حان الوقت لكى تدخل مصر عصر محطات تحلية المياه العملاقة، وأصبح من الضرورى إنشاء محطات على سواحل البحرين المتوسط والأحمر وعلى ضفاف البحيرات المرّة لتغذية المحافظات الحدودية فى سيناءوالبحر الأحمر ومطروح.وليس من المقبول ولا المنطقى أن تكون أكبر محطة لتحلية المياه فى مصر حتى الآن بطاقة 10 آلاف م3 يوم حتى الآن. وكما يقول اللواء مهندس مختار قنديل، رئيس جهاز تعمير سيناء السابق، إنه يجب الدخول بقوة فى عالم صناعة مكونات محطات تحلية المياه لتحقيق الاكتفاء الذاتى على أحدث تكنولوجيا عالمية، والاستفادة من الخبرات الفنية المتوافرة فى مصر. وإذا علمنا أن المعدل العالمى لاستهلاك مياه الشرب هو ما بين 250 و 300 لتر/ فرد/ يوم فإن نصيب المواطن المصرى لايزيد حاليا على 100لتر/ فرد/ يوم. وعلى السواحل المصرية حيث تتراوح ملوحة المياه ما بين 35 و 44 ألف جزء/المليون نحتاج إلى تحلية لتصل إلى درجة من صفر ملوحة وحتى 500 مليون جزء/المليون طبقا للمواصفات العالمية والهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحى. وكما يؤكد المهندس عبدالحليم درويش، خبير إنشاء محطات التحلية والمياه، فإن الدولة قامت خلال السنوات الأخيرة، بتوصيل مياه النيل إلى المدن الساحلية بطول 310 كيلو مترات من مآخذ فى محافظة قنا، كما قامت بتوصيل مياه النيل من مدينة الكريمات إلى مدن الزعفرانة رأس غارب مرورا بالعين السخنة بطول 520 كيلو مترا، ومن مدينة القنطرة إلى العريش ورفح بطول 200 كيلو متر، ثم من ترعة النصر على الرياح المنوفى حتى مرسى مطروح بطول 320 كيلو مترا. ويفسر درويش ذلك هندسيا واقتصاديا بأن متوسط تكلفة المتر من مواسير وروافع يبلغ 120 ألف جنيه لانتاج 200 ألف م3/يوم فى مشروع عمره الافتراضى 50 عاما ليصل إلى نتيجة مؤداها أن تكلفة وصول المتر المكعب لهذه المدن يبلغ 45 جنيها، فى حين أن تكلفته باستخدام تكنولوجيا تحلية مياه البحر إلى 3 جنيهات و25 قرشا فقط وهو ما يعنى أن الدولة تخسر سنويا من توصيل مياه النيل إلى المدن الساحلية 100 مليون و800 ألف جنيه. اللواء قنديل يقول إن الجهاز المركزى للاحصاء أعد دراسة تشير إلى أن إجمالى الموارد المائية فى مصر عام 2017 سيصل إلى 714 مليار متر مكعب (مياه النيل آبار أمطار) فى مقابل احتياجات تصل إلى 862 مليارا لعدد سكان سيبلغ 100 مليون نسمة ويتساءل ما هى الضرورة فى توصيل مياه النيل إلى سانت كاترين والمدن الأخرى على ساحل البحرين الأبيض والأحمر، ويؤكد أنه لا حل، فجميع المدن الساحلية ستشرب عاجلا أم آجلا من المياه المحلاة، مستشهدا بالسعودية حيث تنتج 10 ملايين متر مكعب يوميا من البحر الأحمر والخليج العربي. ويضيف: إذا كنا وقعنا كما تؤكد الأرقام تحت خط الفقر المائى (أقل من 1000م3 مكعب/ فرد/ سنة) فإنه من الممكن ألا نعانى قلة المياه إذا أحسن استخدام مياه النيل وإذا انطلقنا إلى تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة النظيفة. ويضرب اللواء قنديل مثلا بمحافظة السويس التى تبلغ مساحتها 25 ألف كم2 وعدد سكانها لم يتجاوز المليون نسمة، فيقول إنها الآن تشرب من محطة تتغذى على ترعة السويس المحملة بمياه الصرف الزراعى والملوثة بالمعادن الثقيلة والأسمدة والمبيدات. ويضيف أنه لا فرق بين حالة السويس وحالتى مرسى مطروح وشرم الشيخ وجميع مدن البحر الأحمر، مطالبا بتوطين تكنولوجيا صناعة محطات مياه التحلية والإسراع بإقامة محطات عملاقة تنتج من 200 ألف متر مكعب إلى 250 ألف متر/يوم لمقابلة التوسعات المنتظرة بهذه المحافظات، خاصة أنه مع زيادة السكان سوف يقل نصيب الزراعة من مياه النيل. سألنا المهندس عبدالحليم درويش عن الخسائر التى تترتب على توصيل مياه النيل للمدن الساحلية الحدودية فقال: أهم الخسائر هى فقدان كميات كبيرة من المياه، فإذا كان إنتاج المحطة مثلا 100 ألف متر مكعب /يوم، فإنها لا تنتج أكثر من 60 أو 70 ألفا نتيجة فاقد المياه خلال المسافات البعيدة، وهو ما يؤدى إلى مضاعفة سعر الإنتاج مقارنة بالمياه المحلاة. ويضيف أن المسافة التى تمتد إلى 500 كيلو متر تحتاج إلى روافع وحراسات وأيد عاملة، خاصة إذا تعرضت هذه الخطوط للسرقة والاتلاف واعتداءات مواطنين أقاموا مزارع بجوار هذه الخطوط الممتدة وهنا يصل سعر إنتاج متر مياه النيل الذى لا يتعدى فى وضعه الطبيعى حاجز العشرين قرشا ليقفز ويصل إلى 45 جنيها وهى تكلفة عالية جدا وتتزايد مع ارتفاع سعر العملة الصعبة، وهو إهدار لثروة مصر من مياه النيل. وعندما سألت عن الميزة التى ستتوافر لو تم انشاء محطات مياه فى المدن التى لا تصلها مياه النيل قال سيتم القضاء على كل السلبيات التى ذكرناها فى حالة توصيل مياه النيل إليها والأهم من ذلك أنه سيتم توفير المياه لها طوال الوقت لأن تكنولوجيا إنشاء محطات التحلية ذاتها تقوم بحيث يتم تقسيم المحطة الواحدة إلى وحدات إنتاج مياه منفصلة لغرض الصيانة وهو ما يؤدى إلى توافر المياه فى أى وقت. سألته: ولماذا لم تنتبه الدولة لهذه المحطات قبل الآن وهى تعلم أننا دخلنا فى إطار ما يعرف بالفقر المائى؟ فقال لى: لقد سألت المهندس حسب الله الكفراوى وزير الإسكان السابق هذا السؤال فى عام 1992 فأجابنى بأن الدولة تمتلك عددا من مصانع إنتاج المواسير وهناك ضرورة قومية لتشغيلها، ولو انشأنا محطات تحلية فسوف تغلق هذه المصانع أبوابها! ولهذا تأخرت مصر فى تكنولوجيا تحلية المياه. وأضاف درويش: فى عام 2010 وأثناء زيارة الرئيس السابق حسنى مبارك لمدينة الغردقة قال لنا وكنا حينها نعمل فى إنشاء محطة تحلية مياه: انسوا مياه النيل تجيلكوا وفكروا فى تعميم محطات التحلية، وكانت الدولة فى هذا الوقت قد تخلصت من مصانعها لإنتاج المواسير. المهندس درويش نفسه يقول: لو اعتمد المصريون على مصادر أخرى بجانب نهر النيل فلن تكون لديهم أزمة مياه على الإطلاق وفهمت عن ذلك أنه يقصد أن ننطلق نحو تحلية مياه البحر ونتوسع فيها حتى لا يتم إهدار مياه النيل فى الرى بالغمر ووقف تلويثها بمخلفات الصرفين الصحى والصناعى فورا. نماذج عربية أكبر محطات لتحلية المياه فى العالم 1 مدينة الجزائر 400000م3/يوم 2 أبو ظبى 300000 م3/يوم 3 جدة (السعودية) 300000م3/ يوم 4 الرباط (المغرب) 250000م3/يوم خط مياه النيل لمدينة سانت كاترين } التكلفة 280 مليون دولار ويمتد لمسافة 280كم من غرب السويس إلى سانت كاترين بطاقة 2000م3/يوم } تكلفة توصيل كل متر مكعب من مياه الشرب تصل إلى 972 جنيها! } إذا تم انشاء محطة تحلية مياه على شاطئ خليج السويس مرورا بوادى فيران فسوف تصل تكلفة المتر المكعب إلى 6 جنيهات فقط، ويمكن توصيل نفس الخط إلى مدينة الطور بتكلفة المتر المكعب 4 جنيهات فقط!