المراهنة على تباين الموقف الفلسطينى, وعلى الرغم مما كان واضحا فى مطلع الأحداث من تباين موقفى كل من القيادة الفلسطينية وقيادة حماس إزاء المبادرات السياسية المطروحة خاصة المبادرة المصرية, فإنه كان ثمة توافق على المطالب الفلسطينية الضرورية التى يتعين أن تلبيها أى مبادرة للحل أو لوقف العدوان . ثم تجلت الخطوة الأهم فى هذا السياق فى قرار القيادة الفلسطينية مؤخرا تشكيل وفد موحد يضم ممثلين لكافة الفصائل بما فى ذلك حماس والجهاد, لبلورة موقف موحد. ورغم معارضة إسرائيل لاتفاق المصالحة الأخير بين فتح وحماس وسعيها لإفشاله عبر تصعيد الضغوط على الرئيس أبو مازن إلا أنه رفض الاستجابة لضغوط نيتانياهو وانحاز الى خيار المصالحة لأنه وحده هو الذى يحقق المصالح العليا للفلسطينيين ، ورغم التكلفة العالية لهذه المصالحة والتى سعت إسرائيل لهدمها عبر شن عدوانها الغاشم على غزة وقتل ما يقارب الالفى شخص معظمهم من المدنيين الأطفال والنساء وجرح آلاف الاشخاص وتدمير آلاف المنازل وتشريد سكانها وأصبح هناك ما يقارب المليون شخص فى القطاع يعانون نقص الاحتياجات الاساسية. إن فلسطين التاريخية تعرضت لمؤامرة التقسيم وتحديدا فى أعقاب حرب 1948 بعد صدور قرار الأممالمتحدة بتقسيمها بين العرب واليهود فى قرار تجاوز كل حدود الشرعية الدولية وعكس توجها خطيرا فى النظام الدولى الذى تشكل فى أعقاب الحرب العالمية الثانية التى انتهت فى العام 1945 مؤداه الانحياز الى اليهود من قبل الدول الكبرى المؤثرة فى صياغة محددات هذا النظام. ومن اللافت أن كلا من الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتى كانتا أول دولتين اعترفتا بكيان اسرائيل بعد إعلانه فى الخامس عشر من مايو 1948 بل وسارعتا مع أطراف دولية أخرى فى تقديم العون السياسى والعسكرى والاقتصادى والذى ما زال مستمرا. ولاشك أن فلسطين كانت من أوائل ضحايا اتفاقية سايكس بيكو بين كل القوتين الكبريين فى العام 1914 وهما بريطانيا وفرنسا فقد أدخلت ضمن منظومة النفوذ الانجليزى وخضعت لانتدابه بقرار من عصبة الأمم فى أعقاب الحرب العالمية الأولى ولكن التطور الأخطر الذى تسبب فى كل التداعيات التى يعانى منها الفلسطينيون حتى هذه اللحظة تمثل فى وعد بلفور فى السابع عشر من فبراير من العام 1917 والذى تضمن وعدا من الحكومة البريطانية بإقامة وطنى قومى لليهود فى فلسطين. إن العدوان الإسرائيلى الأخير والمدمر على غزة لم يكن موجها ضد فصيل فلسطينى بعينه بل كان موجها للشعب الفلسطينى كله وعدوان غاشم على المدنيين الابرياء, وطالما استمر الاحتلال الإسرائيلى ستظل المقاومة الفلسطينية المشروعة دوليا لتحرير الأرض واستعادة الحقوق المشروعة وعلى رأسها الدولة المستقلة وعودة اللاجئين, وبالتالى العدوان الإسرائيلى على غزة لن يكون الأخير، ولذا فإن ردع ومواجهة هذا العدوان هو زيادة الالتحام الفلسطينى واستكمال خطوات المصالحة بين فتح وحماس وإنهاء كل مظاهر الانقسام السابقة والتى اضرت بالقضية الفلسطينية.