ذات يوم جميل من العام 2005، كلمته على تليفون بيته ، بثقة وحرارة : مساء الخير يا استاذ احمد • رد بحذر : اهلا ..مين ؟• انا جيهان الغرباوى ..الحاصلة على جائزة احمد رجب للكتابة الساخرة النهاردة الصبح •اهلاااااااان أهلاااااااان ..عارفك يا ستى طبعا ، انتى اللى أخدتى فلوسى، فيه واحد ينسى واحدة اخدت منه 5000 جنيه بحالهم ؟ الف مبروك ع الجايزة يا ستى • ضحكت وقلت له : انت لطيف قوى .. بصراحة ماكنتش فاكراك كده • ليه بقى قالوا لك عليا بعض الناس • لا .. بس كنت فكراك انطوائى ومش بتحب الناس وحاجات من دى يعنى • عشان تعرفى انك ظلمانى .. انا بس مشغول جدا ،وماعنديش وقت للمقابلات و التليفونات ، وزمان لما كنت اعمل حوارات مع صحفيين صغيرين في بعض الجرايد، كانوا بيحرفوا كلامى، ويكتبوا على لسانى كلاما ما قلتهوش، فقررت ما اعملش حوارات في الصحافة تانى ابدا. • بس انا طبعا حاجة تانية،وهاتقابلنى وتعزمنى على شاى وجاتوه • تردد قليلا ثم قال:انتى مواعيدك ايه في الاهرام؟ • ماليش مواعيد محددة..اصلى عاملة فيها كاتبة كبيرة وباتدلع بقى .. • انتى كاتبة كبيرة يا بنتى فعلا، بس لازم تستمرى ..الجايزة دى مجرد بداية، و الطريق لسه طويل. • لا سيدى خلاص ..انا زهقت وعايزة اتجوز واجيب عيال و اسيب الشغل نهائى . • ليه يا بنتى كده .. الجواز والعيال جايين جايين ،لكن الكتابة حرام تسيبيها، ثم انت باين عليكى دمك خفيف، خسارة تتجوزى ..خليكى كده احسن • لأ والنبى سيبنى اتجوز ..انا ما صدقت لقيت الراجل المناسب اللى كنت بدور عليه من زمان • ومين ده يا ستى انشاء الله ؟ • انت .. حضرتك يعنى .. انت اديتنى اسمك في (جايزة احمد رجب) واديتنى فلوسك (5000 جنيه عدا ونقدا معفاة من الضرائب) والراجل اللى يدى لواحدة ست اسمه وفلوسه عن طيب خاطر، اسهل حاجة عليه انه يتجوزها.. • والله برضه وجهة نظر .. بس سيبينى افكر وادور على مأذون كويس وابن حلال • انت لسه هاتفكر وتدور .. مش كفاية اللى انا شيفاه بسببك ..من يوم ما خدت الجايزة، وانا عمالة اصرف فلوسى شمال ويمين، على البلوزات والفساتين، عشان المقابلات والمسؤلين وبرامج الاذاعة والتليفزيون والقنوات الفضائية اللى بتستضيفنى بعد حصولى على جايزة افضل كاتبة كوميدية ساخرة لهذا العام ، انت ما شفتنيش في الاوربت، والأون تى فى ؟ • انا غلبان.. اشتركى لى في الاوربت وانا اشوفك. • وانا اجيب منين فلوس لكل ده..مش كفاية انى بفكر اتبرع بقيمة الجايزة ،لوزارة التعليم عشان يعملوا جوايز للموهوبين في الصحافة المدرسية. • والله فكرة ممتازة • كان عندى امل ما تعجبكش الفكرة عشان اوفر الفلوس واصرفها على عربيتى المخبطة • رد وهو يضحك: لا الفكرة حلوة..اتبرعى بالفلوس كلها وبكرة هاتجيلك فلوس تانية وتنزل على راسك زى المطر .. ما تقلقيش .. انا كمان زمان كان عندى عربيه قديمة،رحت اغير لها الزيت،الراجل بتاع البنزينة بص لى بصة كده... وبعدين قال لى ( زيت ايه يا استاذ اللى انت جاى تغيره؟ انت محتاج تغير العربية كلها)!!! • طب وبالنسبة لموضوع الجواز ؟ • فرق السن ما بينا كبير قوى يا جيهان .. واسمعيها منى كلمة، انا زى الملوك والرؤساء .. ماليش مستقبل ! • طب وبالنسبة لعزومة الشاى والجاتوه في مكتبك؟ • بصراحة ما عنديش وقت خالص طول الاسبوع ده • كل ده عشان تكتب (نص كلمة ) في الاخبار؟ طب ده انا اقل مقال اكتبه في الاهرام بيبقى 7 عماويد جنب بعض ، ومع ذلك عندى وقت اقابل كل اصحابى ، ثم انت خلاص اتشهرت واستقريت مهنيا، لكن انا لسة في مرحلة النمو و محتاجة كل دقيقة من وقتى ،و بالرغم من ذلك وهؤلاء، عمالة احلم بمقابلتنا في مكتبك ، ومن ساعة ما اخدت الجايزة وانا بغنى زى الست ام كلثوم ( هاقابله بكرة ..وبعد بكرة ...) • خلاص يا بنتى .. منطقك قوى، واقنعتينى، هاكلمك تانى واكون شفت ميعاد مناسب ان شاء الله. • لا اذكر ان الاستاذ احمد رجب اتصل بعدها كما قال ، لكن الذى اذكره جيدا ، انى تحمست واشتريت قطع الجاتوه بنفسى، وذهبت احملها في صباح اليوم التالى الى الاخبار، وابلغت مسؤلى الاستقبال هناك باننى على موعد مؤكد مع الاستاذ،لم يصدقونى طبعا .. ، لكنهم اقتنعوا بعدما عرفتهم بنفسى وبأمر الجائزة،فسمحوا لى اخيرا ،بالصعود لمكتبه، ووجدنى الاستاذ احمد رجب امامه على غير انتظار، احمل الجاتوه وابتسم ابتسامة عريضة ،و ارتدى بمنتهى التفاؤل (جاكيت) شتوى احمر قانى ،يليق بهذه المناسبة السعيدة جدا !! ونجحت الفكرة، بل واسمتر لقاؤنا اكثر من ساعتين .. من يومها اصبح مسموحا لى بتبادل الاتصالات التليفونية مع الاستاذ، وتجدد اللقاء في مكتبه ، أكثر من مرة، وعلى مدى سنوات متوالية، حتى حدثت صدفة فريدة من نوعها ، وكانت السبب في حوار صحفى نادر ، قال فيه احمد رجب الكثير عن نفسه وعن الآخرين دون تردد او تفكير، لكنه بدا كما لو كان انتبه ، في النهاية، وانا ادون الحوار على الورق امامه، فقال لى قبل ان اخرج من مكتبه، لى طلب وشرط والا ساقطع علاقتى بك ولن نعود اصدقاء بعد اليوم، نظرت اليه مندهشة وقلت بشئ من الخوف : فيه ايه ؟ • قال بحسم: لا تنشرى هذا الحوار الا بعد موتى .. لا احب ان يقرأ الناس هذا الان • اجبته : ربنا يديك طولة العمر والصحة ..حاضر . والحكاية،ان الاستاذ كتب في (نص كلمة) ذات صباح، عن مذيع شهير في قناة فضائية، واشاد ببرنامجه وشجاعته ، فأرسل المذيع المشهور في نفس اليوم لمكتب الاستاذ سيارة فارهة لها سائق خصوصى انيق ، واتصل يشكر الاستاذ احمد رجب ويدعوه بالحاح كى يأتى بالسيارة للقناة، ويسجل معه سهرة خاصة، في برنامجه، الذى يتابعه الملايين، واراد الاستاذ احمد رجب، ان يعتذر ويتهرب من هذه الدعوة بأى حجة،وكنت في مكتبه وقتها بالصدفة، فقال لى اخرجى من حقيبتك ورقا وقلما حالا، وتظاهرى انك تجرين معى حديثا صحفيا، حتى اذا دخل السائق الان المكتب عرف انى مشغول،ولا تتوقفين عن الكلام والاسئلة ابدا حتى يمل وييأس وينصرف . • نفذت دون تفكير طبعا ، وعجبتنى اللعبة الكوميدية .. لكن اللعبة قلبت بجد، خاصة ان السائق الانيق مبعوث القناة الفضائية، كان هادئا و طويل البال، ولم ينصرف قبل نحو ساعة، كنا قد انتهينا فيها من كلام كثير، تجرأ فيه الاستاذ الى ابعد مدى، والغريب اننا واصلنا الحوار حتى بعد انصراف السائق، ويبدو ان الاستاذ كان قد شعر بارتياح وهو يفرج عن بعض اسرار قلبه ، ويقول : • لو لم اكن صحفيا ، لوددت ان اكون عازفا للكمان .. حاولت التدريب على عزف الموسيقى 3 سنوات متواصلة في معهد جوفانى، لم احب آلة العود، احس انها رمز الكسل وزيادة الوزن في بلاد الشرق، انا عاشق للكمان و يعجبنى فكرة ان اكون مؤلفا موسيقيا ، تصورى انى شاهدت فيلم بيتهوفن 30 مرة(؟ ) ومع ذلك فشلت في العزف على الة الكمان، وبعد 3 سنوات ، جاءنى صاحب المعهد وقال لى ( يا بنى شوفلك هواية تانية .. والله ما انت نافع ) ! • جيهان السادات ذكية جدا • احمد عفيفى ساخر ممتاز،وكامل الشناوى اظرف الظرفاء • ياسر رزق صاحب فكرة جائزة احمد رجب للكتابة الساخرة في نقابة الصحفيين • جوليا روبرتس و ساندرا بولوك نجماتى المفضلات • تحية كاريوكا،حب عمرى، وبعدها لم افكر في الحب ولا في النساء.. كنت سأتزوجها في بداية حياتى، لكنهم في الاخبار ابعدونى عنها . • مديحة كامل،الله يرحمها، كلما رأيت فيلما من افلامها، اشعر بالذنب و احس بحزن وألم شديد، كانت معذبة، و في يوم ارسلت لى جوابا طويلا، تقول انها تثق بى وتريد ان تعرف رأيى ونصيحتى في اشياء تخص حياتها الخاصة، لم اكن وقتها اعرفها ولا شاهدت لها اى عمل فنى ، فأهملت رسالتها، وقيل لى فيما بعد انها ماتت منتحرة، وتركت خلفها ابنة صغيرة، .. يعتصرنى الالم و الذنب،كلما رايت لها فيلما الان. • القمة دائما باردة جدا، حيث الثلج و الوحدة..و حين تكون كاتبا مشهورا ترى الجميع يعرفك وكأنك صديق شخصى لكل واحد فيهم ، لكنك في الحقيقة وحيد ولا تعرف احدا • الحياة قاسية للغاية واحيانا مرعبة، لكنى راض بقضاء الله، وعندى اعتقاد راسخ بأن الله مايسترو عظيم وكل ما يفعله صحيح، ولابد ان يحدث هكذا، كما اراد، حتى تستقيم حركة الكون. • يا بخت من لا يفكر .. ويا شقاء من ليس له راحة من التفكير والفلسفة، غالبية الصحفيين الكبار والمفكريين العظام، ماتوا بسرطان المخ،لأنهم تعدوا على الله،وارادوا ان يعرفوا سببا ومعنى لكل شئ..بينما المخ له حدود،ودائما امامنا حارة سد، ولا توجد اجابات لكل الاسئلة. • شادية بعد كل هذا الفن والمجد، كانت تقول لى: (كل هذا لا يعنينى،ولا يساوى شيئا، يذهب كل شئ ويكون لى طفل اضمه الى صدرى و يقول لى يا ماما) • صدمة حياتى موت زوجتى المفاجئ، وموت اعز اصدقائى (احمد ياسين نقيب الشرفاء) بعد كحة وشربة ماء ذهب الى العالم الاخر امام عينى .. من يومها، اتعمد الا اقترب انسانيا جدا من احد،حتى لا اصدم بفقدانه فجأة. • احمد زكى كان صديقى .. والان، كما يقول المثل الفلاحى( ما فضلش على المداود غير شر البقر) ! • لا معنى للشهرة والثروة بغير صديق مخلص او بغير حب حقيقى في حياتك. • مصطفى حسين صداقة العمر،عبقرى كاريكاتير، خضنا معارك كثيرة معا، وفجأة وجدته مريضا،ويحتضر وكأنه يخوض وحده معارك اخر العمر ولا استطيع ان اكون معه او لاان افعل له اى شئ، وهذا ما جعلنى اشعر بالرعب. • انا احب الناس، لكنى اجلس مع احمد رجب كثيرا ، واتأمل الدنيا ، وحين يمتلئ عقلى بفكرة، يكون كأنه (حامل)، فلا اتحرك كثيرا، الشارع لا يصلح للمشى، وفى النادى يطاردنى الناس بالمشكلات والطلبات والاحاديث المطولة، وطلب الوساطة، وانا ضد الاستثناءات والوساطة حتى في محيط عائلتى. • احيانا تخطر لى فكرة كوميدية وانا اسير وحدى في الشارع فاضحك (من نفسى كده) واخاف ان يرانى احد و يقول الراجل ده مجنون .. لذا دربت نفسى اكثر من مرة ،حتى استطعت ان اضع على وجهى تعبيرات جادة اقرب الى التكشيرة،فأصبحت اذا رأيت نجيب الريحانى نفسه، استطيع ان اكتم ضحكى واتحكم في تعبيراتى. • داخل كل امرأة شاعر وتاجر .. الشاعر بيحب، والتاجر بيحسبها ...نصيحتى لك ، اذا احببت رجلا لا تضحكى كثيرا امامه، عامليه بجدية، وقليل من المبالاة ، عبد الوهاب لم يتزوج الا المرأة التى اعطته احساسا بأنه لا يشغل اكثر من جزء بسيط من حياتها واهتماماتها . • لم تكن هذه اخر نصائح الاستاذ لى، ولا اخر كلامه معى،بل قال وتمادى وزاد على ماسبق، ما يستحق النشر في حلقات اخرى .. يومها حين نهض الاستاذ ، ولملم اوراقه وأشياءه وهم يغادر مكتبه، نظر نحوى فوجدنى مشدوهة بالكنز الذى افضى لى به، لدرجة الزمتنى مقعدى دون تفكير في اى حركة لأى اتجاه. قال لى مازحا : جيهان .. انا نازل من المكتب .. حضرتك مش هاتنزلى؟ • هززت راسى ورددت : أه .. طبعا ... اكيد ...... • ضحك وقال : عملتى زى الصعيدى اللى جرى ورا حرامى و سبقه..