ذهب رجل إيطالى فى الستين من العمر للتسوق فى أحد شوارع ميلانو التجارية الشهيرة بالماركات العالمية لشراء حذاء-صادفة مكتب تسويق يعرض رحلات سياحية لدول العالم المختلفة ومنها رحلة الى مدينة الغردقة شد انتباه الرجل ان سعر السفر الى هذه المدينة وقضاء اسبوع على شواطئها شاملة السفر بالطائرة واقامة كاملة (فطار-غداء-عشاء-جميع المشروبات) يصل الى 300 يورو فقط فى حين أن سعر الحذاء الذى إنتوى شراءه يصل الى 500 يورو فقرر الرجل على الفور أن يصطحب زوجته متوجها إلى الغردقة ومؤجلا مشروع شراء الحذاء.!! سرد لى هذه القصة صاحب شركة سياحية - رافضا ذكر اسمه ليلخص لنا مدى التدنى الذى وصلت إليه اسعار السياحة فى مصر.. ويكفى ان تجرى بحثا عبر محرك البحث «جوجل» عن شركات السياحة التركية الجالبة للسياحة الروسية لتكتشف بنفسك الأسعار الرخيصة التى تباع بها مقاصدنا السياحية الفريدة وستفاجأ بأن الأسعار لاتزيد عن 600 دولار شاملة الاقامة كاملة All-inclusive. بالطائرة والتى يصل سعرها إلى 500 دولار وبعد خصم عمولة الشركة وخدمات النقل تكتشف ان سعر الاقامة فى الفندق يتراوح فى احسن الأحوال بين 15 و20 دولارا في الليلة الواحدة. انها قمة المأساة ان نهدر مواردنا الطبيعية بهذا الشكل المخجل الذى أدى الى ان تكون السياحة عبئا على اقتصادنا القومى بدلا من ان تكون مصدرا ثريا لزيادة الدخل من العملة الصعبة - وهنا أدركت ماذا كان يقصد المهندس اسامة كمال وزير البترول الأسبق عندما اكد لى أثناء وجوده فى الوزارة ان الدولة تدعم السائح كما تدعم المواطن ! فى الحقيقة أن أسعار السياحة المصرية وصلت الى المنطقة الخطر التى لا يصح السكوت عنها لأنها فى النهاية تمس سمعة مصر التى وصلت الى الخط الأحمر وتستدعى تدخل الدولة بكل قوة لضبطها ولا تنشغل بمبررات اصحاب الفنادق الواهية لأنهم لا يضرون انفسهم فقط بل يضرون مصر كلها ويهدرون ثرواتها الطبيعية دون مقابل. وللأسف استغل منظم الرحلات قلة أعداد السائحين وزيادة عدد الغرف الفندقية المعروضة ليتلاعب بأسعار الفنادق كما يشاء وما يدعوا للأسف أن أصحاب الفنادق يوافقون على الأسعار التى يعرضها عليهم مما يدفعة للضغط أكثر وأكثر ليحصل على أقل سعر ممكن وهذا تجده جليا عندما تحضر البورصات الدولية الرئيسية فى الخارج مثل بورصة WTM فى لندن- وال ITB فى برلين - وال Bit فى ميلانو، حيث تجد اصحاب الفنادق يتصارعون من أجل البيع بأقل الأسعار ويساعدهم فى ذلك شركات السياحة المصرية ويستغل منظم الرحلات الأجنبى هذا الصراع ليحقق أكبر مكسب ممكن. صاحب الفندق الذى وافق على البيع بحوالى 20 دولارا يجد نفسه مضطرا الى التنازل عن الجودة والخدمة الجيدة أو حتى إجراء عمليات الصيانة الضرورية للفندق مما يفسر لنا الشكاوى المتكررة للنزلاء من سوء الأطعمة والمشروبات والخدمة. هذه الأسعار أيضا جعلت فنادق ذات الثلاث نجوم تغلق ابوابها وتخرج تماما من المنافسة او الوجود فى السوق لأنها وجدت ان فنادق الخمس والأربع نجوم تبيع بنفس أسعارها. حسام الشاعر رئيس غرفة شركات السياحة اكد ان سمعة مصر السياحية أصبحت على المحك ولابد من ايجاد حلول واقعية وسريعة لضبط الأسعار خاصة ان هذا التدنى يضر الدولة فى مصادرها من الدخل القومى وبرر اتجاه أصحاب الفنادق الى الموافقة على هذه الأسعار الى قلة أعداد السائحين والضغوط العديدة التى تمارس عليهم من البنوك وغيرها. وطالب الشاعر من وزير السياحة هشام زعزوع أن يتدخل ويفعل القانون لضبط الأسعار والحفاظ على سمعة مصر فى الخارج وقال اننا فى احتياج الأن الى تطبيق القانون وتدخل الدولة حتى لو كان هذا التدخل لمدة محددة. وعن الية ضبط الأسعار قال ان وزارة السياحة تستطيع أن تحدد اسعار البيع للفنادق حسب مستوى التقيم فيكون هناك سعر أدنى لفنادق الخمسة والأربعة والثلاثة نجوم يكون ملزما لها حال تعاقدها مع منظم الرحلات الأجنبي - مضيفا ان مراقبة ذلك ومتابعته أصبحت سهلة ومتاحة للجميع من خلال شبكة الإنترنت والمواقع الالكترونية لشركات السياحة الأجنبية التى تتعامل مع مقاصدنا السياحية المختلفة بالاضافة الى «الكتالوجات» التى تعرض فيها هذه الشركات برامجها واسعارها مع كل دول العالم ومنها مصر. المهندس أيوب عدلى أيوب - مستثمر وخبير سياحي- أتفق مع ما سبق وأكد أن هناك فنادق ما زالت تحافظ على اسعارها التى تتناسب مع ما تقدمة من خدمات ذات جودة تليق بفنادق الخمس نجوم مضيفا انه يجب وضع رقابة صارمة على الأسعار لأنها فى النهاية تضر بسمعة مصر وبسمعة صناعة السياحة. واكد ايوب انه يرفض تماما البيع بأسعار متدينة لأن ذلك سينعكس على مستوى الخدمة المقدمة للنزلاء، وقال ان منظمى الرحلات من مختلف دول العالم يتعاملون مع الفنادق التى تراعى الجودة فيما تقدمة لعملائها ويهربون من الفنادق التى تعرض عليهم اسعار متدنية. أثناء زيارة المهندس ابراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء الى الساحل الشمالى الأسبوع الماضى طلب من المستثمرين ايضا بضبط الأسعار حتى تعود لمصر مكانتها ورونقها وتفردها. وايضا أثناء زيارة وزير السياحة هشام زعزوع لمدينة شرم الشيخ برفقة رئيس الوزراء صرح بأنه يدرس إصدار قرارات ملزمة للفنادق والقرى السياحية بتطبيق المعايير الدولية للجودة مؤكدا ان تطبيق هذه المعايير سوف تجبر الفندق على التعاقد بأسعار مرتفعة تتناسب مع ما يقدمة من خدمة حتى يكون لدية فائض من الأموال اللازمة للأنفاق على ما يلزم لتحقيق الجودة والخدمة المتميزة. مضيفا ان من يخل بتطبيق هذه المعايير سيتعرض لعقوبة.وأشار ايضا الى أنه بصدد الأجتماع مع قطاع السياحة للبحث عن الألية المناسبة لذلك. ..كثير من مستثمرى السياحة وجدوا ان طرح وزير السياحة سيتطلب وجود موظفين على مستوى عال من الخبرة والمهنية وان يكونوا ايضا على دراية كاملة بالمعايير الدولية حتى يستطيعوا تقيم الفنادق ومتابعتها بصفة مستمرة - واذا تكلمنا بواقعية ودون مجاملة فسنجد ان أعداد المؤهلين فعليا غير كافية لمراقبة المئات من الفنادق والقرى السياحية. ولذلك فقد أقترح البعض أن يتم التعاقد مع شركات تقييم عالمية لمراقبة الفنادق ومساعدتها لتطبيق معايير الجودة الدولية لتتماثل الفنادق المصرية على إختلاف مستوياتها مع نظيرتها فى الدول الأوروبية والدول المنافسة لنا. ولكى نكون واقعيين ولانحمل الواقع المصرى بعد 25 يناير 2011 أكثر مما يحتمل فأن مسلسل تراجع الأسعار بدء مع منتصف التسعينيات ونستطيع أن نرصد ذلك إذا ما رجعنا بالذاكرة الى الثمانينيات من القرن الماضى فسنفاجأ أن أسعار السفر الى مصر كانت من أعلى الأسعار على مستوى العالم حيث كانت لا تقل الأسعار عن 200 دولار فى الليلة الواحدة وجبتين فقط ودون مشروبات. والحق يقال أن وزير السياحة الأسبق الدكتور ممدوح البلتاجى بالتعاون مع الفنادق والشركات السياحية قد بدأ فى اتخاذ خطوات جادة لضبط الأسعار ونجح الى حد بعيد فى تحقيق هذا الهدف وعادت الأسعار الى معدلاتها الطبيعية. ..قضية تدنى أسعار السياحة بهذا الشكل الذى يدعو الى الخجل يفرض على وزارة السياحة التحرك سريعا والتدخل بكل بقوة والبحث عن الشكل والآلية المناسبة لوضع حد لهذا التراجع المخيف الذى يضر بسمعة مصر فى الخارج ويجعلها أرخص بلد فى العالم.