خالد شاب فى بداية الثلاثينيات لم يكن يتخيل أن يفقد أصابع قدمه وهو فى مقتبل العمر، تعامل مع إصابته بالسكر على أنها نزلة برد، لم يعر الخبر اهتماماً، فالعديد من معارفه وأقربائه مصابون بالمرض، تطور الأمر إلى قصور شديد فى الدورة الدموية بأطراف الأصابع، أصيب بجرح فى قدمه، الآلام لا تطاق والعلاج لم يعد يجدى نفعاً، تردد بكثافة على المستشفيات الحكومية وأصبح زبوناً دائماً لمراكز السكر، بذل الأطباء جهوداً جبارة ولكن.. سبق السيف العزل، ولا بديل عن البتر. مرض السكر من أخطر ما يصيب الإنسان، فالإهمال فى علاجه يسبب أضراراً بالغة للأعصاب والأوعية الدموية، ويمكن أن يتسبب فى مضاعفات خطيرة مثل أمراض القلب والسكتة وأمراض الكلى والعمى والقدم السكرية، ويؤدى فى بعض الأحيان إلى بتر الأطراف، أو الدخول فى غيبوبة قد تسبب الوفاة. ليس سراً أن عدد مرضى السكر فى مصر يزيد على 7,5 مليون مواطن تحتل بهم أم الدنيا المركز التاسع عالمياً فى نسبة انتشار المرض طبقاً لأحدث إحصائيات 2014 والمؤكدة من الجمعية المصرية للسكر ودهنيات الدم. والمحزن أن هناك أطفالاً رضع يولدون وهم مصابون بالمرض وراثياً، تقول الدكتورة عبير عزت مديرة مركز السكر بالمصل واللقاح نبيل الطفل البريء ذو الابتسامة العذبة هو أصغر المترددين على المركز، فهو لم يتجاوز العامين من العمر، ومصاب بالسكر من النوع الأول، دائماً ما يأتى بصحبة والديه ليحصل على علاجه من الأنسولين. وتوضح يتردد على المركز أكثر من 250 حالة يومياً معظمهم يعانى من الثلاثى القاتل الفقر والمرض والجهل، فالسكر من الأمراض التى تحتاج وعياً ومعرفة بطبيعة المرض وكيفية التعايش معه، لتجنب الإصابة بالمضاعفات، والحياة بصورة طبيعية. وترجع خطورة مرض السكر إلى أنه من الأمراض التى لم يكتشف علاج شاف منها خاصة بالنسبة للنوع الأول الذى يعجز الجسم فيه عن انتاج الأنسولين، ولا يوجد بديل أمام المريض سوى التعايش مع المرض وتناول العلاج بانتظام. الأنسولين هو إكسير الحياة لمرضى السكر، ونقصانه فى السوق كارثة تتردد أصداؤها بسرعة البرق لتتصدر وسائل الإعلام وتتحول إلى قضية رأى عام، فالأنسولين ليس دواء عادياً له العديد من البدائل، ولكنه يلتصق بشكل وثيق بحياة الملايين من مرضى السكر فى مصر لا يفرق بين الأطفال والشباب أو الشيوخ وكبار السن . مؤخراً أعلنت وزارة التعاون الدولى خبراً أثلج صدور الملايين من المصريين، وبث لديهم الأمل فى أن يودعوا إلى الأبد أزمات الأنسولين التى كانت تظهر فى السوق المصرية كل فترة وأخرى خاصة فى العقد الأول من القرن الحالي، مفاده أن وزارة الصحة ستتعاقد مع أكبر شركة مصنعة للأنسولين فى العالم لإنتاج الأنسولين محلياً بكميات تغطى احتياجات السوق المصرية وتحقق فائضا للتصدير. توجهت «الأهرام» إلى الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات التابعة لوزارة الصحة للوقوف على حقيقة الشراكة المصرية الأوروربية لتصنيع الأنسولين داخل معامل الشركة. أعلى تكنولوجيا فى العالم لتصنيع الدواء سيتم نقلها إلى مصر ووداعاً لأزمات الأنسولين بلهجة حماسية بدأ الدكتور نبيل الببلاوى رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للشركة المصرية لانتاج الأمصال واللقاحات والأدوية حديثه موضحاً السوق المصرية تستهلك سنوياً 18 مليون زجاجة أنسولين، ومن المتوقع أن تصل طاقة انتاج المصنع الجديد بالشراكة مع الجانب الأوروبى الى ما بين 20 مليونا إلى 25 مليون زجاجة فى حالة عمل المصنع بنظام الوردية الواحدة، ويتضاعف حجم الانتاج عند تشغيل ورديتين. ويضيف الدكتور عادل عدوى وزير الصحة بذل مجهوداً كبيراً للخروج بهذه الاتفاقية إلى النور، سعياً لتخفيف الأعباء عن مرضى السكر، وتوفير دواء عالى الجودة لهم وتثبيت سعر توريد الأنسولين للوزارة التى تمنحه للمرضى مجاناً. ومن المنتظر أن يتم توقيع الاتفاقية بين الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات، والجانب الأوروبى خلال أيام ليتم البدء فى تنفيذها على الفور، يقول الدكتور الببلاوى الاتفاقية تتضمن عدة مراحل تبدأ بالتغليف، وتنتهى بتغطية احتياجات السوق المصرية بنسبة مائة فى المائة عام 2020. وتبدأ مرحلة التغليف بطاقة من 3 إلى 9 ملايين زجاجة سنوياً تزداد مع الوقت، لتبدأ بعدها المرحلة الثانية، وهى التصنيع عام 2018 بطاقة 10 ملايين زجاجة سنوياً تتضاعف خلال عامين لتحقق الاكتفاء الذاتى لمصر، مع إمكانية تصدير الفائض للخارج. وبنفس الحماسة يقول رئيس شركة الأمصال سعادتى بالاتفاقية مضاعفة فهى لا تقتصر على تصنيع الأنسولين محلياً، ولكنها تمتد لتقديم أعلى مستوى من الرعاية لمرضى السكر فى جميع أنحاء الجمهورية. ويشرح الدكتور الببلاوى العقد مع الجانب الأوروبى يشمل تجهيز 26 مركزاً لأبحاث السكر ومتابعة المرضى فى 26 محافظة، سيتم إنشاؤها خلال 3 سنوات من التوقيع، وسيتم افتتاح أول هذه المراكز بمقر القابضة للأمصال واللقاحات. ويضيف هذه المراكز ستكون مماثلة لنظيرتها فى أوروبا، وستقدم خدمات التحاليل والتشخيص شديد الدقة للمرض، وتحديد نوع العلاج، ومتابعة المضاعفات، وستكون تبعيتها لوزارة الصحة. ويوضح الدكتور نبيل عن أن هذه المراكز سيتم ربطها بمركز معلومات فى معهد السكر، يقوم بتجميع المعلومات منها، لوضع خريطة دقيقة وتفصيلية لمرض السكر فى مصر، وهو الأمر الذى من شأنه أن يساعد إلى حد كبير فى مساعدة مرضى السكر على الوقاية من المضاعفات، مما يقلل من معدلات الإصابة بالفشل الكلوى وأمراض العيون وبتر الأطراف وأمراض القلب، لافتاً إلى أن ربع مرضى الفشل الكلوى فى مصر نتيجة مضاعفات مرض السكر. وفى بشرى سارة للمرضى يكشف الدكتور نبيل عن أن الجانب الأوروبى سيقدم من خلال مراكز أبحاث السكر 60 ألف قلم أنسولين سنوياً مجاناً للحالات الأكثر خطورة التى تحددها المراكز، وهى حالات السكر غير المتحكم فيه. وسيتم تدريب العاملين بهذه المراكز على التعامل بكفاءة مع الأجهزة الحديثة الموجودة بها، والنظم الأوروبية فى إدارة هذه المراكز لتحقيق الاستفادة القصوى منها، والتخفيف عن المرضي. وتشير التوقعات إلى أن معدل الإصابة بالسكر فى مصر سيصل إلى 13 مليون حالة عام 2030، وتؤكد الأبحاث والدراسات الدولية أن معدل الإصابة بالمرض فى مصر مرتفع بصورة كبيرة بسبب أساليب الحياة غير الصحية والممارسات الغذائية الخاطئة، بالإضافة إلى العوامل الوراثية، وتجاهل عدد كبير من المرضى لنصائح الأطباء، مما يعرضهم لمخاطر صحية كبيرة. ويمثل مرض السكرومضاعفاته عبئا اقتصاديا كبيرا على ميزانية الدولة سواء بشكل مباشر من خلال موازنة الصحة أوبسبب انخفاض القدرات الانتاجية للمرضي.