ما من حرب دارت رحاها قديما أو حديثا إلا ووجدت الأدب يدا بيد مع التاريخ يدونان وقائعها ويؤرخان لمجرياتها حتي تبقي حية في وجدان الشعوب وذاكرة الأمم. وكانت الرواية علي وجه التحديد هي البوتقة الأكثر ملاءمة لاستيعاب أحداث الحروب بتفاصيلها مشاعرها وأحزانها وأفراحها وألوانها وأجواءها... وهذا ما حدث بالفعل في روايات مثل «الحرب والسلام» لتولستوي و»لمن تدق الأجراس؟» لهيمنجواي، وغيرهما الكثير. والمثير في الأمر أن حدثا بحجم حرب أكتوبر المجيدة مر عليه الآن ما يزيد علي الأربعين عاما، ولا يتناسب عدد الأعمال الأدبية المقدمة حوله إطلاقا مع معطياته من انتصار سبقته هزيمة ومعاناة وشهداء وتوقيت له مغزي وما تلاه بعد ذلك من أحداث لا يمكن بأي حال من الأحوال النظر إليها بمنأي عن الحرب . وهذا كله علي الرغم من أن الحدث شهده كبار قامات الأدب في مصر مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ولم يكتبوا عنه في أعمالهم... وفيما عدا «الحرب في بر مصر» ليوسف القعيد التي ناقشت نتائج حرب أكتوبر لا الحرب نفسها، و»الرفاعي» لجمال الغيطاني التي تغنت ببطولة المقاتل المصري منذ مرحلة حرب الاستنزاف, قلما تجد أسماء لعلامات روائية بارزة تناولت أكتوبر نفسها. وذلك علي الرغم من كثرة الأعمال التي تناولت مظاهر الحياة قبل الحرب وبعدها. الأهرام توجهت بالسؤال لكبار الأدباء المصريين في محاولة للإجابة عن السؤال... هل سقطت حرب أكتوبر عمدا من أدبنا المعاصر؟! يقول الروائي جمال الغيطاني إن الأعمال الأدبية التي تناولت حرب اكتوبر ليست قليلة، مشيرا إلي أن النظام السابق كانت لديه رغبه في التركيز علي الضربة الجوية فقط. ويقول انه شخصيا قام بعمل 40 كتابا عن بطولات أكتوبر صدرت عن الهيئه العامة للكتاب، مشيرا إلي أن التليفزيون المصري اشتري منه رواية «الرفاعي» لكنها لم تنتج حتي الآن. ويؤكد الغيطاني ان أسلوب النظام السابق في عدم التركيز علي مؤلفات حرب أكتوبر افرز جيلا غير مقدر لدور الجيش وغير واع بشخصيات مهمة فيه. ويطالب الغيطاني النظام الحالي بتقديم رؤية جديدة للأعمال التي تناولت انتصارات اكتوبر والتعريف بالشخصيات البارزة التي لعبت دورا مهما في الحرب. كما توجهت الأهرام بالسؤال للأستاذ يوسف القعيد صاحب رواية «الحرب في بر مصر» والتي تعد واحدة من أعمال قلائل كتبت بعد الحرب لتحكي بصراحة ومكاشفة،بعيدين عن التهليل للانتصار، آثار الحرب الحقيقية علي أبناء الشعب الفقير الذي ضحي بدمه في مقابل الجوع علي يد الانفتاح بعدها بعامين. يقول القعيد: بداية، أختلف تماما مع فكرة تقصير الأدباء المصريين تجاه حرب أكتوبر. وأتذكر أنه بعد مرور عام واحد علي الحرب نشرت الأهرام مقالا في السادس من أكتوبر 1974 تحتفي فيه بصدور 100 كتاب عن الحرب. أي بمعدل ثلاثة كتب في اليوم الواحد تقريبا كانت تصدر في هذا الشأن. والحقيقة أن هناك الكثير من الأعمال الأدبية التي تناولت حرب أكتوبر ولم تلق الشهرة الكافية بسبب كسل القراء في المقام الأول. لكن هذا لا يمنع أن المشكلة تكمن في أن الأدب الصادر عن أكتوبر ظل حبيسا لسنوات وراء قضبان مؤامرة اسمها الاستغلال السياسي . ففي أيام الرئيس الراحل أنور السادات كانت قصة هذه الحرب العظيمة تصدر للناس علي أنها حكاية رجل واحد يطلق عليه بطل الحرب والسلام . وفي أيام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك كانت الحرب كلها تختصر في « الضربة الجوية» . وانطبق هذا للأسف علي باقي الأعمال الإبداعية من مسلسلات وأغنيات وأشعار. ويقول القعيد إن أجمل ما كتب عن الوقائع الحقيقية لحرب أكتوبر لم نره بعد وربما لن نراه إلا بعد أن تخلو الساحة تماما من كل الأطراف التي شملتها الحرب، مشيرا إلي أن رواية «الحرب والسلام « لليوتولستوي» كتبت بعد 75 عاما من انتهاء الحرب بين فرنسا وروسيا. لذلك، فمن التسرع أن نحكم الآن علي المنتج الأدبي الذي يتناول الحرب, مع العلم أن عدد الأعمال التي خرجت الي النور ليس بالقليل وليس في مصر وحدها، بل وفي العالم العربي أيضا. ويرد الكاتب الروائي محمد داود علي هذه التساؤلات قائلا، إن هناك شعورأ بأن الكتابة الروائية عن أكتوبر لدينا أقل مما ينبغي، وهناك علي النقيض آراء تقول بوجود كتابة لا بأس بها عن أكتوبر، لكنها مغيبة. ودعونا نفترض صحة القول الذي أميل إليه بقلة إنتاجنا الروائي عن حرب أكتوبر، فلعل السر في ذلك هو أن حرب أكتوبر حلقة في سلسلة حلقات من الصراع الممتد، وربما لأن معاهدة السلام لحقت بها بعد ست سنوات، ناهيك عن آثار الانفتاح علي الحياة المصرية، بما فيها البعد الإبداعي الروائي، وفي تلك الآونة كان هناك ارتفاع لأصحاب الصوت اليساري علي ما عداه بين الكتاب الروائيين، وهؤلاء لم يمنحوا السادات رضاءهم الكامل محارباً، وغضبوا عليه مسالماً، ولعل ذلك انعكس علي إنتاجهم الروائي، ثم يبدو أننا نجيد المقاومة، ومن ثم الكتابة في حالة الهزيمة والانكسار أكثر مما نجيد الابتهاج والكتابة في حالة الفرح والانتصار، فيبدو لي أننا كتبنا عن هزيمة 67 أكثر مما كتبنا عن انتصار 73. ويضيف :أود هنا أن أشير إلي كتاب كبار عاصروا حرب أكتوبر، ولم يكتبوا روايات عنها، كنجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم، هؤلاء لا يلامون علي ذلك، فالكتابة الروائية عن حدث ما - عكس الشعر والقصة القصيرة- تحدث عادة بعد انقضاء ذلك الحدث بمدة تكفي للاستيعاب، والتأمل الهادئ، وهذا لم يتح غالباً لهؤلاء الكتاب الكبار، غالباً كانت لديهم بحكم الزمن تجاربهم الأقدم والأرسخ في نفوسهم ومن ثم الأجدر بإبداعهم، ولا يمكن تحديد المدة اللازمة للكاتب الروائي حتي ينفصل عن حدث ما ليتصل بالحقيقة الإبداعية الخاصة به، إنها علي الأقل بضعة سنوات، لكنها ليست بالضرورة أربعة عقود. وبعد مرور 41 عاماً، تبدوالفرصة أقل في أن يحمل لنا المستقبل أعمالاً روائية أخري مهمة عن حرب أكتوبر، فالكثير من الجيل الذي وعي الحرب مشاركاً أو شاهداً قدم ما لديه، والبعض رحلوا عن عالمنا. ولعل القادم في السنوات المقبلة هو التساؤل عن الأعمال التي تناولت ثورة يناير، هذا منوط بالأجيال الحالية من الكتاب إن كتبوا.