بعد عدة أيام من وصولى الى اليابان لاول مرة فى اغسطس 1990 اصيبت بالدهشة البالغة اذ وجدت معظم عناوين او –مانشيتات – الصحف اليومية. تقول ان احد خطوط مترو الانفاق تأخر عن موعده فى اليوم السابق “ دقيقتين “ مسببا ارتباكا وفوضى فى شبكة متروهات وقطارات طوكيو التى تزيد على اكثر من 28 خطا وكلها مرتبطة بشبكة الكترونية ، وهنا ادركت ان احد اسرار تقدم اليابان هو الانضباط والدقة فى المواعيد .. والواقع آن تجربة نجاح اليابان الصناعى والاقتصادى تستهوى المصريين منذ مطلع القرن ال20 خاصة بعد ان تمكنت تلك “الدولة الصغيرة” الوليدة أنذاك من هزيمة الامبراطورية الروسية العتيدة فى الحرب التى دارت بينهما فى عام 1905 وعقب هزيمتها فى الحرب العالمية الثانية ، نجحت اليابان فى الخروج من الالام والدمار الذى لحق بكل شىء تقريبا من المصانع حتى المدارس والمعابد والطرق، وتغلبت اليابان على كل ذلك وحققت نجاحا اقتصاديا وصناعيا ابهر العالم كله خلال العقود الثلاثة فقط التى تلت انتهاء الحرب العالمية الثانية. وعادت تجربة اليابان مرة اخرى تستهوى المصريين والعرب معا، غير ان الأمر لم يتجاوز مجرد «الكلام» والحديث ولم يترجم ابدا الى اجراءات جدية اهم القوى الصناعية والاقتصادية فما اهم الدروس التى قد نتعلمها من تجربة اليابان؟ الحقيقة ان كل من يتعرف على امكانيات اليابان لابد ان يصاب بالدهشة اذ كيف لدولة ان تحقق مثل هذا التقدم المبهر وليس لديها من الموارد الطبيعية إلا ما ندر وتشهد زلازل كل يوم بلا ادنى مبالغة وبراكين وعواصف هوجاء صيفا وشتاء، كما انها بلد صغير جغرافيا لاتزيد مساحتها الاجمالية عن 377٫930 ألف كيلومتر مربع اى نحو ثلث مساحة مصر فضلا عن ان 71% من تلك المساحة عبارة عن جبال وغابات لاٌتسكن ولاتزرع، منذ آن خرجت اليابان مع منتصف القرن ال 19 من عزلتها عن العالم التى استمرت نحو 240 عاما وقد اختارت استراتيجية واضحة مع اصلاحات عصر “الميجى” 1868 رسخت خلال ال 150 عاما الماضية وهى ان تتعلم من الغرب –لا من الشرق هذه المرة ودفع الخوف من سطوة الغرب وتقدمه واحتمال الوقوع تحت براثنه، اليابان ودولا اخرى الى ضرورة التعلم منه والحفاظ فى نفس الوقت على منظومة القيم الاجتماعية. روح الفريق اشتهر اليابانيون فى العالم بانهم الشعب الذى يعمل كفريق واحد او بروح الفريق او «التيم وورك» ، واشار باحثون عدة الى ان هذه القيمة اليابانية الفريدة احد اسرار نجاح تجربة التقدم فى اليابان وهى نتاج منظومة القيم اليابانية التقليدية ، وتعنى ببساطة ان كل فرد فى الشركة او المصنع او المؤسسة من الرئيس او المدير الى اصغر عامل يتعاون وينسق ويتفاعل من اجل تحقيق الاهداف التى تم الاتفاق عليها لانجاح الشركة او المؤسسة والدولة. ومن ابرز مظاهر عمل الفريق فى اليابان ان البلاد تكون فى حالة اجتماع فى العاشرة من صباح كل يوم عمل،وتطرح فى هذا الاجتماع كل الموضوعات بمنتهى الصراحة والوضوح ولايتم فيها مجاملة افكار الرئيس او المدير نهائيا بل ربما تتعرض افكاره لانتقادات مريرة ولكن بكل أدب وتقدير لمكانته. العامل اليابانى وهو بالفعل احد اهم عوامل نجاح التقدم اليابانى فالمصنع هو بيته الاول والشركة هى امه التى ينتمى اليها ولاؤه الدائم لها ومستعد دائما للتضحية بنفسه من اجل نجاحها روح المسئولية من بين القيم الرفيعة التى يتمتع بها اليابانى “روح المسئولية”، والاحساس بالمسئولية لدى اليابانى عن عمله وشركته وبلده ، ووصل هذا الاحساس الى درجة انه اذا ارتكب خطأ يبادر على الفور الى التضحية بنفسه وانهاء حياته بالانتحار ايضا من اهم سمات المسئولية لدى اليابانى هو الالتزام بالمواعيد، والتزام اليابانى الدقيق بالمواعيد نابع من احترامه لذاته وللآخرين، فاليابانى شخص منظم جدا ويخطط لكل شىء يفعله وكل كلمة يقولها وهو يتعلم ذلك منذ الحضانة!