فى أغلب الصراعات والحروب بين دولتين متجاورتين لا يحدث تغير بشكل كبير على طبيعة المنطقة، أو تتدخل أطراف أخرى فى الصراع، أو تتكاتف القوى العظمى لوضع خطط للتامر على دولة ضد الأخرى، لكن فى حرب مصر ضد اسرائيل فى عام73 ، تامرت جميع الدول العظمى على مصر من اجل الحفاظ على أمن واستقرار اسرائيل إلا أن القوات المسلحة المصرية، والشعب المصرى وقفوا أمام تلك المخططات، بل أفشلوها جميعها وبقيت مصر القوة العسكرية التى استطاعت أن تحطم وهم القوة الاسرائيلى والمخططات الغربية لتقسيم وتدمير منطقة الشرق الأوسط. إن ما يحدث فى فى منطقة الشرق الأوسط فى الوقت الحالى، هو نتاج طبيعى للمخططات التى وضعها الغرب بعد حرب أكتوبر المجيدة، ومعرفة قدرة المقاتل المصرى على تحقيق الصعاب، بل والمعجزات، وانهيار القدرة العسكرية الاسرائيلية التى لا تقهر تحت أقدام الجنود، وإدارة المعركة بالفكر العسكرى السليم، هذا بجانب تكاتف الدول العربية مع مصر وقطعها البترول عن الدول التى تساند اسرائيل فى أثناء الحرب، وقدرة مصر فى السيطرة على المجرى الملاحى لجنوب البحر الاحمر وقناة السويس. أدركت الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية أن القدرة العسكرية المصرية بالتعاون مع الدول العربية والمساندة الإفريقة، قادرة على تحقيق المستحيل والوقوف فى وجه أية مخططات تضرب استقرار المنطقة، لذا تم التخطيط لمحاولة تواجد القوات الامريكية والحلفاء فى منطقة الشرق الأوسط، ليس لشئ ولكن للمحافظة على مصالح تلك الدول فى المنطقة وبالاخص البترول العربى، والعمل على استمرار تدفقة، دون أية عوائق، وبدأت المؤامرة عندما تمت الوقيعة بين كل من العراقوالكويت بدعم من السفيرة الامريكيةبالعراق التى ابلغت صدام حسين أن بلادها لن تتدخل فى حال احتلاله لدولة الكويت، و للأسف الشديد بلع الطعم صدام حسين الطعم، وكان بمثابة الذريعة التى بسببها دخلت القوات الأمريكيةوالغربية إلى منطقة الخليج العربى بهدف الدفاع عن الكويت، ومن بعدها الدخول فى اتفاقيات الدفاع المشتركة مع أغلب دول المنطقة وبذلك ثبتت اقدامها بوضع قواتها داخل دول الخليج العربى. ولم تقف امورها عند هذا الحد حاول الغرب بالتعاون مع إسرائيل بالتغلغل داخل القارة الإفريقية، وذلك بعد الدعم الذى قدمته تلك الدول إلى مصر بعد الحرب مباشرة ووقوفها بقوة داخل الأمم المتحدة، وهذا التغلغل الاسرائيلى جعل لها دورا وأعوانا كثر فى بعض الدول من خلال دعمها للمشروعات، وضخها للمليارات فى سبيل ولاء تلك الدول لها، بجانب مساندتها لإريتريا لاحتلالها جزر حنيش اليمنية فى البحر الاحمر، كما حاولت الولايات المتحدة السيطرة على منطقة القرن الإفريقى الهامة خلال تدخلها فى الصومال. الأخطر من كل ذلك حاولت الولايات المتحدة والغرب تدمير الجيوش العربية، وهو الأمر الذى تم البدء فى تنفيذه عام 2003 بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق، والقرار المستفز بحل الجيش العراقي، ومن بعدها تفكيك القدرة النووية التى كان يزمع تنفيذها فى ليبيا، ثم بدأ المخطط الكبير خلال ثورات الربيع العربى والعمل على كسر الجيوش العربية وتفكيكها من خلال دخولها فى صراعات مسلحة مع عناصر ارهابية مدعومة من أطراف خارجية، كما حدث فى ليبيا واليمن وسوريا. مع كل ذلك وجميع التقلبات التى حدثت فى المنطقة بقى الجيش المصرى العظيم يتابع ويراقب تلك المؤامرات التى تنفذ فى المنطقة لتدميرها، ولكنه وقف متماسكا فقد حقق العبور فى العاشر من رمضان، وحقق النصر للدولة المصرية، وكما هو الحال الآن يعبر الجيش المصرى بالوطن إلى بر الأمان بعد محاولات ومؤامرات داخلية وخارجية، لتدميره وتقسيمه، ولتظل القوات المسلحة المصرية هى الدرع الواقى للوطن، كما سيذكر التاريخ أن حرب العاشر من رمضان هى التى غيرت وجه التاريخ. لم تكن حرب أكتوبر المجيدة حربا مصرية خالصة بل كانت حربا عربية شارك فيها جميع الدول وبالأخص المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية بقياداتهما وبسلاح البترول، وأيضا المشاركة بالقوات والسلاح، لقد كانت أكتوبر ملحمة بكل المقاييس تجسدت على أرض سيناء الحبيبة. فى وقت تعانى فيه الدول العربية من هجمة إرهابية تعد الأشرس فى تاريخها ، وأطماع دولية تتجاوز بمراحل مخاطر الغزو العسكرى المباشر ، تحل ذكرى انتصار اكتوبر كملحمة خالدة تجلى فيها التضامن العربى بالفعل لا الكلمات .. أيام من الحرب القاسية على الجبهتين المصرية والسورية كان للعرب فيها جيش واحد قيادته العليا فى القاهرة.. وجنود مشاركون فى على جبهة القتال من المحيط إلى الخليج ... ومصير واحد لا يقبل سوى الانتصار . خلال فترة الاستنزاف .. عكفت القيادة المصرية على تأمين عمقها العربى على المستويات كافة بفتح قنوات الاتصال مع القادة العرب .. كما أدركت دول الجوار ودول شمال إفريقيا خطورة الموقف سريعا .. واستوعبت أن العدو الصهيونى عدو واحد مشترك تحركه قوى استعمارية غربية وتدعمه دون سقف .. وأن مصر وسوريا هما الجبهة الأمامية فى مواجهة الجيش الإسرائيلى والآلة العسكرية الأمريكية . يروى رئيس الأركان الفريق سعد الشاذلى فى مذكراته أنه حينما اندلعت الحرب فى 6 أكتوبر1973 أرسل الرئيس الجزائرى هوارى بومدين إلى الجبهة المصرية سرب طائرات سوخوي-7 وسرب ميج -17 وسرب ميج -21 وصلت فى أيام 9 و10 و11 أكتوبر بينما وصل إلى مصر لواء جزائرى مدرع فى 17 أكتوبر 1973 ، وأنه خلال زيارة بومدين إلى موسكو بالاتحاد السوفيتى فى نوفمبر 1973 قدم مبلغ 200 مليون دولار للسوفييت لحساب مصر وسوريا بمعدل 100 مليون لكل بلد ثمنا لأى قطع ذخيرة أو سلاح يحتاج اليها البلدان. ووفقا للشاذلى ، فإن بومدين هدد حينها القيادة السوفيتية قائلا : "إن رفضتم بيعنا السلاح فسأعود إلى بلدى وسأوجه خطابا للرأى العام العربى أقول فيه إن السوفييت يرفضون الوقوف إلى جانب الحق العربى وإنهم رفضوا بيعنا السلاح فى وقت تخوض فيه الجيوش العربية حربها المصيرية ضد العدوان الإسرائيلى المدعوم من طرف الإمبريالية الأمريكية"، ولم يغادر بومدين موسكو حتى تأكد من أن الشحنات الأولى من الدبابات قد توجهت فعلا إلى مصر. وأكد الشاذلى أن الجزائر تعتبر ثانى دولة من حيث الدعم خلال حرب 1973 وكانت إسهاماتها كالتالى : 96 دبابة ، 32 آلية مجنزرة ، 12 مدفع ميدان ، 16 مدفعا مضادا للطيران الجوى ، سرب من طائرات ميج 21 سربان من طائرات ميج 17 ، سرب من طائرات سوخوي، وبلغ مجموع الطائرات حوالى 50 طائرة ، أما التعداد البشرى فقد بلغ 2115 جنديا و812 ضابط صف و192 ضابط عتاد. ليبيا كذلك كانت فى مقدمة الدول دعما لمصر فى حربها المجيدة ، حيث قدمت للجيش دعما عسكريا ضخما تمثل فى 300 دبابة ، وسربين من الطائرات ضما 70 طائرة ميج و54 طائرة ميراج ، فضلا عن شحنات ضخمة من الأسلحة المختلفة بين المجنزرات والمدافع والصواريخ والذخيرة. السودان بدوره أرسل للجبهة المصرية لواء مشاة إضافة إلى عدد من المتطوعين السودانيين والذين عبر عدد منهم القناة مع القوات المصرية ، وحاربت القوات السودانية رسمياً إلى جانب القوات المصرية كقوة مشتركة بجانب عدد من المتطوعين الذين قاتلوا فى الجبهة السورية ، وتنقلت القوات السودانية بين خطوط الحرب حسب الأوامر التى تصدر من القيادات العليا والتى تدير المعركة وقد أسهمت القوات السودانية بشكل كبير فى حماية ثغرات مهمة ، كما كانت هناك قبل قوات سودانية تنتشر على خط القناة فى حالة استعداد تام وشاركت فى حرب الاستنزاف والحفاظ على ضفة القناة والروح العالية للجيش العربي. حين قام الفريق الشاذلى بزيارة المغرب لنفس الغرض الذى زار من أجله الجزائر ، سارع الملك المغربى الحسن الثانى بالقول : "الجيش المغربى رهن إشارتكم" ، وقدم للجيشين فى مصر وسوريا لواء مدرعا (وهو اللواء الوحيد المدرع الذى امتلكه المغرب فى ذلك الوقت) على الجبهة السورية ووصل قبل بداية الحرب باسابيع قليلة. كما شاركت بلواء مشاة على الجبهة المصرية ووصل إلى مصر بعد بداية الحرب ، وكان من المقرر إرسال سرب اف 5 قبل بداية الحرب ولكنه وصل إلى مصر بعد وقف إطلاق النار. وقد لعبت الكتيبة المغربية دورا بطوليا على الجبهة السورية حالت دون إحداث الجيش الإسرائيلى ثغرة فى القنيطرة، وسميت إحدى ساحات دمشق باسمها تخليدا (ساحة التجريدة المغربية )، كما كان من المقرر إرسال سرب طائرات اف 5 لمصر قبل بداية الحرب ،ولكنه وصل بعد وقف إطلاق النار فى التاسع من فبراير. أما تونس ، فقد شارك جيشها فى الحرب بكتيبة مشاة قوامها 1200 جندى على الجبهة المصرية وقد انقسمت هذه الكتيبة الى قسم استقر فى منطقة الدلتا النيل وبورسعيد للتأمين ، وقسم انتقل مباشرة الى الجبهة إذ إن وصول القوات التونسية كان بعد بدء الحرب بأيام. وقد أظهر الجنود التونسيون بشهادة الضباط المصريين شجاعة استثنائية ، كما كانت القوات التونسية هى القوة العربية الوحيدة التى قامت بعملية إنزال بحرى بسيناء.