تنامت فى صناعتها واتخذت من طمى بلادنا سبيلا ً للبقاء، عبرت عن ملامحنا المصرية وارتبطت بحضارة وادى النيل،الطين وغرين النيل الذى نتخذ منه الفخار الذى يرجع تاريخه إلى آلاف السنين لوجود المواد الصالحة لصناعته واحتياج السكان إليه فى طهى الطعام وحفظ المياه والذى عاش جزءًا أساسيًا من مفردات الحياة.. ويمكن التعرف على التسلسل الزمنى للحضارات القديمة من قبل الأثريين المعنيين وذلك من خلال ما دون على الفخار من زخارف ونقوش وعلامات وطبقات الأرض التى تم العثور عليه فيها، ومازالت تلك صناعة القلل موجودة حتى الآن وخاصة بمدينة دسوق فى كفر الشيخ.. وإلى وقت قريب كانت تمتد على ضفاف النيل بجميع أشكالها. والأوانى الفخارية التى تستخدم لتبريد المياه تختلف أنواعها من حيث الحجم فقط: كالزير، المنشل، الزلعة والجرة.. ومن أشهرها وأكثرها انتشارًا واستخدامًا (القلة) التى يعود تاريخها إلى زمن بعيد (الزمن الفرعونى)، وكانت تنتشر بكثرة فى جميع نجوع مصر وخاصًة الصعيد, ومازال حتى الآن يستخدمها البعض فى المدن والقرى الصغيرة.. وكانت الأكثر شيوعًا (القلة القناوى) نسبة إلى محافظة قنا والتى تحوى أشكالا ً وملامح مميِّزة.. وأطلقوا عليها قديمًا ثلاجة الفقراء حيث يشرب منها المصريون فى الصيف الحار.. وفى أيام الزمن الجميل كانت تحرص ست البيت على نظافة القلل، فكما هو معلوم فى ذلك الحين أن نظافة القلل تعكس نظافة ربه المنزل فى بيتها. وكانت دائما ما تضع ليمونا، ريحانا،فى صينية القلة التى تسهر لاستقبال طراوة نسيم الصيف, نعناع أو ماء زهر فى القلة لتعطى المياه مذاقًا لطيفا ,وتقف القلة فى صينيتها على الشباك مزوقة فى انتظار عابر أصابه العطش، أيضًا كانت نوعيه غطاء وصينية القلل تعكس الحالة المادية للأسرة، فمن المعروف أن النحاس هو الأكثر ثراءًا من الألمونيوم.. غنت لها نجاه.. قلة حبيبى ملانة وعطشانة يانا.. اروح له واللا أروّح ..أشرب حدانا), وغنت لها نساء الشعب (البحر بيضحك ليه وأنا نزله ادلع املا القلل).. أما سيد درويش فقد غنى من تأليف بديع خيرى (مليحة قوى القلل القناوى)، ومن أشهر الأمثال الشعبية (نكسر وراه قلة) حيث يتم كسرها عقب أى ضيف غير مرغوب احتفالا برحيله. يشير هيثم هداية المشرف الفنى بمركز الخزف بالفسطاط إلى أن الطين يختلف بحسب المنطقة التى يجلب منها لاستخدامه فى صناعة الفخار، فالقلة إناء من الفخار المسامى تستخدم لتبريد المياه حيث أن فكره التبريد تتوقف على تبخر المياه التى تتسرب من مسامات جسم القلة، وصناعتها تمر بعدة مراحل حيث يتم إعداد الطين ووضعه فى أحواض كبيرة، ثم تصب عليه المياه ويترك لمدة ساعتين تقريبًا وبعدها يتم خلطه واستخراج الشوائب منه ثم يصفى ويترك حتى يتماسك، لتأتى مرحلة الدولاب (العجلة) وذلك بوضع الطين فى دولاب دوار كان يتم تحريكه قديمًا بواسطة اليد أو القدمين أما حديثًا فيتم تحريكه بالكهرباء, ويبدأ فى تشكيل القطعة من أسفل إلى أعلى مع استمرار الدوران لتوضع أخيرًا بالفرن المخصص لذلك، إلى أن يتم الانتهاء من الشكل المطلوب.. وكثيرًا ما يبدع صانع القلة فى زخرفتها وتزيينها برسوم نباتية، وحيوانية، وأشكال هندسية وكتابة حكم وأدعية. أما عم أحمد ياسين الحرفى التشكيلى والذى قضى عمره فى صناعة الفخار والقلل بعد أن ورث تلك الحرفة عن والده الذى كان يمتلك مصنع مستقل فى منطقة الفواخير بمصر القديمة، فيروى أن تلك المنطقة فى ستينات القرن الماضى، كانت تتميز بوجود عدد ضخم من المصانع يقترب من 300 مصنع لصناعة القلل وكان يبلغ عدد العاملين نحو 30 عامل فى المصنع الواحد ويطلق عليهم عمال اليومية، حيث يدفع أجر العامل على أساس كمية الإنتاج التى يحققها يوميًا . فمقابل كل 100 قطعة يصنعها يحصل على 20 قرشًا، والمطلوب من كل عامل أن يصنع ما يقرب من 500 قلة يوميًا, حيث كانت سعة الفرن الواحد آنذاك تتسع ل 50 ألف قطعة وذلك لشدة الإقبال على شرائها فكانت تحدد الكمية المطلوبة ويسدد ثمنها من قبل التجار قبل بدء عملية التصنيع والحرق.. وكانت تتكرر عملية الإنتاج والتوزيع بشكل شهرى حيث كانت من الحرف التى تدر ربحًا وفيرًا.. أما فى الوقت الحالى فقد تقلصت تلك الصناعة نظرًا لظهور الوسائل التكنولوجيا الحديثة ليتجه الكثير من صناعها إلى أعمال أخرى بحثًا عن لقمة العيش، وهذا ما جعل عم أحمد يحول مسار مهنته لتصبح مقصورة على الحرف الخزفية الخاصة بأعمال الديكور والزينة.