تلقت جماعة الإخوان المسلمين ثانى ضربة من المحكمة الجنائية الدولية برفض طلبها بمحاكمة المسئولين كمجرمى حرب، إذ رفضت الدائرة التمهيدية بالمحكمة يوم 20 سبتمبر الحالى الطلبين المقدمين بتاريخ 5 سبتمبر 2014 المتقدم بهما الرئيس المعزول محمد مرسى ومتضامنا معه حزب الحرية والعدالة بإعادة النظر بقرار المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية فى 23 أبريل 2014، وقرار مسجل المحكمة أيضا فى 25 أبريل 2014 واللذين رفضا دعوى الفريق القانونى للحزب بملاحقة كبار المسئولين بعد 30 يونيو بزعم ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بمصر. و أكد الدكتور أيمن سلامة خبير القانون الدولى والجنائى أن الفريق القانونى للحزب زعم أن المادة 46 بند 3 من لائحة المحكمة تتيح للدائرة التمهيدية للمحكمة مراجعة قرار المدعى العام للمحكمة الصادر في23 أبريل الماضي، الذى لم يجد أساسًا معقولا لتحريك الدعوى لملاحقة المسئولين المصريين. أكدت المحكمة فى قرارها رفض الطلبين أن تلك المادة، لا تعدو أن تكون نصًا إداريًا محضًا، ينظم ويحدد الغرف المخصصة طبقا لدورها النظر بالدعاوى المرفوعة أمام المحكمة، وأنه لا يمكن استنتاج أى حقوق منه، كما أكدت الدائرة أيضا أن تناول أى مسألة أو طلب بواسطة الدائرة التمهيدية فإنها ستطبق القانون المطبق بالمحكمة نظامها الأساسى وليس اللائحة التنظيمية للمحكمة التى استند عليها الإخوان فى رفع الدعوة. وكان أهم ما ورد فى قرار الرفض حسب قول سلامة: تأكيد المحكمة أن مراجعة قرار المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية ووفقا لنص المادة 53 بند 1 من نظام المحكمة يبدأ بطلب يقدم من الدولة الطرف بالنظام الأساسى للمحكمة أو مجلس الأمن، ما إذا كان المجلس أحال الحالة بمصر للمحكمة، وهذين الركنيين الجوهريين لأعمال المراجعة لم يتحققا على وجه الإطلاق فى دعوة الإخوان. انتهت المحكمة فى قرارها بعبارة مانعة شاملة « ترفض المحكمة الطلب فى كليته «. ويدلل قرار المحكمة بما لا يدع مجالًا للشك أو تأويل مدى التزامها الصارم بالنظام الأساسى للمحكمة الذى لا تستطيع هيئتها أن تتجاوزه. وقد استند قرار الرفض لمجموعة من الأسانيد القانونية، وفى نفس الوقت كان كاشفًا لأمرين: الأول سياسي, عن مدى التخبط والمصير البائس الذى لا محال ينتظر الجماعة فى سائر المحافل الدولية. والثانى قانوني، حيث يدحض قرار المحكمة الادعاءات والأباطيل ضد مشروعية سلطة ما بعد 30 يونيه. فطالما حاولت الجماعة الإرهابية، أن تنازع فى سلطة تمثيل الدولة المصرية بالمحافل الدولية, منها الجنائية الدولية, فتقدمت لمسجل المحكمة، عبر فريقها القانونى فى 13 ديسمبر 2013, تلتمس ممارسة المحكمة اختصاصها عملا بالمادة 12 بند 3 من نظام روما الأساسى فيما يتعلق بالجرائم المزعوم ارتكابها منذ يوليه 2013. حيث تتيح المادة للدولة غير الطرف بالنظام الأساسى للمحكمة بأن تعلن المحكمة صراحة، وبشكل رسمى عن قبولها ممارسة المحكمة لاختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث, وتعد هذه الآلية أحد الشروط القانونية المسبقة لممارسة المحكمة اختصاصها المقرر بموجب النظام الأساسى للمحكمة. لقد وضحت المحكمة الجنائية الدولية فى 8 مايو الماضى كافة الإجراءات الشكلية والأسانيد القانونية التى استند إليها مكتب المدعى العام للمحكمة فى رفضه الحاسم قبول طلب الإخوان واختصاص المحكمة بملاحقة كبار المسئولين المصريين بعد 30 يونيه جنائيا. فقد أشارت المحكمة فى بيانها الصحفى المتقدم إلى أن مسجل المحكمة بعد اجتماعه فى مقر المحكمة بلاهاى بالفريق القانونى الممثل للجماعة الإرهابية, أحال هذه الوثائق إلى مكتب المدعى العام للمحكمة, وتلقى مكتب المدعى العام أيضا معلومات إضافية من محامى مقدمى الطلب وعقد اجتماعات معهم, حيث تسمح المادة 15 من النظام الأساسى للمحكمة للمدعى العام للمحكمة أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات بجرائم تخل فى اختصاص المحكمة. بعد إجراء تحليل وقائعى وقانونى دقيق للرسالة والمعلومات الإضافية من مقدم الطلب, وأنه وفقا لهذا الإجراء فقد خلص مكتب المدعى العام, أن الإعلان المزعوم المقدم إلى مسجل المحكمة فى 13 ديسمبر 2013 لم يقدمه, وفقا للقانون الدولي, أى شخصية تتمتع بسلطة قانونية أو يحمل وثيقة تفويض لتمثل مصر وطلب ممارسة المحكمة اختصاصها الجنائي. أى باختصار, لم يكن لمقدمى الطلب حق التقاضي. استندت المحكمة لاتفاقية فينيا لعام 1969لتحديد الأشخاص الذين يتمتعون بالسلطة وهم: رئيس الدولة, أو رئيس الوزراء, أو وزير الخارجية, بالإضافة لأى شخصية رسمية أخرى تحمل تفويض رسمي. كما أكد مكتب المدعى العام أن المزاعم التى تحتويها الرسالة التى قدمها الفريق القانونى للجماعة خارجة عن الاختصاص الإقليمى والشخصى للمحكمة, ومن ثم قرر أنه لا يستطيع المضى فى إجراءات شكوى مقدمى الطلب أو فحص الجرائم المزعوم ارتكابها فى الدولة أى مصر. بالإضافة لإقرار بالولاية الفعلية لسلطة ما بعد 3 يوليه التى مارست سيطرتها الفعلية على الأراضى المصرية، حيث تؤكد القواعد القانونية الدولية، أن الكيان الذى يسيطر فعليا على إقليم دولة ما, ويتمتع بالطاعة المعتادة من معظم السكان, ويتوقع استمراريته على نحو معقول, يعترف به كحكومة لتلك الدولة بموجب القانون الدولي. وبتطبيق هذا المعيار على كل من تاريخ تقديم الطلب والتوقيع عليه, يستنتج أن الرئيس السابق لم يعد حائزا على السلطة الحكومية ولم يكن متمتعا بالصفة القانونية التى تخوله تحمل التزامات قانونية دولية جديدة بالنيابة عن دولة مصر. وردا على الافتراءات التى رددتها الجماعة، أن المحكمة تلقت رشاوى مالية من دول معينة لرفض النظر بالقضية، فقد أكد مكتب المدعى العام, أنه تصرف فى جميع الأوقات, بشكل صارم وفقا للنطاق القانونى ونظام روما الأساسي, وهو المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية. وأكد سلامة أن قرار المحكمة عكس المبادئ الدستورية والقانونية المستقرة منذ عهد الإغريق, وهى أن الديمقراطية الشعبية المباشرة التفويض الشعبى هى التعبير الأمثل والأصدق والأصح عن الإرادة الشعبية, بل هى أصل الديمقراطيات قاطبة. فالشعوب هى فقط التى تمنح وتمنع, وهى التى تنصب الحكام على عروشهم وتخلعهم عنها, إن استبدوا أو خانوا الأمانة والوديعة التى أودعت فيهم وهى إرادة الشعب. كما دحض قرار المحكمة ادعاء الجماعة بأن قرار الاتحاد الأفريقى بتعليق مشاركة مصر فى أنشطته يشير لوجود رفض جماعى للاعتراف بالسلطة الجديدة, فإن مكتب المدعى العام خلص إلى أن هذا لا يعتبر استمرار بالاعتراف بمرسى كرئيس للدولة. وختم سلامة أن قرار 12 سبتمبر الحالى يعد أقوى سند يدعم ويكشف عن حقيقة قانونية وواقعة مادة أيضا: أن السلطات فى مصر ما بعد ثورة 30 يونيو سلطة شرعية التى اختارها الشعب وتأكدت بالعديد من الاستحقاقات الشعبية قبل الدستورية.