مع كل ورقة ووثيقة من الأوراق القديمة تنكشف لنا الكثير من الأسرار عن عالم ذهب برجاله وأسراره ولم يتبق منه الإ بعض الحكايات خطها المؤرخون بما توفر لديهم من خيوط عن الماضى ولكن الوثائق لا تكذب ولا تجمل الماضى أو حتى تقبحه ، فقط هى تكشف أسراره ومنها هذه الوثيقة التى تحمل بعد اقتصادى ووطنى خطير والتى أعرضها هذا الأسبوع هى عبارة عن منشور مرسل من نظارة المالية للجهات المعنية فى نظارة الأشغال العمومية بتاريخ 31 مايو 1891 - عهد الخديو توفيق - وبإمضاء عبد الرحمن باشا رشدى ناظر المالية بشأن قبول العملة الذهب المصرية فى خزائن الحكومة فيقول المنشور : بخصوص التعليمات الصادرة من نظارة المالية بشأن قبول العملة الذهب المصرية بخزائن الحكومة ، نستلفت نظركم الى التعليمات التى تضمنها منشور 8 أكتوبر 1890 على التأكيدات السابق صدورها الى صيارف ( صرافى ) الخزن وصيارف البلاد لم يقصد بها الا تنبيه المذكورين الى وجوب إتخاذ الإحتياطات اللازمة التى تقيهم من قبول العملة البرانية والمغشوشة فى التسديدات التى ترد اليهم ، ولكن بقدر ما يجب أن يكون هؤلاء المأمورون دقيقين فى قبول العملة الذى يظهر لهم جلياً أنها برانية أو مغشوشة بقدر ما يلزمهم بنوع عمومى أن يجعلوا تسهيلات كلية لقبول الجنية المصرى بين العامة وإذا سلكوا بعكس ذلك فيكونوا أضروا جداً فى حركة الأشغال التجارية والأشغال الخصوصية وسببوا بذلك نقصاً فى سعر الجنية ، بناء عليه يقتضى أن تصدروا الى صيارف الخزن وصيارف البلاد الموجودين تحت إدارتكم التعليمات والتأكيدات القاطعة فى هذا الخصوص لمنع التشكيكات الواردة للمالية من كل جهة بشأن الإرتباك الحاصل فى تبادل العملة الذهب المصرية. ومن هذه الوثيقة نتبين أن الحكومة فى عهد الخديو توفيق وهو ابن الخديو إسماعيل و سادس حكام الأسرة العلوية كانت تسعى وبشدة ليحل الجنيه المصرى الذهبى محل العملات الإجنبية المنتشرة فى مصر فى ذلك الوقت أو على الاقل ليأخذ مكاناً لائقاً بينهم ، حيث كانت مصر تضم على أرضها عددا كبيرا من الجاليات الأجنبية من فرنسية وإنجليزية وتركية وأرمينية وغيرها وكانت كل جالية تتعامل بعملة دولتها ، فكان قرار الحكومة المصرية بدعوة الناس لاستخدام الجنيه المصرى الذهبى مما من شأنه رفع الاقتصاد المصرى مع التنبيه على العاملين بالمجال الاقتصادى وفى خزائن الحكومة بتوخى الحذر من العملات المغشوشة التى كانت منتشرة فى ذلك الوقت بخلط المعادن الرخيصة بالذهب واستخدامها الى أن ينكشف أمرها بعد فترة وجيزة على أن يتم ذلك بشكل دبلوماسى حتى لا ينفر الناس من استخدام الجنيه المصرى أو وتتكبد الحكومة خسائر مادية كثيرة. وللجنيه الذهبى المصرى حكاية يحكيها الدكتور أشرف رضا فى كتابه «فنون مصرية على العملات الورقية» فيقول إن البداية كانت حينما أصدر محمد على باشا فرمانا عام 1806 حدد فيه النقود المتداولة والمعترف بها قانونا وهى «زر المحبوب ونصف زر المحبوب - وهى عملات كانت موجودة أساساً منذ أيام المماليك - والعملات الفضية والنحاسية»، إلا أن مصر ظلت دون وحدة نقدية محددة حتى عام 1834، حينما أصدر فرمانا جديدا يقضى بإصدار عملة مصرية تستخدم «المعدنين الذهب والفضة» يكون لكل منهما قوة غير محدودة، فكانت وحدة النقود قطعة ذهبية قيمتها 20 قرشا اسمها «الريال الذهبى» وقطعة من الفضة ذات 20 قرشا أيضاً تسمى «الريال الفضة»... إلى أن صدرت أولى العملات المصرية عام 1836، وكانت فئاتها كالتالى: «الذهب 100 قرش - 50 قرشا - 20 قرشا - 10 قروش»، والفضة «20 قرشا - 10 قروش - 5 قروش - 2 قرش»، ونيكل وبرونز «10 بارات - 5 بارات - 1 بارة». ولأن قطع النقود الأجنبية كانت تستعمل بكثرة فى السوق المصرية لسد حاجة المعاملات التجارية الخارجية، حدد محمد على باشا أسعارا قانونية لأهم أنواع العملات الأجنبية ومن ثم أصبحت تُقبل فى تسوية المعاملات الداخلية بقوة القانون. وكانت التجارة الخارجية تتجه بمصر إلى أن تتبع معظم تعاملاتها قاعدة الذهب خاصة مع إنجلترا، ومن ثم حدث عزوف تدريجى عن قبول الفضة كأساس نقدى فى التعاملات المالية، وبعد مرور 30 عاما على هذا الفرمان صدر قانون الإصلاح النقدى فى عهدى الخديو سعيد باشا وإسماعيل باشا ليصدر قانون العملة الموحدة عام 1885 وهى الجنيه المصرى الذهبى ، وفى الوقت الذى أجازت فيه الحكومة الجنيه الذهبى كوحدة نقدية موحدة، أجازت استمرار التداول بالعملات الذهبية الأخرى كالجنيه الإسترلينى والبنتو الفرنسى والجنيه التركى لعدم كفاية المسكوك من الجنيه الذهبى المصرى على أن يتوقف التداول بها كلها عندما تبلغ المسكوكات من الجنيهات المصرية الذهبية مقدارا كافيا. [email protected]